أكد المجلس الحربي المصغر (الكابينيت)، أن إسرائيل عازمة على شن اجتياح بري في قطاع غزة، لكن توقيته ليس واضحاً بعد، بحسب محافل عسكرية كبيرة، أمس.
وربما تسعى تل أبيب إلى مفاجأة حركة «حماس» باجتياح، لكنها تتحسب من فتح جبهة أخرى مقابل «حزب الله»، في الوقت الذي يتصاعد فيه تبادل الضربات عند الحدود اللبنانية.
وكررت مصادر في قيادة الجيش الإسرائيلي، ان «من يريد نتائج عليه أن يتحلى بالصبر».
وأضافت أن الخطط الحربية لإسرائيل حالياً مختلفة عن الحروب التي شنتها في الماضي، وأن «الحديث يدور عن تغيير جذري للوضع» في غزة، ويشمل «القضاء على القدرات السلطوية والعسكرية والسياسية» لـ «حماس».
وتابعت أن هذا «لا يعني أن غزة ستفرغ من مقاتلي حماس، لكن الضربة ستكون شديدة جداً وبحيث ستدوي في الشرق الأوسط وتعيد بعض الردع الذي فُقد في السابع من أكتوبر»، تاريخ هجوم «حماس» على إسرائيل.
واعتبرت مصادر عسكرية أنه «سيكون لهذا الأمر أثماناً وسندخل (الاجتياح) عندما يكون الوضع مريحاً من الناحية العسكرية».
وكشفت محافل في الاستخبارات العسكرية، أن عدداً من الضباط يطرحون مخاوف حول عمليات عسكرية خلال اجتياح بري تتخللها «أخطاء متعلقة بالقانون الدولي» – جرائم حرب، ويطالبون بدعم واضح من رئيس الأركان ووزير الدفاع ورئيس الحكومة، قبل أن تدخل الدبابات إلى القطاع.
الاحتياط والاقتصاد
وقالت سارة بلوبرغستين، ممثلة أكبر 100 شركة في إسرائيل، أن الجيش استدعى 350 ألف جندي في الاحتياط، الأمر الذي يلحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد.
عملياً، إسرائيل موجودة في نوع من الإغلاق. وقريباً، كلما تزايد العبء الاقتصادي، ستزداد الضغوط على الجيش كي يسرحهم.
من جانبها، اعتبرت صحيفة «معاريف»، أنه بعد انتهاء زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لإسرائيل، والتي وصفتها بـ«القصيرة والمهمة» لأنه قدم دعماً كبيراً بالمال والسلاح، حانت مرحلة الاجتياح البري. «ويدرك الأميركيون جيداً أن تحديد غايات الحرب، رغم أنها ليست محددة بهذا الشكل فعلياً، تعني التسبب بانهيار حكم حماس، أي أشهر عدة على الأقل من القتال مع انعكاساتها على دول المنطقة».
وأشارت صحيفة «هآرتس» إلى أنه «بإصراره على ممر إنساني، أملى بايدن على إسرائيل قواعد لعبة جديدة. وهذا نابع من الوضع في الجبهة الشمالية. إسرائيل بحاجة إلى ردع أميركي، وفي مقدمته حضور حاملتي الطائرات، كي لا ينضم حزب الله وإيران إلى الحرب».
وكتبت أن «الأمور لا تزال تتفاعل. ولا توجد قدرة استخباراتية من أجل التقدير بشكل مؤكد، كيف سيتصرف حزب الله وإيران لحظة الاجتياح البري. واضح أن الإيرانيين يولون أهمية هائلة للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، ولقدرته على تحليل الاعتبارات الإسرائيلية».
وقال المحلل العسكري تسفي برئيل في «هآرتس» أمس «حماس منحت إيران معقلاً في الفضاء الفلسطيني. ايضاً اذا تم تدمير البنى التحتية لحماس في غزة، فقد تم اعداد المزيد من المهمات لها التي يمكنها أن تنفذها من لبنان أو سورية. الآن يجب على ايران التقرير اذا كانت هذه المنظمة تستحق المواجهة مع الولايات المتحدة أم لا… وهل هي على استعداد لمواجهة مصير مشابه للعراق»؟
وتابع ان «الزيارة الاستثنائية، اذا لم تكن التاريخية، للرئيس بايدن، اضافت لبنة ثقيلة الى التحالف السياسي والعسكري بين اسرائيل والولايات المتحدة، حيث في الخلفية تبحر حاملات طائرات على متنها يوجد قطار جوي يحمل الوسائل القتالية التي لم تكن في يوم تحلم بها تل ابيب. وبعد ذلك سيصل ايضاً الشيك الجميل الذي يتضمن 10 مليارات دولار، وهو ما لن تحصل عليه حماس من العرب ولا من المسلمين».
وأضاف المحلل المقرب من وزير الدفاع السابق بيني غانتس، ان «وقوف أميركا الكامل وغير المتحفظ الى جانب اسرائيل، يوجد له دور استراتيجي حيوي، الذي اساسه باختصار هو ارسال رسالة. الهدف الرئيسي للرسالة، هو ايران، لكن ليس لها فقط. بايدن الذي حذر بشكل تهديدي لا لبس فيه أي دولة أو أي طرف يريد مهاجمة اسرائيل، ولم تكن حاجة للتفصيل. هو لم يتردد في اعطاء الاوامر للتدخل الاميركي العسكري المباشر اذا اقتضت الضرورة ذلك».
وتابع برئيل «هذه الرسالة سمعت بشكل جيد من قبل الهدفين الموجهة اليهما، الزعيم الاعلى (في إيران) علي خامنئي ونصرالله. حتى الآن امتنع حزب الله عن استخدام قدرته الكبيرة والمتقدمة ضد اسرائيل بصورة تبشر بدخول كامل الى الحرب، أو حتى نيته فعل ذلك».
وتساءل «هل هناك عدد محدد من القتلى الفلسطينيين الذي بعده لن تستطيع ايران أو حزب الله، ضبط النفس؟ هل عملية برية تستهدف تدمير البنى التحتية القيادية والمدنية لحماس في غزة هي التي ستجعل حزب الله يطلق آلاف الصواريخ؟ في الوقت نفسه ايضاً، يمكن التساؤل حول الخط الاحمر العسكري للولايات المتحدة، أي ما هو المحفز الذي سيحرك التعليمات لحاملات الطائرات من اجل استخدام السلاح العظيم. هل اطلاق صواريخ حزب الله على اسرائيل سيكون كافياً أو أن مجرد صواريخ ايرانية ستوجه نحو اسرائيل، ستدفع الدولة العظمى الوحيدة في العالم الى استخدام قوتها. الامر غير المشكوك فيه، هو أنه اذا تطورت معركة من هذا النوع، فهذا يعني أن رسالة الردع لم تستوعب».
وأوضح برئيل أن «يران وحزب الله خزائن محصنة في كل ما يتعلق بفهم نواياهما، وبالاحرى قراراتهما. مثلاً، رغم المعلومات الكثيرة عن المشروع النووي الايراني إلا أنه لا توجد أي جهة استخبارية يمكنها القول بيقين، ما هو قرار ايران الاستراتيجي: هل هو انتاج السلاح النووي أو فقط بناء نفسها كدولة حافة نووية؟ ولكن حتى في المواضيع الاقل اهمية، فان الجهات الاستخباراتية تجد صعوبة في معرفة نوايا ايران. هكذا، بقيت وبحق في موقف الدولة المشبوهة. ولكن ليس من نافل القول التذكير بأنه منذ انتهاء الحرب بين ايران والعراق عام 1988، بعد ثماني سنوات من القتال الدموي ومن دون أي انجازات على الأرض، لم تقم ايران بشن حرب مباشرة ضد أي دولة اخرى، وبالتأكيد ليس ضد دولة عظمى».
هل تستحق «حماس» المواجهة؟
وقال المحلل الإسرائيلي ان «ايران هي الظهر القوي للجهاد الاسلامي، أما حماس فقد عرفت العلاقات بينهما هبوط وانحدار، وهي نبعت بالاساس من خلافات عقائدية وسياسية. القطيعة الاشد بين حماس وايران حدثت في 2012 عندما قررت حماس برئاسة خالد مشعل قطع العلاقات مع سورية على خلفية المذبحة التي نفذها بشار الاسد ضد أبناء شعبه. هذه الخطوة كان لها ثمن اقتصادي وعسكري كبير على حماس، فقطعت طهران الدعم المادي البسيط المقدم ومنعت التدريب العسكري. لذلك كانت هناك تأثيرات على التطورات في داخل قيادة حماس».
وطرح برئيل سؤالاً «ليس فقط الى أي درجة ايران تعرف تفاصيل الخطة العملياتية التي اعدها (قائد»كتائب القسام«) محمد ضيف خلال فترة زمنية طويلة، بل ايضاً الى أي درجة، القيادة السياسية لحماس في الدوحة وبيروت وتركيا أو على الاقل جزء منها، كانت مشاركة فيها».
وقال «الآن هذه الاسئلة هي موضوع لتحقيق استخباراتي وعسكري، إذ كل الدلائل تشير الى أن الجناح العسكري منفرداً قرر قلب الطوالة من دون الاخذ بالاعتبار كل النواحي السياسية والاقتصادية».
وختم المحلل الإسرائيلي بالقول «لكن الجانب العملي والمقلق يقتضي فحص معنى انهيار حماس من ناحية ايران، مقابل علاقاتها مع الجهاد الاسلامي، التي تعتبرها ميليشيا عسكرية محلية والتي قدرتها الاستراتيجية وتأثيرها السياسي محدود… حماس حزب سياسي قوي ومؤثر وله امتداد وقاعدة شعبية قوية في غزة والضفة الغربية والقدس وفي العديد من العواصم… ونجاحها يمنح ايران معقلاً واداة تأثير سياسية في المجال الفلسطيني، وحتى اذا تم تدمير البنى التحتية لها في غزة، فانه تم اعداد مهمات لها يمكن أن تنفذها من لبنان أو من سورية».
وتابع «السؤال هو هل في أعقاب الحرب ستقرر إيران رؤية حماس منظمة خاسرة من الافضل عدم الدخول في حرب من اجلها، والمخاطرة بضربة عسكرية على اراضيها، أو ضد ممتلكاتها الحيوية في لبنان وفي سورية؟ هنا تكمن أهمية الرسالة الأميركية التي يمكن أن تساعد طهران على أن تقرر».
جدوى العملية البرية
في سياق متصل، استعرضت القناة العبرية 12، بعضاً مما وصفته بالتفاصيل الجديدة من اجتماع المجلس الحربي مع بايدن، وذكرت أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وأعضاء الطاقم الوزاري، أوضحوا لبايدن أن «الاجتياح البري محتوم»، بينما طالب الرئيس الأميركي بمعرفة ماهية الأهداف التي سيتم ضربها وما جدوى العملية البرية. و«سأل إذا ما كانت إسرائيل تعلم ما ستكون عليه المرحلة التي ستلي الاجتياح البري، وهل ستنهار حماس فعلاً؟ وأوضح تأييده لكل خطوة تقوم بها إسرائيل في القطاع، وذلك بتوافق مع القضايا الإنسانية».
وأوضح وزراء المجلس الحربي أن «انتصار إسرائيل يجب أن يكون حازماً وواضحاً، وإلا فإن أوضاعها الاستراتيجية في الشرق الأوسط ستتضرر بصورة كبيرة، كما ستلحق ضرراً بقدرتها على تنفيذ خطوات استراتيجية».
وقال بعض الوزراء ومنهم وزير الدفاع يوآف غالانت، لبايدن، أنه بالنسبة لإسرائيل «هذا صراع وجودي، ليس لأنه قد يحل الخراب بتل أبيب، بل لأن هذه الحرب ستحدد ماهية الردع الإسرائيلي في المنطقة لأجيال قادمة».
وأكد غانتس، أنه «من دون انتصار حاسم على حماس وانهيارها بصورة تامة لن يسود لدى مواطني إسرائيل احساس بالأمن الداخلي، وسيتضرر استقرار إسرائيل في المنطقة».
ونقل بايدن خلال المداولات، رسالة أكد فيها وقوف الولايات المتحدة لجانب إسرائيل في صراعها على الجبهة الجنوبية وأنه من الجدير الامتناع عن إشعال الجبهة الشمالية.
وأكد ان «إسرائيل ليست وحدها، لم أرسل فقط حاملتي طائرات، بل وحضرت إلى هنا للقول لكم إن لديكم الدعم التام منا، وأنكم ستحصلون على كل ما تحتاجوه».
ولم يتعهد بايدن باستخدام القوات الأميركية، لكنه أوضح في اللقاء الشخصي الذي عقده مع الرئيس إسحاق هيرتسوغ ان «الهجوم عليكم هو هجوم على الأمن الأميركي».