وصل وفد من صندوق النقد الدولي برئاسة آرنستو ريغا، إلى بيروت، لمتابعة عن كثب ما تم إنجازه في لبنان على صعيد الشروط المسبقة التي لاحظها الاتفاق على مستوى الخبراء، وللاستيضاح عن مصير الإصلاحات التي طالب بها، لا سيما أن مشروع موازنة 2024 أصبح جاهزاً قيد البحث في مجلس الوزراء.
واستقبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الوفد، في حضور نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، ووزير المالية يوسف خليل. وتم خلال الاجتماع مراجعة دورية للاتفاق الأولي الموقّع بين الحكومة اللبنانية والصندوق وما تم تنفيذه من مضامين الاتفاق، حسبما أفادت رئاسة الحكومة اللبنانية في بيان.
وتأتي الزيارة بعدما أبدى الخبراء في الصندوق قبل أشهر، قلقهم الشديد على الأوضاع في لبنان من خلال التقرير الذي رفعوه في 29 يونيو (حزيران) الفائت. ولم يُظهروا ارتياحاً للتعديلات على قانون السرّية المصرفية مطالبين بتسريع الإصلاحات اللازمة، بعدما لاحظوا أن الإجراءات المتخَذة لم تتوافق مع التوّقعات.
وسيراقب الفريق مسار إقرار القوانين الملحّة التي ما زال يصرّ عليها، مثل إعادة التوازن للنظام المالي، وهيكلة المصارف، و«الكابيتال كونترول» ومشروعي موازنتي 2023 و2024 كونها على الطاولة، وهي محور سجال طويل يعكس التعاطي معها توّجه المسؤولين الجدّي إلى الالتزام بالإصلاحات المطلوبة والملحّة.
هذه الزيارة التي تعكس اهتمام الصندوق بعد وضعه السلطة اللبنانية تحت المجهر، من المفترض أن تسبق الاجتماعات السنوية لمجلسي محافظي «مجموعة البنك الدولي» و«صندوق النقد الدولي» ومحافظي البنوك المركزية، ووزراء المالية والتنمية، والبرلمانيين، وكبار المسؤولين من القطاع الخاص، وممثلي منظمات المجتمع المدني، والأكاديميين، في مدينة مراكش المغربية، التي ستناقش القضايا ذات الاهتمام العالمي في الفترة من 9 إلى 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إذا لم يطرأ أي تعديل بسبب الزلزال الذي ضرب المغرب في 8 سبتمبر (أيلول) الجاري.
تعديلات جوهرية على الخطة
في البند 26 من ملخّص «سياسات الإصلاح المالي والاقتصادي»، يقول نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعادة الشامي إن «الملاحظات والنقاش مع المجلس النيابي غير مبرّرين أو مؤثّرين ما دام أنه لا يمكن عملياً للحكومة أن تُجري تعديلات جوهرية على الخطة المتفق عليها مع الصندوق. وعليه، فهل المقصود أن ما كُتب مع صندوق النقد قد كُتب؟».
ونشرت الحكومة اللبنانية تقرير التدقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي الشهر الماضي، وكان التدقيق مطلب رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، وفريقه السياسي بدرجة أولى. وقد أطلق عليه بعض الفرقاء تسمية «تدقيق اتهامي»، رغم تسويق فئة أخرى أنه كان مطلب صندوق النقد الذي بدوره طالب بالتدقيق المحاسبي في الأصول الأجنبية لمصرف لبنان.
وفي المعلومات أن الصندوق كان من أول الداعمين لتولّي النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري، مهام الحاكمية وفق قانون النقد والتسليف. والتنسيق بين الطرفين سبق نهاية ولاية رياض سلامة. ولعلّ إلغاء منصّة «صيرفة» لتحلّ مكانها منصّة «بلومبرغ» هي خطوة أولى نحو توحيد سعر الصرف الذي هو مطلب أساسي للصندوق.
يبقى السؤال: هل سينعكس المحتوى المنشور من تقرير التدقيق الجنائي في صيغته الأولية، والذي كُشف عنه في أغسطس (آب) الفائت على برنامج صندوق النقد، علماً بأنه في صفحاته الأولية أُفرغ من مضمونه لكون فريق «ألفاريز ومارسال» الذي أجرى التدقيق الجنائي، مُنع من حصد جميع المعلومات حول العمليات المالية التي قام بها مصرف لبنان، وقد تسلم فقط أقل من 70 في المائة من المستندات المطلوبة التي كان من المفترض الوصول إليها.
الشامي
باعتقاد نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعادة الشامي، المسؤول عن التفاوض مع الصندوق، أن «نتيجة تقرير التدقيق الجنائي لن تؤُثّر على برنامج صندوق النقد الدولي للبنان»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن الصندوق لم يطلب هذا التدقيق في الأساس، وإنما طلب التدقيق بوضع الأصول الأجنبية لدى مصرف لبنان، للبدء في تحسين شفافية هذه المؤسسة الرئيسية.
وأشار الشامي إلى تكليف شركة التدقيق المحاسبي (KPMG) بالتدقيق في عمل مصرف لبنان منذ عام 2015 حتى عام 2020، وحسب ما تم تداوله، لم تجد أي مخالفات، والقيود سليمة، وأن العمل كان يتم ضمن المعايير والأصول العالمية، وبالتالي، تم تكليفها مجدداً بالتدقيق في عمل مصرف لبنان لعام 2020 – 2021، ولكن لم يُكشف عن هذه النتيجة كما كان مفترضاً أواخر العام الفائت باعتبار أنها أيضاً خالية من المفاجآت.
ولكن في المقابل، يرى الشامي أنه «يجب التعاقد مع (ألفاريز ومرسال) لمواصلة التدقيق وتمديد فترة التغطية إلى الفترة المتبقية، 2021 – 2023، وهذا يتم بناءً على اقتراح يرفعه وزير المال إلى مجلس الوزراء، وهو لغاية تاريخه لم يحصل».
وإذا كان الشامي قد طالب في وقت سابق بأن يبدأ التدقيق من وزارة المال، قال: «هذا يعود لمجلس الوزراء عما إذا كان يجب التوّسع في التدقيق ليشمل وزارات ومؤسسات عامة وإدارات».
من جهته، يرى رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية والخبير الاقتصادي السابق في «صندوق النقد الدولي» في واشنطن الدكتور منير راشد، أن الصندوق «لن يحضّر أي جديد للبنان لأنه لا يستطيع الاتفاق على أي برنامج مع حكومة تصريف أعمال»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن الصندوق اليوم «يطالب الحكومة بإنجاز قوانين إصلاحية، ولكنها متعثرّة بوضعها الحالي فيما اللجان النيابية تقوم بما تستطيع القيام به».
والأهم من ذلك، يقول راشد إن برنامج صندوق النقد بصيغته الحالية «لا يستطيع لبنان تطبيقه لأسباب عدة كان قد أوصى بها» مثل «تخفيض دين الدولة من 510 في المائة في 2022 إلى 110 في المائة في 2023 خلال سنة واحدة لكي يستحق لبنان استعمال التمويل المتاح من صندوق النقد، مع تقليص ميزانية مصرف لبنان من خلال شطب التزاماته نحو المصارف التي يقابلها شطبٌ للودائع في المصارف، من دون أخذ وقعها الاجتماعي السيئ والخطير على المودعين في الاعتبار».
ومن الأمثال الأخرى، حسب راشد، «شطب جزء من الدين باليوروبوند وكذلك تحويل جزء من الودائع لرسملة المصارف»، و«رفض الصندوق كلياً الخطة المعدلّة التي أعدتها الحكومة والتي لحظت فيها ودائع مؤهلّة وودائع غير مؤهلّة».
ويقول راشد: «باختصار، الصندوق يريد شطب زهاء الـ80 مليار دولار وهو حجم الفجوة المالية، وبالتالي، فإن ما كشف عنه التدقيق في نسخته الأولية غير المكتملة لن يؤثّر على أي قرار للصندوق».
وفي ضوء التباينات السياسية المستشرية حول الملفات القانونية والاقتصادية، يبقى الانتظار سيّد الموقف لمعرفة الانطباع الذي سيكوّنه صندوق النقد خلال زيارته إلى بيروت، وبالتالي التوصيات التي سيتوّقف عندها.