هذا في الوقت الذي ما زالت دول أوروبية تحاكم مجرمي الحرب الذين لجأوا إلى أوربا، أو المتواجدين في سوريا غيابيا.
وقد اعتبر الائتلاف الوطني السوري قرار الجامعة العربية أن القرار” يعني التخلي عن الشعب السوري، وعن دعم مطالبه المحقة، وإهدار تضحياته العظيمة خلال 12 عاما من الثورة على الظلم، والإرهاب، والاستبداد، وانحيازا واضحا لصالح المجرمين”.
الابتزاز بالكبتاغون
تقوم دول العالم أجمع بملاحقة ومعاقبة مصنعي ومهربي المخدرات حول العالم وتخشى من تفشيها وتعاطيها والتي من شأنها ضرب نسيج المجتمعات، وخاصة عندما تنتشر في المدارس والفئة العمرية الصغيرة المعرضة لحالة الإدمان الخطيرة.
والمخدرات بأنواعها المختلفة هي من مستخرجات نباتية لكن أضيف إليها مؤخرا مستخرج كيميائي جديد: الكبتاغون. وهو تسمية لعقار مستخرج من الأمفيتامين المحفّز، والذي بات اليوم المخدّر الأكثر انتشارا في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.
وتُعد هذه الحبوب اليوم مصدر دخل كبير للنظام السوري، وتفوق قيمتها كل قيمة صادرات البلاد القانونية، وفق تقديرات وكالة فرانس برس، وباتت سوريا مركزاً أساسياً لشبكة تمتد إلى لبنان والعراق وتركيا وصولاً إلى دول الخليج مروراً بدول إفريقية وأوروبية، وتُعتبر السعودية السوق الأولى للكبتاغون. وأشار أكثر من مصدر أن تصنيع وتصدير الكبتاغون يتم عن طريق الفرقة الرابعة التي يترأسها ماهر الأسد شقيق بشار الأسد، وتمر هذه التجارة عبر بوابتين رئيسيتين الأردن والعراق.
وقد قامت القوات الأردنية مؤخرا بتصفية أحد بارونات المخدرات في منطقة درعا، وأصدر الكونغرس الأمريكي قانون الكبتاغون لمعاقبة النظام السوري وملاحقته.
مع موجة التطبيع مع النظام السوري كان وقف تصدير الكبتاغون مطلبا رئيسيا لدى الأردن والسعودية، لكن المشكلة لدى النظام السوري هي كيف يعوض أموال الكبتاغون ليرفد ميزانية النظام شبه المفلسة، وحسب وكالة رويترز فإن المملكة العربية السعودية عرضت على الأسد مبلغ 4 مليارات دولار كتعويض عن خسارته في تجارة الكبتاغون، وهذه أول مرة يكافأ فيها تاجر المخدرات على جريمته بدل أن يعاقب، مع أن تهريبه للمخدرات التي تدر عليها الأموال الطائلة تفتك بالمجتمع الخليجي.
ويكون الأسد بتصنيعه وتهريبه لهذا المخدر قد امتلك ورقة يبتز فيها سياسيا الأردن ودول الخليج للوصول إلى هدفه الأساسي: فك عقد ونيف من العزلة. ولكن هل سيكافأ بهذا المبلغ كل عام، وهل سيفي هذا النظام بوعوده وقد أخل سابقا بكل الوعود، فشحنات الكبتاغون تصل تباعا إلى السعودية، وفي العام 2013 تعهد بتدمير ترسانته من الأسلحة الكيميائية التي ضرب فيها سكان الغوطة الشرقية، لكنه عاد ليستخدمها في خان شيخون ودوما وخان العسل وسواها بعد عدة سنوات.
وكيلة الأمين العام والممثلة السامية لشؤون نزع السلاح الكيميائي إيزومي ناكاميتسو قالت إن نظام الأسد لا يزال غير متعاون مع لجنة تقصي الحقائق فيما يتعلق بملف الكيميائي في سوريا، عبر تقديمه بيانات ناقصة وتقاعسه عن تسليم الوثائق المطلوبة. وأن التقييم الحالي يرفع هذا الرقم إلى ما يزيد عن 50 هجمة بأسلحة محرمة دولياً.
وقال ممثل الولايات المتحدة إن النظام رفض في 7 مناسبات منفصلة الكشف عن برنامجه للأسلحة الكيميائية وأضاف أن “حماية روسيا الوقحة لسلوك سوريا المتحدي يُمكّن نظام الأسد ويترك الشعب السوري، في مواجهة احتمال المزيد من الهجمات بالأسلحة الكيميائية.
معضلة اللاجئين
طالبت كل الدول التي فتحت باب التطبيع مع النظام السوري، وعلى رأسها تركيا، بعودة طوعية وآمنة للاجئين السوريين وخاصة في تركيا، ولبنان، والأردن حيث توجد تجمعات كبيرة للاجئين السوريين، لكن المعضلة تكمن في أن النظرة إلى اللاجئين وكأنهم متجانسون فهذه نظرة خاطئة لواقع السوريين في الشتات، إذ أن لا يوجد أحد من اللاجئين في الواقع مستعدا للعودة، فعدد كبير من اللاجئين فقدوا منازلهم التي دمرها النظام أو أنها سجلت ملكيتها لأشخاص آخرين بطرق ملتوية، كما أن فئة الشباب التي هي مطلوبة للخدمة العسكرية فإنهم يرفضون رفضا قاطعا الخدمة العسكرية في صفوف جيش النظام الذي يضعهم على الجبهات لمواجهة قوات المعارضة، إضافة إلى ذلك فأن هناك من أنشق عن جيش النظام وهو مطلوب القبض عليه.
أما جيل الثورة أي الذين كانوا أطفالا مع انطلاقة الثورة باتوا اليوم يافعين قد تأقلموا في بلاد اللجوء، واستطاع بعضهم الحصول على شهادات عليا، ولا يوجد لهم أي فرصة عمل في سوريا، وإذا وجدها فما يكسبه لا يتجاوز حفنة دولارات لا تغني ولا تسمن من جوع في ظل تدهور العملة السورية (سعر الدولار الواحد لامس تقريبا 10 آلاف ليرة). ويتظاهر النظام برغبته في عودة اللاجئين للمطالبة بإعادة الإعمار، والاستثمار، ورفع العقوبات في عملية ابتزاز أخرى. ولكن في الواقع هو الرافض الأول لعودة اللاجئين، ذلك أن النظام الطائفي (العلوي) كان يعمل ضمن خطة منهجية لطرد السوريين السنة حتى يتم له تحقيق ما سماه “الشعب السوري الأكثر تجانسا” أي أن الأقلية تصبح الأكثرية وهذا شرط أساسي في تحقيق ديمومة الحكم العلوي.
وكان الأسد رفض عودة لاجئي أوروبا رغم وساطة روسيا. هذا علاوة عن أن كل اللاجئين هم معارضون لنظام الأسد وسيشكلون عليه خطرا عاجلا أم آجلا، وثقلا انتخابيا في حال جرت انتخابات نزيهة تحت رقابة دولية.
المعتقلون
حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن النظام السوري لا يزال يعتقل ما ينوف عن 100 ألف معتقل، وهناك عشرات الآلاف المختفون قسريا، وهذا الملف المطلوب فتحه والتحقق من مصير المختفين، والإفراج عن جميع المعتقلين. وهذه العملية سوف تفضح مرة أخرى جرائم النظام، فمعظم هؤلاء المعتقلين قضوا في سجون النظام سنوات طويلة يتلقون فيها شتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي، ويبتز ذويهم بأموالهم لمعرفة مصير أبنائهم وأقاربهم. ويحاول النظام التملص والالتفاف على قضية المعتقلين، ويقدم أكاذيب واهية عن مصيرهم.
القرار 2254
المبادرة العربية اشترطت وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار الدولي 2254، والقاضي بانتقال سياسي عبر تشكيل حكومة مشتركة من النظام والمعارضة، لكن واقع الأمر أن ما قامت به روسيا والنظام الأسدي عبر منصات سوتشي وآستانا هو التهرب من هذا القرار والالتفاف عليه، وتم تسويف كل جولات لجنة صياغة الدستور وإفشال جهود مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسون الذي عبر عن خيبته في الوصول إلى توافق بين وفدي المعارضة والنظام.
طرد الميليشيات
من الشروط أيضا إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا، وهذا مطلب من الصعب جدا على الأسد تنفيذه كون نظامه محميا بهذه الميليشيات واستمراره يعتمد عليها، وبالتالي فإن معظم مطالب الأنظمة العربية المطبعة مع النظام لن تنفذ أو سيجري تحويلها إلى عمليات ابتزاز مستمرة، وتسويف لكسب أطول وقت ممكن وهذه كانت دائما الاستراتيجية التي يعتمد عليها النظام.
وبذلك يستنتج أن الجامعة هي التي عادت إلى النظام الأسدي وليس العكس كما حاول النظام قوله على لسان غيره.