أولا : من المؤكد أن موضوع النزوح السوري “المنظم” الى لبنان هو موضوع خطر جداً و يهدد الديمغرافيا اللبنانية و يجب العمل جدياً على معالجته بطريقة جذرية و حاسمة لا في الإعلام و المزايدات كما يجري اليوم , فما هدف معظم القوى السياسية من استغلال المواضيع التي تشبه النزوح و تضخيمها بطريقة مستغربة لا تتناسب و طبيعتها و حتماً لا تحلّ المشكلة ؟
قرأنا و سمعنا في الآونة الأخيرة عن تسوية سياسية تعمل على تحقيقها اللجنة الخماسية و قد اقتربت في لحظة ما من إنجاز صيغتها النهائية ثم عادت و تجمدت حالياً و تعقدت لأسباب عديدة ، تلك التسوية التي ستحصل عاجلاً أم آجلاً ستشكل بنهاية المطاف مخرجاً لأزمة الشغور الرئاسي في لبنان ، و ستفرض حتماً على جميع القوى السياسية التراجع عن السقوف العالية التي رفعتها في الآونة الأخيرة لأنها لن تفرز منتصر أو مهزوم ، فكيف ستبرر تلك القوى تراجعها أمام جماهيرها؟
في لبنان و خاصة بعد اتفاق الطائف اتّبعت معظم القوى سياسة الإلهاء عند الحاجة لتمرير بعض القرارات الغير شعبية بصمت و دون أي ردّ فعل و هذا بالتحديد ما يجري حالياً ، فعند كل مفترق أساسي كنا نرى تلك القوى و معها إعلامها و أبواقها تطلق حملات حول مواضيع لا علاقة لها بالأزمات الراهنة و تعمل على تضخيمها بشكل كبير لإلهاء الناس و تحييد أنظارها عما يطبخ خلف الكواليس من تسويات و صفقات و ما يجري اليوم لا يشذ عن تلك القاعدة .
لن نراجع محطات كثيرة حصل فيها ذلك منذ ما بعد انتهاء الحرب الأهلية و حتى اليوم لأنها كثيرة جداً و عايَشَتها الناس دون ان تدرك حقيقتها الا بعد فترات طويلة ، سنكتفي بطرح بعض الأسئلة حول ما يجري اليوم لنوضح الصورة !!
كيف لموضوع النزوح السوري ان يتضخم فجأة و دون سابق إنذار بهذه الطريقة و تبدأ جميع القوى بالاستثمار فيه و بطريقة متجانسة و متوازية ؟ الم يكن هذا النزوح يشكل نفس الخطر قبل سنة و سنتين أو ثلاث ؟ ما الذي استجد الآن ؟ و من يرسل هذه الأعداد الضخمة من السوريين الى لبنان بهذا التوقيت بالذات و لأي أهداف تحديداً ؟
ما الذي استجد لينفجر مخيم عين الحلوة بهذا الشكل العنيف و في هذا التوقيت أيضاً ؟ من استثمر بالوضع الأمني فيه و لأي أهداف ؟ لماذا لم يتفجر منذ سنة مثلاً ؟ ألم تكن تلك المجموعات موجودة أصلاً هناك و منذ زمن ؟
لماذا تحريك الجبهة مع العدو في الجنوب و توريط الجيش اللبناني بها رغم انشغالاته الكثيرة في الداخل و الوضع الإقتصادي المذري الذي نعيشه ؟ الم يكن بالإمكان تجنب تلك الإشكالات مع الإحتلال راهناً أو تأجيلها الى وقت آخر ؟
لماذا تم اختراع مشكلة مع قوات حفظ السلام الدولية و قام البعض بالحملات و هم يعرفون أن شيئا مما قالوه لن يتحقق و أن تلك القوات موجودة عندنا بقرارات دولية واضحة و صريحة و بقائها مرتبط بتلك القرارات التي تحدد مهامها و طريقة عملها و تحركها ؟
ما الهدف من بعض الأحداث الأمنية المتنقلة في لبنان منذ حوالي السنة و حتى الآن و تضخيم بعضها و إعطاءها أحجام أكبر بكثير من أحجامها الفعلية ؟
ألم تستثمر تلك القوى في انتفاضة ١٧ تشرين لتحييد الأنظار عن التخلف عن الدفع و الإنهيار الاقتصادي المقصود الذي حصل في لبنان ؟
لماذا ضُخِّم ملف رياض سلامة بهذا الشكل و كلهم يعرفون أنه شريك في الإنهيار و ليس المسؤول الوحيد عنه ؟ ألم يلهوا الناس سنة و أكثر به ؟ و لما خفَتَ الحديث عنه في الآونة الأخيرة ؟
لن نعدد أكثر لأن مواضيع الإلهاء في لبنان لا تعد و لا تحصى ، فالسياسيون عندنا أذكياء جداً و ماكيناتهم الاعلامية جاهزة للتنفيذ و نحن البسطاء نتلقى ما يوجهوننا صوبه دون تفكير و نسير غرائزياً من دون توقف حتى يحين وقت إنهاء مهزلة الإلهاء و العودة الى الواقع المرّ !!!
لا تصدقوهم بموضوع النازحين فمن يريد إعادتهم يعمل على فرزهم و وضعهم في مخيمات على الحدود أولاً للتقليل من خطرهم كما فعلت الأردن و تركيا عوضاً عن الاستثمار الفارغ في الإعلام !!! و من يريد إعادتهم حقاً و هو يعرف أن تلك العودة غير متيسرة دولياً في الوقت الحاضر يذهب لاجتراح حلول أخرى منطقية و قابلة للتطبيق إن كان صادقاً في ما يقول و لا يستمر في الاستثمار بموضوع يعرف مسبقاً انه لن يصل به الى أي نتيجة في الوقت و الظرف الراهنين!!
الصادق في موضوع النازحين و من يريد من الناس تصديقة يعمل على حلِّ واحد متوفّر حالياً :
البدء فوراً بإحصاءهم و تجميعهم في مخيمات حدودية بعيدة عن التجمعات السكنية اللبنانية و بحماية الجيش اللبناني … بهذه الطريقة يتوقف إرهاق الجيش و القوى الأمنية برصدهم و تتبعهم في الداخل و يمكن التقليل كثيراً من خطر انفلاتهم في قلب المدن و البلدات اللبنانية ..
توازياً يمكن العمل على إطلاق حملة اتصالات دولية واسعة للضغط من أجل إعادتهم و الأهم من ذلك كله منع أي سوري يحمل صفة نازح و يسفيد من ذلك من العودة الى لبنان في حال خروجه منه الى سوريا لأنه و بهذه الحالة تسقط عنه صفة النزوح … كل ما ذكرناه يمكن تحقيقه و ليس مستحيلاً اللهم إن كان المعنيون صادقون في معالجة هذا الملف فعلياً و ليس استغلاله و المتاجرة به لغايات في أنفسهم …
كل من يقول عكس ذلك هدفه إلهاء الناس لتغطية تنازلاته اللاحقة في الموضوع الرئاسي أو في أي صفقة أخرى تطبخ بعيداً عن الأضواء لا أكثر و لا أقل و هو بالتالي ليس جدياً بإنهاء ملف النازحين في لبنان انما يستثمره فقط من أجل شعبوية رخيصة ضمن مسلسل الإلهاء المستمر الذي تجيده و تتقنه القوى السياسبة اللبنانية و ببراعة … فلا تصدقوهم …
عندما يعرف البعض أن الحلول المنطقية لمشكلة معينة غير متاحة في وقت ما لألف سبب و سبب أو أن الحجم الذي يعطونه لتلك المشكلة أكبر من حجمها الحقيقي بكثير و يستمرون بالمزايدة و الإستثمار في تلك المشكلة , علينا وفتها أن ندرك بأن هؤلاء يلجأون الى سياسة الإلهاء لإخفاء الصفقات الحقيقية التي يقومون بها سرا و هذا ما برع و يبرع به أغلب سياسيي لبنان و منذ زمن .
ملاحظة : الكلام الوارد في التقرير لا يشمل كل القوى السياسية فنحن ضد مبدأ التعميم لأنه يصب في مصلحة تجهيل المرتكب الحقيقي دائما و هناك قوى سياسية ما زالت محترمة و صادقة في لبنان .