في المقابل، تعتبر جهات معارضة أنّ ورقة «مرشح المقاومة» ساقطة مهما حاول «الثنائي الشيعي». وترى أنّ «الحزب» ينتظر التسوية الملائمة في الوقت المناسب وبالثمن المطلوب، وذلك انطلاقاً من أنّ المطلوب من لبنان في المرحلة المقبلة لا يتحقّق مع فرنجية رئيساً. فوصوله في ظلّ الانقسام القائم، يعني مزيداً من الانقسام والتوتُّر مع هذا الرئيس البعيد من الأرقام البرلمانية ومزاج الرأي العام ومفروض على الوضعية المسيحية، فيما أنّ الرئيس الذي يُبحث عنه داخلياً وخارجياً هو القادر على إجراء تسوية للإنقاذ وليس للوصول إلى كرسي الرئاسة.
وترى جهات مسيحية عدة أنّ فرنجية الذي يعتبر «الحزب» أنّه «يحمي ظهر المقاومة» لا يمكنه حماية «ظهر المسيحيين»، فهو يسير عكس «التيار المسيحي» في ملفات أساسية «وجودية»، أو أنّه غير قادر على حلّها أو معارضة موقف «الثنائي الشيعي» منها، ومن بينها ملفّا النزوح واللامركزية الإدارية.
في ما يتعلّق بملف النازحين السوريين، إنّ مقاربة «فريق الممانعة» واضحة، وأساسها أنّ المجتمع الدولي هو الذي يمنع عودتهم وأنّ التواصل مع النظام السوري يساعد في تحقيق هذه العودة وفرضها على الغرب. لكن هذه المقاربة سقطت مع التجربة، فحصلت زيارات عدة لدمشق لم تسفر عن أي نتيجة. حتى «حزب الله» الذي عمل مباشرةً على هذا الملف لم يتمكّن على رغم علاقته بنظام الرئيس بشار الأسد من تحقيق هذه العودة. وسبق أن حاول الرئيس السابق العماد ميشال عون «تهديد» المجتمع الدولي، ومن على منبر الأمم المتحدة، بزيارة سوريا لحلّ هذا الملف، ولم يؤتِ هذا «التلويح» بأي ثمار.
إنطلاقاً من ذلك، تسأل جهات عاملة على خط النزوح: ماذا يملك فرنجية لحلّ هذا الملف غير التواصل مع الأسد؟ وهل بالتواصل مع الأسد يُلزَم المجتمع الدولي بإعادة النازحين؟ وتضيف: سبق أن دعا الأسد «شعبه» إلى العودة وقدّم تسهيلات لوزراء لبنانيين زاروا سوريا ولم يستجب النازحون للنداء. وبالتالي إذا لم يوقف المجتمع الدولي المساعدات للنازحين في لبنان ورفض هؤلاء العودة، كيف يعيدهم التواصل مع الأسد؟ وتوضح المصادر نفسها أنّ أزمة النزوح كبيرة جداً فهي تؤدّي إلى تغيير الديموغرافيا في لبنان، لكنها لا تُحلّ بالشعارات ولا على مستوى التواصل مع سوريا، بل هناك أصول وقواعد، يجب أن يتقنها المسؤول ويكون مطّلعاً على آلياتها وتفاصيلها خصوصاً مع المجتمع الدولي، من خلال استراتيجية واضحة ومحدّدة، ما يتطلّب تخطيطاً ومفاوضات وعملاً منهجياً وليس «عرض عضلات». وهذا ما لا يتوافر لدى فرنجية الذي يفتقد إلى العلاقات الدولية المساعدة في هذا المجال على عكس مرشحين آخرين للرئاسة يمتلكون علاقات واسعة مباشرة وتجربة تفصيلية وتقنية في هذا الملف وعلى دراية تامة بآليات العمل الخارجية ومفاتيح أبوابها.
إلى ملف النازحين، باتت اللامركزية الموسّعة مطلباً جامعاً لدى المسيحيين. وإذ ينادي رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل باللامركزية الإدارية المالية، يكرّر رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدعوة إلى ضرورة النظر في التركيبة. وخلال قداس «شهداء المقاومة اللبنانية» في أيلول 2020، ردّ على من يطرح مؤتمراً تأسيسياً، وقال: «أهلاً وسهلاً، لكن فليعلموا أَنّ محوره الأَساسيّ سيكون اللامركزية الموسّعة». ولم يحدّد حينها، إذا كان يقصد اللامركزية الإدارية أو السياسية أي الفدرالية. ترك الاحتمال مفتوحاً للافتراض.
على عكس هذا المطلب المسيحي، يرفض الفريق الذي رشّح فرنجية، اللامركزية الإدارية المالية، وفق اجتهادات مفادها أنّ «اتفاق الطائف نصّ على اللامركزية الإدارية لكن ليس المالية». وعمد «الثنائي» الى عرقلة إقرار اللامركزية في مجلس النواب حائلاً حتى دون وصول أي اقتراح قانون في هذا الصدد إلى الهيئة العامة. وسبق أن عبّر رئيس مجلس النواب نبيه بري عن أنّه لا يوافق على أي استقلال مادي أو أمني للمجالس المحلية. هذا في حين تعتبر أكثر من جهة سياسية ودستورية وقانونية أنّ أي لامركزية من دون واردات مالية لا جدوى منها، وأنّ الاعتراض على اللامركزية المالية يأتي من منطلقات سياسية أو مناطقية «استفادية».
بالنسبة الى فرنجية، فلقد أعلن أخيراً، خلال إحياء ذكرى «مجزرة اهدن»، أنّه ملتزم باللامركزية الإدارية الواردة في «اتفاق الطائف». فهل يمكنه معارضة بري أو إقناع «الثنائي الشيعي» بالسير باللامركزية المالية الموسّعة كما يطالب المسيحيون؟
مصادر مسيحية عدة تشكك بذلك، مذكرةً بأنّ فرنجية لم يقف مرةً مع الإجماع المسيحي ضدّ «الثنائي»، وحتى إذا أراد ذلك لن يتعاون «الثنائي» معه وإلّا لكانت اللامركزية أبصرت النور في عهد عون. وللمفارقة، إنّ الوزير الأسبق زياد بارود الذي وصفه فرنجية بـ»المرتب والنعنوع»، كان رئيس اللجنة التي أعدّت مشروع اللامركزية الإدارية والذي تبنّاه حزب «الكتائب» وحوّله الى اقتراح قانون، إلّا أنّ العرقلة السياسية خصوصاً من «الثنائي الشيعي» حالت دون إنهائه في اللجنة الفرعية. لذلك، ترى أوساط مسيحية عدة أنّ مرشح «الممانعة» إذا وصل إلى رئاسة الجمهورية سيعزّز الشعور المسيحي العام بالغبن والدعوات إلى ما هو أبعد من اللامركزية الموسّعة إن كانت إدارية أو فدرالية.