لكن سؤال المذيع يكشف بالفعل إستراتيجية الحلقة، إذ يبدو الهدف تصوير سماحة على أنه المشغول إلى أبعد خلية فيه بدور وطني أكبر حتى من لبنان، فحتى في سجنه كان مشغولاً بمتابعة أدق التفاصيل داخل إسرائيل.
يبدو، رغم كل ما حدث معه، أنه قادر على التحكم والبقاء حيث يريد، في المكان الذي يقارع فيها المؤامرة الكونية على سوريا والمقاومة، يعود إلى الغزو الأمريكي إلى العراق، وكيف قتلت أمريكا العراقيين، وما كان يُحَضَّر لسوريا ولبنان. والشيء الوحيد الذي سرّبه عن ملف جريمته هو أن توقيفه جاء استهدافاً لدوره في حماية سوريا والمقاومة، خصوصاً في الغرب (سيناريو مضاد لسيناريو اغتيال رفيق الحريري).
كذلك حرص سماحة على إظهار نفسه كمسيحي ملتزم، ولم يَفُتْه أن يعايد المسلمين بدخولهم شهر الصيام، والمسيحيين على دخولهم في نهايات صيامهم.
يدهشني حقاً هذه التماسك لدى من أدين بوثيقة دامغة لا تنكر، دامغة إلى حدّ أن حلفاءه بكل ثقلهم وقوتهم لم يستطيعوا مساعدته على الإفلات منها. والفيديو/ الوثيقة ما زال متوفراً على وسائل التواصل الاجتماعي، ويصور سماحة وهو يعطي أوامره وتوضيحاته بخصوص استهداف المسجدين، بل ويعترف بأن شخصين فقط لديهما علم بخطة الجريمة هما بشار الأسد وعلي مملوك. وكأي مجرم مافيوزي متمرّس لم يفرق معه من يذهب أو يصاب في التفجيرات، لن يفرق معه «مين بيروح بالدرب»، إن كانوا نواباً في المنطقة، أو شيوخاً سنّة.
كذلك لم يفت سماحة أن يذكّر بعودة العالم إلى سوريا، وعندما سئل كيف، وما حاجة العالم إلى النظام السوري لفَّ ودارَ، واضح أن كل ما أراده أن يهدد الخصوم الداخليين في لبنان بعودة النظام، الخصوم الذين عليهم أن يتسامحوا مع جريمته، كما تسامحوا مراراً مع جرائم النظام السوري. لا شك أن إطلالة سماحة الإعلامية محاولة مكشوفة لاستثمار الدعم الشعبي العالمي لغزة، أو للاستئثار به، وتجييره لصالح النظام الممانع، بل يمكن القول إن هذا ما فعله مدانون كثر، حتى بجرائم وجنايات بعيدة كل البعد عن السياسة. لقد تَغيَّرَ العالم فعلاً، تغيرتْ خرائط التحالفات والمؤسسات والطائرات واتجاهات الصواريخ ومختلف الرؤى، تغيرت خصوصاً اتجاهات جريان السفن، ووصل تأثير دومينو غزة إلى أبعد من المتوقع. لقد تغيّرَ كل شيء، نحن أيضاً تغيّرنا، لكن ليس إلى الحدّ الذي يمكن أن يتسامح فيه المرء مع جريمة بحجم جريمة ميشال سماحة، بأوامر من علي والرئيس.