منذ غادر الموفد الرئاسي الفرنسي جان – إيف لودريان لبنان السبت الماضي، إنهمك “حزب الله” بالدعوة الى حوار داخلي حول الاستحقاق الرئاسي، فبدا وكأنه وضع الرهان على المسعى الفرنسي الجديد جانباً. هل هناك معطيات تجعل دعوة “الحزب” المتجددة الى الحوار مجدية هذه المرة، بعد تجارب فاشلة على مدى عقود؟
قبل المضي في البحث عن أسباب “الحزب” الحوارية، توافرت لـ”نداء الوطن” معطيات عن خمسة أسباب تجعل الحزب مأزوماً رئاسياً، دفعته للدعوة الى “الحوار” حالياً. كما قد تأخذه الى دعوات وممارسات تعكس عمق الأزمة التي تتخطى موضوع الانتخابات الرئاسية الى واقع “الحزب” ومستقبله وسط تغييرات في لبنان وخارجه.
نورد الأسباب الخمسة، على النحو الآتي:
فرنسياً، كان “الحزب” مطمئناً الى استمرار الفرنسيين في مبادرتهم التي تقوم على المقايضة (سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية مقابل نواف سلام رئيساً للحكومة)، لكن هذا الاطمئنان تلاشى في الزيارة الاستطلاعية الاولى للودريان، ليتبيّن أنّ الجانب الفرنسي بدأ يغيّر مقاربته للملف الرئاسي في لبنان. وأتى هذا التطور في وساطة باريس نتيجة عزلتها على مستوى اللجنة الخماسية التي تضمها الى واشنطن والرياض والقاهرة والدوحة. فالدول الأربع لم تتبنّ المبادرة الفرنسية ما جعلها مكشوفة خارجياً، كما هي الحال في لبنان حيث كانت المبادرة مكشوفة داخلياً بسبب وقوف غالبية اللبنانيين ضدها.
سعودياً، ظنّ “الحزب” أنّ التقارب الايراني – السعودي الذي انطلق من اتفاق بكين في آذار الماضي سيحقق لـ”الحزب” مراده رئاسياً، لكن رياح العلاقات بين الرياض وطهران لم تجرِ كما تشتهي سفن الضاحية الجنوبية. وهذا ما أكده الرئيس نبيه بري بقوله إنّ الملف الرئاسي ليس أولوية عند السعوديين. وتلاه موقف ولي العهد الامير محمد بن سلمان، كما ورد في صحيفة “لوموند” الفرنسية خلال زيارته الاخيرة لفرنسا، ليثبت أنّ لبنان فعلاً ليس اولوية الرياض حالياً.
وأكثر من ذلك، إكتشف “حزب الله” في الجلسة الـ12 التي انعقدت في 14 حزيران الحالي لانتخاب رئيس للجمهورية، أنّ 10 نواب سنّة صوتوا لمصلحة مرشح تقاطع المعارضة جهاد ازعور، ما جعله يعتقد أنّ تأثيراً سعودياً ما أدى الى هذا التأييد السني الوازن لمرشح المعارضة.
داخلياً، فوجئ “الحزب” بنتائج استطلاع للرأي في المناطق المسيحية، أظهر له أنّ 90 في المئة من المسيحيين يقفون ضده في الموضوع الرئاسي ومحاولته فرض فرنجية رئيساً للجمهورية، متجاهلاً الاجماع المسيحي تقريباً الذي يرفض خيار “الحزب”. وتبيّن له أنّ ما تبقى من المسيحيين ونسبتهم عشرة في المئة، لا يعوّل على حيثيتهم الداخلية. فهؤلاء ينتمون الى مجموعات تؤيد “الحزب” بسبب مصالح ومنافع، كما هي حال تيار”المردة” الذي ينتمي اليه فرنجية. والى جانب “المردة”، هناك شبكة مصالح سمحت لـ”الحزب” بان يفوز بولاءات عدة، ولا سيما على المستوى المسيحي.
قائد الجيش ، سعى “حزب الله” ولا يزال الى عقد تفاهمات مع العماد جوزاف عون، لكنه فوجئ بأنّ الجنرال لم يظهر “تهافتاً” على السير قدماً بما يطرحه عليه “الحزب”، بل فهم وسطاء أنّ عون إذا اراد محاورة “الحزب” فسيفعل الأمر نفسه مع سائر الفرقاء، وبالتالي سقطت محاولات استدراج قائد الجيش الى “صفقة” بعيداً عن الأضواء، وسط إصرار الأخير على أن يكون كل شيء واضحاً منذ البداية.
شيعياً، هناك نقاش داخل “الحزب” عن جدوى اعتماد نهج لم يؤدِ الى أي نتيجة رئاسياً، فكان السؤال:”لماذا حشرنا حالنا في هذا المأزق؟” وللخروج منه يدور البحث داخل “الحزب” في تركيبة النظام اللبناني، والحصة التي يمكن أن تحصل عليها الطائفة الشيعية، مع التأكيد أنّ التغيير في النظام يجب أن يكون “الحزب” مرجعيته دون سواه. وتجرى محاولات كي تصبح مرجعية “الحزب” في تغيير النظام أمراً معلناً ليصبح جميع المعنيين بهذا الملف على بيّنة. ويستهدف هذا التفكير حركة “أمل” تحديداً، علماً أنّ أوساط “الحزب” تعتبر ان ترشيح الرئيس بري لفرنجية، قبل ان يتخذ الامين العام حسن نصرالله موقفاً من هذا الترشيح، كان “متسرعاً”. وضمن هذا التفكير هناك توجه في “الحزب” للعمل سريعاً على أخذ زمام المبادرة في البحث بتغيير النظام من دون انتظار إنتهاء ولاية الرئيس بري التي ما زالت في بداية عامها الثاني من أصل 4 سنوات. وينظر أصحاب هذا التوجه الى أنّ التغيير إذا ما حدث فهو متشعب ويشمل، الى جانب انتخاب رئيس للجمهورية، تعديلات دستورية وتعيينات وتشكيل حكومة وتوزيع حقائب وغيرها.
ومهما كانت ازمة “حزب الله” الرئاسية، يبقى الاستحقاق في قلب الأحداث. وتأكد أمس، ما ذكرته “نداء الوطن” الاسبوع الماضي عن لقاء سيجمع لودريان بمرشح تقاطع المعارضة جهاد أزعور في باريس في الأيام القليلة المقبلة. وكان أزعور في أثناء وجود لودريان في بيروت، تلقى اتصالاً من السفيرة الفرنسية آن غريو لترتيب اللقاء مع المبعوث الرئاسي.