دخلت البلاد الشهر الأخير من سنة 2024، والذي لن يشهد انفراجا للأزمة الرئاسية التي تغرق فيها مند 31 أكتوبر 2022، بعدما حدد رئيس المجلس النيابي نبيه بري التاسع من يناير 2025 موعدا لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية تحمل الرقم 13.
إلا أن الشهر الجاري بما يحمل من عد تنازلي لنهاية السنة، سيشهد اتصالات مكثفة تحت غطاء دولي، سعيا لتأكيد انعقاد الجلسة النيابية أولا، وتأمين خروج الدخان الأبيض من مبنى البرلمان في ساحة النجمة بوسط بيروت.
اتصالات غايتها تأمين التوافق على اسم ينتخب صاحبه من الدورة الأولى بعدد أصوات يفوق الثلثين 86 صوتا، بما يكفل إعلانه رئيسا للجمهورية من قبل رئيس الجلسة رئيس المجلس وفقا للمادة 49 من الدستور اللبناني.
ودون التوافق صعوبة في ترك المنافسة مفتوحة في جلسة البرلمان أمام أنظار السفراء بعد إعلان الرئيس نبيه بري توجيه الدعوة اليهم للحضور، صعوبة في أن تشهد «الجمهورية الثانية» بعد اتفاق الطائف ولادة رئيس غير معروفة هويته قبل فتح صندوق الاقتراع لتصويت النواب.
وعلى الرغم من ذلك، يراهن قسم من أهل السياسة على احتمال حصول تنافس، بسبب التزام أهل السياسة في البلاد، خصوصا الممسكين بملف الاستحقاق الرئاسي وتحديدا الرئيس بري، بالتزاماتهم تجاه الدول الكبرى وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية، التي ربطت وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» بانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية.
وإذا كان السباق الرئاسي غير محسوم لصالح أحد مرشحين رئيسيين من مؤسسة وطنية كبرى هي مؤسسة الجيش اللبناني، فإن الطريق إلى السرايا الحكومية قد لا تشهد تبديلا في هوية قاصدها وتبديل فريق العمل، مع هبوب رياح تسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة باتجاه الرئيس نجيب ميقاتي، من دون إسقاط إمكانية حصول مفاجأة، ولو بنسبة ضئيلة للغاية، تتجه فيها الأمور نحو تكليف رئيس سابق للحكومة هو الرئيس تمام سلام، أو تتم تسمية شخصية جديدة من خارج العاصمة بيروت، وتحديدا من الشمال، ومن خارج المجلس النيابي.
إلا أن أسهم الرئيس ميقاتي مرتفعة للغاية، وهو ينتظر معرفة هوية الرئيس، تمهيدا للشروع في إعداد التشكيلة الوزارية المنوط بها تقديم أفكار لتحقيق إصلاحات جذرية تحتاج إليها البلاد، ومطلوبة بقوة من المجتمع الدولي.
وعادت «الأجواء الجنوبية» لتخطف الأضواء مجددا في ظل الخروقات والاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة، ما يدفع البعض إلى الاعتقاد أن شيئا ما أعد في الخفاء. غير أن مصادر مطلعة قالت لـ «الأنباء»: «هذا التصعيد لن يطول في انتظار مباشرة لجنة الرقابة مهامها ميدانيا، ذلك أن الإجراءات التي اتفق عليها حول آليات تنفيذ بنود القرار 1701، لم تطبق لجهة عدم عودة المدنيين قبل استكمال انتشار الجيش اللبناني وانسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية إلى خط الهدنة للعام 1949».
وأضاف المصدر: «هناك ضبابية ربما مقصودة اتبعت من جانب السلطات اللبنانية، بحيث لم تطلب من المدنيين العودة وتجاهلت التحذير من هذه العودة السريعة أو تحديد مهلة زمنية معينة لها، في وقت كان المطلوب انتظار تنفيذ الانتشار العسكري الميداني للجيش».
وتابعت: «إن جو النزوح الضاغط ومعاناة النازحين في كل المناطق التي نزحوا إليها، لم يكن ليجعل أي مسؤول يجرؤ على الطلب من النازحين عدم التوجه جنوبا، لذا تركت الأمور لمشيئة القدر.
في المقابل، فإن إسرائيل خشيت من أن تقع في الفخ مجددا وأن تتكرر تجربة العام 2006 بعد حرب يوليو، حيث أعاد الزحف البشري اللبناني خلال ساعات من بدء وقف إطلاق النار «وقف العمليات الحربية وقتذاك» الأمور إلى نقطة الصفر، وارتدت سلبا على إسرائيل بعدم تطبيق أي بند من القرار 1701 من الجانب اللبناني. من هنا فإن إسرائيل، وعلى الرغم من الاحتجاجات اللبنانية في مواجهة الخروقات، صعدت من تحركاتها بتكثيف طلعات الطيران الحربي والمسيرات، في محاولة لتوجيه رسالة بأن لبنان أمام خيارين: إما استئناف الحرب أو تطبيق الاتفاق».
وجزمت المصادر «بأن لا أحد يريد الذهاب إلى أبعد مما هو حاصل، بل على العكس، فإن هذه الخروقات ستتراجع مع بدء اجتماعات لجنة الرقابة وتوسع انتشار الجيش اللبناني، الذي بدأ يتخذ خطوات عملية بالتعاون مع البلديات لجهة توجيه المدنيين حول خطة التحرك، وهذا ما كان يجب ان تقوم به السلطة عند الإعلان عن الموافقة على وقف إطلاق النار».
وأشارت المصادر «إلى ان ظروف الحرب كانت قاسية على الجميع، ولا أحد يرغب في العودة اليها وتكرارها. وبدأت الصورة تتضح للمدنيين وللكثير من النازحين الذين عادوا إلى بلداتهم، فغادروها مجددا خصوصا في المناطق الحدودية، بعدما شاهدوا حجم الدمار وانعدام مقومات الحياة. وفي هذا الإطار يسجل الغياب لأجهزة الدولة وخصوصا في العمل على إصلاح ما دمره الاحتلال في مجال المياه والكهرباء، وهما المصدران الأساسيان للحياة. كذلك هناك بطء في فتح الطرقات المقفلة حتى داخل البلدات التي هي خارج نطاق المنطقة الحدودية التي أعلن الجيش الاسرائيلي فرض حظر تجول فيها بين الخامسة عصرا والسابعة صباح اليوم التالي. وأيضا ثمة أسئلة تطرح حول الصمت الحكومي حول إعادة الإعمار والتعويضات».
في المواقف، قال البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في عظة الأحد الأسبوعية من الصرح البطريركي في بكركي: «نشكر الله على القرار الأميركي- الفرنسي بوقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان لمدة 60 يوما، ونحن نأمل أن يصبح سلاما دائما. ونخص بالشكر كل الذين عملوا لبنانيا ودوليا من أجل وقف النار هذا.
ونأمل أن يتمكن لبنان وإسرائيل من تنفيذ نص «وقف الأعمال العدائية» ببنوده الثلاثة عشرة التي تشكل التفاهمات بين إسرائيل ولبنان، والتي حددتها الولايات المتحدة الأميركية لتنفيذ هذه البنود كاملة بنصها وروحها، فنرجو أن تسلم الأوضاع في كل من إسرائيل ولبنان، ويعيشا بسلام وفقا لهدنة 1949».
حياتيا، تبدل المشهد في البلاد بسرعة كبيرة، واستعادت مناطق عافيتها التجارية، كما شهدت أماكن سهر تضم مقاهي ومطاعم حركة متجددة بعد ركود، مثل شوارع الجميزة ومار مخايل وبدارو في العاصمة بيروت.
وازدحمت مواقف السيارات في المجمعات التجارية بالسيارات، وتبدل المشهد في مجمع «سيتي سنتر» بساحل الحازمية قرب الشياح، والذي شهد انتشار فيديو لهروب الناس منه في اليوم الأخير من الحرب.
وأقبل زوار ومتسوقون على متاجر مع بدء شهر ديسمبر، الذي يشهد عدا تنازليا لعيدي الميلاد ورأس السنة.
وتشجع عدد من أصحاب الشركات التي تعنى بتأمين خدمة المأكولات «كايترينغ» إلى المنازل في المناسبات الكبرى، ونشروا إعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبعثوا برسائل نصية إلى زبائنهم مستعينين أيضا بتطبيق «واتس أب».
وكشف صاحب مؤسسة كبرى في هذا المجال، قيامه بتوجيه رسائل إلى الزبائن، وقال: «على الرغم من وصولي إلى الطاقة الاستيعابية الكبرى بإقبال البعض في مناطق لم تستهدف بالقصف على الحجز باكرا. ومع ذلك حرصت على تأكيد حضوري في السوق عبر وسائل التواصل الاجتماعي في سياق الاستمرارية للمستقبل».