ألق نظرة على القائمة التالية لمعرفة ما إذا كان يمكنك تحديد اتجاه معين هنا. شاهدت فيلم “بالأمس” Yesterday أربع مرات، “المواطن كين” Citizen Kane مرتين، “راشومون” Rashomon، “قواعد اللعبة” La Règle du Jeu مرة واحدة، “العنصر الخامس” The Fifth Element ربما ثماني مرات، “ستسيل الدماء” There Will Be Blood مرة واحدة، “عمل جيد” Beau Travail مرة واحدة، “بيرسونا” Persona مرة واحدة، “طبقة الصوت المثالية” Pitch Perfect أكثر مما يمكنني أن أتذكر… “جين ديلمان، 23 رصيف التجارة، 1080 بروكسيل” Jeanne Dielman 23, quai du Commerce, 1080 Bruxelles ولا مرة.
حسناً، أنا شخص يتوق إلى أن يصير عاشق أفلام ذواقة أتهرب من مواجهة الحقائق – أنا أحب الأفلام الرديئة التي تشعرني بالسعادة. طيب، إنها ليست رديئة تماماً، لكن بعض الأفلام في القائمة أعلاه تعتبر من بين أفضل الأفلام على الإطلاق، إلا أن تلك التي كررت مشاهدتها ليست كذلك. لكنني لا أحاول تسويغ متعي المحرمة هنا، ولست بحاجة إلى طبيب نفسي ليخبرني أنني أسعى للحصول على الراحة في أشياء لدي معرفة مسبقة بها. هناك عنصر ما في كل تلك القصص يروق لي حقاً، شيء يعمل بالطريقة المعاكسة تماماً لفيلم “تار” Tár على سبيل المثال للمخرج تود فيلدز الذي كان منافساً مبكراً على لقب فيلم العام عندما صدر في يناير (كانون الثاني). أتذكر أنني قلت لنفسي عندما خرجت من السينما إنه فيلم رائع، لكنني لا أرغب في مشاهدته مرة أخرى.
في المقابل، خذ مثلاً فيلم “بالأمس” Yesterday، وهو تعاون بين المخرجين ريتشارد كورتس وداني بويل، وبالتالي فهو يأتي مصحوباً بثقة شعبوية جادة (قبل أن تحكم علي كمعجب عنيد لـ كيرتس، دعني أخبرك أنني في الواقع لم أشاهد فيلم “الحب في الواقع” Love Actually). على أية حال، وكما تعلم على الأرجح، قصة فيلم “بالأمس” هي عن عامل مستودع في بلدة لويستوفت الساحلية الإنجليزية يدعى جاك مالك (يؤديه هيمش باتيل) الذي يحلم بأن يصبح مغنياً وكاتب كلمات أغان، ولكنه للأسف سيئ جداً، على رغم الدعم الدائم والحب (غير المصرح به) الذي تقدمه له صديقته من أيام الدراسة التي تحولت إلى مديرته، إيلي (ليلي جيمس). يتعرض جيمس بعد ذلك لحادثة دراجة هوائية وعندما يستيقظ يجد نفسه في مستشفى في عالم كان هو الوحيد على ما يبدو الذي سمع عن فرقة ذا بيتلز. وعلى هذا النحو، ينفتح أمامه طريق إلى الشهرة والثروة، إذا كان ضميره فقط يتقبل فكرة أنه على وشك تقديم أعمال لينون ومكارتني على أنها أعماله الخاصة.
أحب كل شيء في النصف الأول من هذا الفيلم. جاك الذي يعزف ببراءة أغنية “بالأمس” أمام أصدقائه على الغيتار الذي اشتروه له (قائلين له “غيتار رائع يتطلب أغنية رائعة”) ودهشتهم عند سماعها (ردة فعل إيلي “أوه يا إلهي … ماذا … ما هذا بحق الجحيم؟”). ميرا سيال وسانجيف باسكار بدوري والدي جاك وهما يقاطعانه أثناء محاولته عزف أغنية “خليها للزمن” Let It Be على البيانو في غرفة الجلوس، بينما ترتجل سيال وهي تخبر أحد الجيران أن الأغنية تحمل عنوان “اتركه يكون”، ما يجعل جاك يفقد أعصابه تماماً. أحب المشهد الذي تسأله فيه إيلي جاك “كيف دخلت في خانة الصديقة / المديرة / مسؤولة معدات الجولة الموسيقية بدلاً من خانة ’وأنا أحبها‘؟”. أستمتع بقيام إد شيران بدور منافس جاك مثلما كان الصراع بين المؤلف الموسيقي الإيطالي سالييري وموتزارت، وجويل فراي في دور روكي، مسؤول المعدات التعيس المرافق لجولات جاك الموسيقية.
إذا أردت الحديث بصراحة، يصبح الفيلم مفرطاً في عاطفيته بعض الشيء في النصف الثاني – إنه عمل من إخراج كورتس في نهاية المطاف – ولست متأكداً، لو كنت شخصياً في سيناريو مشابه، ما إذا كنت سأعيش القلق بسبب الرغبة في الاعتراف، وهو الجوهر الأخلاقي للفيلم وربما حتى الهدف منه. أخبرني باتيل ذات مرة أنه يعتقد أنه سيكون مرغماً على الاعتراف، وأنه لا يستطيع حتى التفكير في إصدار ألبوم بالاستفادة من الفيلم (على رغم اعترافه بأنه إذا كان مفروضاً عليه سرقة أغنية واحدة من أغاني ذا بيتلز فستكون “طائر أسود” Blackbird). لكنني أعتقد أن سر جاذبية الفيلم قديمة: إنه ببساطة كسرقة النار من الآلهة. تظهر هذه الفكرة في الأساطير حول العالم، وأشهرها بروميثيوس، الذي أصيب بمشكلات خطرة في الكبد بسبب تمرده. السؤال المطروح هو ما ستفعله بهذه الموهبة؟ وهل أنت مستعد للعقاب عليها؟
لدي بعض التحفظات على “بالأمس” – فهو يتجاهل معظم أغاني ذا بيتلز التي يحبها جميع الأشخاص الرائعين مثل “مطر” Rain و”الغد لا يعرف أبداً” Tomorrow Never Knows و”عزيزتي حيطة” Dear Prudence، بينما يمر مرور الكرام فقط على أغنيات مثل “يوم في الحياة” A Day in the Life و”حقول الفراولة” Strawberry Fields . لكن لا ينبغي علي أن أحب كل شيء في قصة ما حتى أشاهدها أو أقرأها أو أستمع إليها مرة أخرى. على سبيل المثال، أنا أحب رواية “كبرياء وتحامل” Pride and Prejudice لكن لا يمكن أن أكون الشخص الوحيد الذي يجد نهايتها السعيدة الممتدة على صفحاتها العشر الأخيرة غير مستساغة بعض الشيء بعد كل الأحداث التي سبقتها. هل أنا الوحيد فعلاً؟
على كل حال، ما هو صحيح فعلاً هو أن شعبية جين أوستن الدائمة ستوصل عملها إلى المستقبل. من المحتمل أن تتجاوز أعداد قرائها الجدد (وأولئك الذين يعيدون قراءة أعمالها) أولئك الذين ينخرطون في قراءة “الإخوة كارامازوف” The Brothers Karamazov لدوستويفسكي، ويمكننا أن نرى في عصرنا كيف يتمتع المؤلفون المشهورون بقدرة على البقاء. تنطبق فكرة بعيد من العين بعيد من التفكير على عالم الكتب والأفلام على حد سواء. أنا لا أقول إن “بالأمس” سيصل في يوم ما إلى قوائم أعظم الأفلام على الإطلاق، لكن فيلم “عشوائية بالتزار” Au Hasard Balthazar للمخرج روبرت بريسون، وهو قصة مجازية عن حمار تعرض لسوء المعاملة، لا يزال يحتل مرتبة متقدمة في تلك القائمة، فضلاً عن كونه ضمن الأعمال التي لا بد من مشاهدتها بحسب موقع ميتاكريتيك السينمائي، ومع ذلك لا يوجد كثر من محبي الأفلام الذين سيشاهدون العمل حتى نهايته بالفعل. أنا شخصياً حاولت. الجودة الغامضة التي تجعل الأفلام قابلة لإعادة المشاهدة هي شيء لا تأخذه قوائم النقاد في الاعتبار أبداً، ومع ذلك فهي المفتاح لرواية القصص بحد ذاتها.
تعتمد قدرة أي شكل من أشكال الفن السردي على التكرار الذاتي بمرور الوقت على الشيء عينه الذي اعتمدت عليه القصص لما كانت تروى شفهياً في التجمعات حول النار – حيث يريد شخص ما سماعها مرة أخرى. شاهدت فيلم “الوافد” Arrival للمخرج دينيس فيلينوف مرات عديدة حتى الآن، وأحب تفاصيل كثيرة فيه، من الموسيقى التصويرية التي وضعها جوهان جوهانسون إلى حماسة العمل في معادلة لا الربح ولا الخسارة. ربما يمكنني محاولة جعل قصته، عن كائنات فضائية تحاول التواصل مع البشر، تتلاءم وتلك الفكرة المترسخة في الأساطير القديمة عن دائرية الزمن، لكنني لن أحاول حتى. أنا فقط أحب الفيلم. إضافة إلى ذلك، لن تكون هذه النظرية ناجحة مع أفلام مثل “انفجار” Blow Up و”الفك المفترس” Jaws و”الرجال الحقيقيون” The Right Stuff و”بليد رانر” Blade Runner، وجميعها أعمال شاهدتها عدة مرات. أنا أيضاً معجب حقاً بفيلم “بيرسونا” لانغمار بيرغمان لكن مشاهدته مرة واحدة كافية، أتفهم قصدي؟