تناول التحقيق، كما يقول رباح، ما ذكره في إطلالته الإعلامية “يا ريت تاخد إسرائيل الليطاني أحسن ما يتحول لمجارير”، فأجاب بحسب ما يؤكد في حديث لموقع “الحرة” بأن “هذا ليس حزب الله بل حزب لا إله”، للإشارة إلى أن “هذا التصريح مجتزأ من مقابلة مدتها 38 دقيقة في مطالعة سياسية نقدية لأداء حزب الله الذي يدّعي المقاومة، في حين أنه نجح في تدمير لبنان بدلاً من الدفاع عنه”.
كما سئل رباح، بحسب ما يقوله محاميه لؤي غندور، عن حديثه عن “تصنيع حزب الله الكبتاغون والأسلحة في منطقة القلمون، كما لو أنه يكشف أمن الحزب، فأفاد بأن معلوماته مستمدة من وسائل إعلامية دولية وهي متاحة للجميع”، أما رباح فيعلق على ذلك بالقول “أعتبره أمراً سخيفاً، فأنا لا أعمل في المجال الأمني أو العسكري، مما يوضح جهل من يسأل هذه الأسئلة ويثبت بأنه دمى قضائية تابعة للحزب تعمل على إيصال رسائله”.
بعد ذلك، طلب القاضي من المحقق أن يسأل رباح عما إذا كان يعلم أن “المقاومة” مذكورة في البيان الوزاري، بحسب غندور، “اعترضنا على ذلك لأن ليس للقاضي صفة لطرح مثل هذا السؤال، إذ أنه ليس وكيلاً عن المقاومة أو البيان الوزاري. بعد ذلك، طلب الهاتف الخاص برباح، فرفض تسليمه، وعند استفسارنا عن سبب هذا الطلب، أجاب لشبهة تعامل، فيما أجبت أن الشبهة تتطلب أسساً معينة، مثل اتصالات أو تحركات مشبوهة، وأن رمي هذه التهمة جزافاً دون أدلة ملموسة يعد أمراً غير مقبول”.
استغرق التحقيق مع رباح 10 دقائق وفقاً لغندور، إلا أنه وضع رهن الاحتجاز بإشارة من القاضي عقيقي ما يزيد عن الأربع ساعات لرفضه تسليم هاتفه، قبل أن يعاود تركه رهن التحقيق.
محاولة “اغتيال”
يعتبر رباح أن استدعاءه والتحقيق معه “يمثل محاولة اغتيال معنوية له من قبل حزب الله، الذي استخدم مفوض الحكومة في محاولة لأخذ هاتفي، وفي حال عدم قدرته على ذلك، كان يأمل في اتهامي بالعمالة وتمرير ذلك بسهولة”.
ويضيف أن “هذا الاستدعاء يثبت عدم فهم الحزب للقانون وأنه مهما كانت قوة سلاحه فإنه لن يستطيع تغيير المبادئ القانونية لا سيما موضوع احتكار السلاح والأهم الحريات المصانة في مقدمة الدستور”.
كما يعتبر رباح أن استدعاءه “أظهر أن الشعب اللبناني قد يختلف على موضوعات عدة منها شكل الحكم والإصلاح، إلا أنه لا يزال يؤمن بثقافة الحرية، ويعتبرها أكثر أهمية من الخبز في بعض الأحيان”.
أما غندور فيشدد على أن التحقيق لم يجر وفقاً للأصول القانونية، “إذ تمت إحالة الطلب من مفوضية الحكومة لدى المحكمة العسكرية لشخص غير عسكري، ولم يرتكب فعلاً أمنياً، وخلال التحقيق بدا أن هناك جهة طلبت من مفوض الحكومة أن يطرح هذه الأسئلة. أما موضوع طلب تسليم الهاتف، فهو تعرّض للحياة الخاصة، وأي موقوف لديه تهمة تعامل، وليس فقط شبهة تعامل، يجب أن تبقى أموره وحياته الشخصية بمعزل عن أي تعد”.
“الهدف الأساسي لهذه الاستدعاءات والمضايقات” كما تقول الباحثة والصحفية في مؤسسة “سكايز” وداد جربوع في حديث لموقع “الحرة” هو “تكميم أفواه أصحاب الآراء الحرة والجريئة، لكن الأخطر فيما يتعلق بقضية رباح هو محاولة الضغط عليه ومصادرة هاتفه بحجة شبهة تخابر مع إسرائيل، رغم أن خلفية استدعائه هي ما قاله ضمن مقابلة تلفزيونية”.
توضيح رسمي
ومساء أمس، صدر عن مكتب شؤون الإعلام في المديرية العامة للأمن العام بياناً توضيحياً جاء فيه “يتم التداول على وسائل التواصل الاجتماعي بخبر يتعلق بملف التحقيق مع مكرم رباح في دائرة التحقيق في الأمن العام، وقد تناول البعض هذا الموضوع بشكل سلبي ومسيء تخطى أصول التخاطب والمهنية المعتمدة في قضايا التحقيق العدلي”.
وأضاف أن “المديرية العامة للأمن العام بصفتها ضابطة عدلية ومن أولى واجباتها تنفيذ القوانين بناء لإشارة القضاء اعتباراً من تلقيها قرار التحقيق حتى إخلاء السبيل أو التوقيف، وهذا مسار عدلي معتمد تلتزم المديرية تطبيقه بكافة مندرجات التحقيق وحقوق الإنسان تحت إشراف القضاء المختص”.
وتعليقاً على ذلك يقول رباح “منذ اللحظة الأولى التي أبلغني فيها الأمن العام الاستنابة القضائية، كان واضحاً أنه لا يريد أن يكون أداة سياسية بيد حزب الله، ولذا قام بتنفيذها ضمن الإطار القانوني لها، كما كان واضحاً في الأمس بأنه ليس الجهة التي استدعتني، بل عقيقي”.
كذلك يشدد غندور على أن الأمن العام “أظهر تعاطيا لائقا وقد طبق القانون، إذ سمح بحضوري كمحام لكامل جلسة التحقيق، والمشكلة تكمن في المحكمة العسكرية، وليس في الأمن العام”.
رفض.. “الدولة البوليسية”
بعد انتشار خبر استدعاء رباح، دعا أصدقاؤه ورفاقه إلى التضامن معه والتجمع أمام مبنى الأمن العام في بيروت. وكتب النائب ملحم خلف على منصة إكس: “حرية الرأي والتعبير حق مصان في الدستور، وما الاستدعاءات الأمنية بسبب موقف أو رأي إلا عودة لممارسات بائدة. لذا، نستنكر استدعاء الأكاديمي مكرم رباح الهادف إلى التهويل وقمع الحريات”.
كما تضامن رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميّل مع رباح، وطالب في منشور عبر إكس بإطلاق سراحه فورا، قائلاً “كما واجهنا في الماضي القريب النظام الأمني القضائي وأسقطناه، لن نسمح بعودة تلفيق الملفات والتضييق على حرية التعبير تحت أي ذريعة كانت”.
وفي سياق متصل، أصدرت الدائرة الإعلامية في حزب “القوات اللبنانية”، بياناً، استنكرت فيه أشد الاستنكار “استدعاء رباح بسبب إدلائه بتصاريح ومواقف وآراء لا تعجب الحزب، الأمر الذي يتنافى مع حرية الرأي والقول والتعبير، ويشكل تهديداً لطبيعة لبنان ودوره، وهذا ما لا يمكن السكوت عنه”.
واعتبرت القوات أن الخطورة باستدعاء رباح تكمن بأن “تتحوّل بعض الإدارات الرسمية إلى أداة بيد الحزب يستخدمها للاقتصاص من كل من يعارض دوره الخاطف للبنان والمستجلب الحروب إلى ربوعه”، ورأت أن الدور الذي يؤديه عقيقي “يندرج في هذا السياق بالذات لجهة تنفيذه كل ما يطلبه الحزب منه”.
كما اعتبرت أن “الحزب” يريد “استنساخ تجربة الاحتلال السوري بتولي الدولة تنفيذ أجندته”. مطالبة رئيس الحكومة ووزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى باتخاذ “التدابير اللازمة والسريعة من أجل تحرير موقع مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية من سيطرة الحزب خصوصاً بعدما تبيّن في محطات عدة أن المفوض عقيقي يعمل لدى الحزب وليس الدولة اللبنانية”.
استدعاء رباح حلقة جديدة من مسلسل طويل، تقول جربوع “فقبل أيام شهدنا استدعاء الصحفي أسامة القادري من قبل مفرزة التحري في زحلة بسبب مقال له”، وتشدد على أن “حرية الرأي والتعبير هي حق مصان بالدستور اللبناني والاستدعاءات بسبب التعبير عن الآراء ما هي إلا ترسيخ لمفهوم الدولة البوليسية في لبنان، علماً أن محكمة المطبوعات هي المرجع الوحيد المخول متابعة كل الشكاوى بحق الصحفيين والإعلاميين وذلك وفقاً لقانون المطبوعات”.
ولا يخشى رباح أي تهديد، كما يشدد: “كل ما أخشاه هو أن يصبح نظام لبنان قمعي مثل سوريا والعراق، فقد نشأت في بلد الحرية، وهذه هي قيمة أساسية بالنسبة لي، لذا فلن أتراجع عن مواقفي. أقصى ما قد يحدث هو أن يتم اغتيالي، وسيبقى شعاري، صفر خوف”.