في جنوب لبنان لا يقف حزب الله وحده، فإلى جانبه ذراع إخوانية وفصائل فلسطينية، في تحالف قد يمنح حماس موطئ قدم في “سويسرا الشرق”.
فبعد أن ظلت محاصرة تاريخيا في “المنطقة الرمادية” من المشهد السياسي اللبناني، عادت “الجماعة الإسلامية” للظهور مجددا، خلال الأشهر الماضية، ولكن من بوابة أخرى.
ومنذ الهجوم المباغت الذي شنته حركة حماس، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وما أعقبه من حرب إسرائيلية ما زالت متواصلة على قطاع غزة، شاركت “قوات الفجر” الجناح المسلح لـ”الجماعة الإسلامية” في القتال إلى جانب حزب الله، وشنت عدة هجمات خارج الحدود.
وفي الوقت الذي يبحث فيه حزب الله عن الدعم المحلي لمعركته ضد إسرائيل دعما لحماس، يأتي هذا التحالف في لحظة حرجة يرتفع منسوب توترها على الحدود يوما تلو الآخر.
التنسيق مع حماس
يقول مراقبون إن الانتخابات داخل “الجماعة الإسلامية”، عام 2022، جعلت قيادتها أقرب إلى حماس التي تستلهم مثلها أيديولوجية الإخوان المسلمين، التي أسسها حسن البنا في مصر سنة 1928.
وهو ما أقرّ به الأمين العام لـ”الجماعة الإسلامية” محمد طقوش، في مقابلة سابقة طالعتها “العين الإخبارية” في وكالة أسوشيتد برس، قال فيها إن مجموعته تتخذ قراراتها الخاصة في الميدان، ولكنها تنسق بشكل وثيق مع حزب الله، ومع الفرع اللبناني لحركة حماس.
مضيفا “جزء من (الهجمات ضد القوات الإسرائيلية) كان بالتنسيق مع حماس، التي تنسق مع حزب الله”.
وفي دلالة أكبر على عمق التقارب بين الفصيلين، اعتبر طقوش أن “التنسيق والتعاون مع حركة مثل حماس شرف” حسب وصفه.
من هي الجماعة الإسلامية؟
الجماعة الإسلامية التي تأسست عام 1964 هي واحدة من الفصائل السنية الرئيسية في لبنان، لكنها حافظت على مستوى منخفض سياسيا على مر السنين.
واليوم، يمثلها نائبٌ واحد فقط من أصل 27 نائبا سنيا في مجلس النواب المكنون من 128 مقعدا.
أما جناحها العسكري “قوات الفجر” فتأسس عام 1982 في ذروة الغزو الإسرائيلي للبنان.
وبحسب ما طالعته “العين الإخبارية” في الموقع الإلكتروني لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، تضم “قوات الفجر” حاليا نحو 500 مقاتل.
أهمية الجماعة الإسلامية لحماس وحزب الله
لكن الأهمية الأساسية للجماعة لا تكمن في قدراتها العسكرية أو ترسانتها، بل بالأحرى في الأهمية الحاسمة لها ولجناحها المسلح لكل من حماس وحزب الله.
فالجماعة وجناحها يوفران -وفق المعهد- غطاء لبنانيا جيدا، ويسمحان باعتماد تكتيك الإنكار المعقول بشأن بعض الهجمات، ولديهما وصول أكبر إلى المجتمع السنّي في البلاد، الذي أصبح بلا زعيم ومنفصلا عن السياسة منذ أن غادر رئيس الوزراء السابق سعد الحريري الساحة في عام 2019.
ويقول معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن “الجماعة الإسلامية” وبعد سنوات من الخلاف مع حزب الله، تحولت نحو تحالف سياسي قوي مع الحزب وحماس.
وبدأ ذلك في عام 2022 عندما قاد محمد طقوش معسكر “الجماعة الإسلامية” المؤيد لحماس إلى الفوز في انتخاباتها الداخلية، ثم سعى إلى إقامة تحالف رسمي مع محور «حزب الله» و«حماس».
نشاط “الفجر” خلال حرب غزة
في 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلنت “قوات الفجر” عن أولى بوادر إعادة التفعيل، عندما أعلنت مهاجمة شمال إسرائيل، ومنذ ذلك الحين تبنت هجمات أخرى ضد أهداف إسرائيلية مثل كريات شمونة.
وشهدت فترة الحرب أيضا محاولة من “الجماعة الإسلامية” للاندماج مع ما يسمى “محور المقاومة”، فعلى سبيل المثال بعد مقتل القيادي البارز في حماس صالح العاروري، مطلع العام الجاري، في غارة إسرائيلية في بيروت، اعتبر بيان التعزية الصادر عن الجماعة أن “الدم اللبناني والفلسطيني امتزجا ليكملا معا مسيرة التحرير”.
وقد تعزز هذا التكامل بشكل أكبر عندما قالت الجماعة إن العاروري كان “قائدا لكل من قوات الفجر وكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس.
استغلال
ومع استمرار نمط الهجمات الصاروخية والرد الإسرائيلي، تعمل “الجماعة الإسلامية” على استغلال التعاطف الواسع النطاق مع غزة، حيث حولت مؤخرا تشييع واحد على الأقل إلى عرض عسكري وسياسي.
استعراض يقول معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن الهدف منه “هو تعزيز جهود تجنيد الجماعة للشباب السنّة المتعطشين إلى زعامة أو انتماء أو هوية، على غرار الطريقة التي أشرك بها «حزب الله» الشباب الشيعة في ثمانينيات القرن العشرين، وإن كان ذلك على نطاق أصغر”.
وحذر المعهد من أن اكتساب حماس قوة أكبر وهيمنة سياسية على جماعة “الإخوان” اللبنانية يمكن أن يفعل الكثير لمساعدة حزب الله بشكل كبير على التغلغل داخل المجتمع السنّي في البلاد.
واعتبر أن هذا التقارب بين إخوان لبنان وحزب الله وحماس “يشكل اتجاها خطيرا يمكن أن يتنامى وسط الانهيار الاقتصادي الذي يبدو أنه لا يمكن إيقافه في لبنان، مما سيؤدي إلى المزيد من زعزعة الاستقرار”.