تثير السيارات “الكورية” الصنع (أي من كوريا الجنوبية) شهية عصابات سرقة السيارات في لبنان التي تستغل خللاً في نظام التشغيل من أجل فتحها وسرقتها. ومن ثم، تقوم هذه العصابات بواحدة من المهام التالية: ابتزاز مالكها الأصلي “وإلزامه بإعادة شرائها”، أو تفكيكها تمهيداً لبيعها في سوق “قطع الفرط”، فيما يبقى تهريبها إلى سوريا هو الخيار المفضل لبيعها.
ازدهار السوق السورية
منذ عام 2013، توسعت أنشطة عصابات الجريمة المنظمة وسرقة السيارات في لبنان تمهيداً لنقلها إلى المناطق الحدودية وتهريبها إلى الداخل السوري، في موازاة ازدياد الانفلات الأمني وتراجع سلطة الدولة في المناطق الحدودية لصالح المجموعات غير النظامية. اليوم، تزداد المخاوف من اتساع دائرة الجريمة في ظل انهيار اقتصادي ومالي تقابله أوضاع أمنية غير مستقرة وسوق مفتوحة ومتعطشة في سوريا التي تعاني حصاراً شديداً بفعل العقوبات الدولية وقانون “قيصر” الأميركي.
في الأثناء، تزداد الجهود في لبنان لمكافحة هذه الظاهرة وتأتي التحقيقات لتكشف تفاصيل تلك الجرائم. ويكشف أحمد، “صاحب شركة لتأجير السيارات”، أنه “تعرض لعملية سرقة من قبل أحد المستأجرين الذي جاء لاستئجار سيارة، ولكنه سرعان ما أصبح خارج التغطية”، ليكتشف لاحقاً وجود عصابات للسرقة الدولية، تقوم باستئجار السيارات من الشركات ومن ثم تهريبها إلى خارج البلاد. ويشكو أحمد من خسائر كبيرة لأن “القدرة على تعويض الخسائر باتت ضئيلة للغاية في ظل الوضع الاقتصادي والمالي”.
خلال ديسمبر (كانون الأول) الجاري، قام “مكتب مكافحة جرائم السرقات الدولية في وحدة الشرطة القضائية” برصد “قيام مجهولين باستئجار سيارات من شركات ومكاتب تأجير ضمن محافظتي بيروت، وجبل لبنان، مستخدمين هويات مزورة”، قبل أن يقوموا بسرقة تلك السيارات وتهريبها إلى الأراضي السورية حيث يتم بيعها. وبحسب التحقيقات، اعترف أحد الفاعلين المشتبه فيهم بأنه كان يستهدف شركات ومكاتب تأجير السيارات ويقوم بنقلها إلى بلدة الهرمل حيث يسلمها إلى شركاء له تقع على عاتقهم مهمة نقلها إلى داخل سوريا.
في عملية منفصلة، أوقفت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي في منطقتي العبدة – عكار والقبة – طرابلس، أفراد “إحدى أخطر عصابات سرقة السيارات” بحسب وصفها، مؤكدة أن “في رصيدهم أكثر من 300 عملية سرقة لسيارات من نوع ’كيا’ و’هيونداي’”، ومن ثم نقلها إلى البقاع فسوريا.
في خطوة إلى الخلف، وخلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تمكنت قوى الأمن الداخلي من توقيف “عصابة أقدمت على تنفيذ أكثر من 30 عملية سرقة سيارة حديثة من محافظتي بيروت وجبل لبنان”، إضافة إلى دراجات آلية. وركز أفراد العصابة جهودهم على السيارات الحديثة الصنع، لا سيما نوعي “كيا” و”هيونداي”، كما تمكنت القوى الأمنية في مايو (أيار) من توقيف عصابة اعترف أعضاؤها بسرقة 150 سيارة من نوعي “كيا” و”هيونداي”، ومن بينها سيارة عائدة لإحدى محطات التلفزة.
السرقات إلى خفض
أثارت عمليات السرقة مخاوف كبيرة في أوساط المواطنين اللبنانيين، ولكن على رغم ذلك، تؤكد أوساط المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي “تراجع نسبة جرائم سرقة السيارات خلال عام 2023 مقارنة بالأعوام السابقة”، و”يعود السبب في ذلك إلى تعاطي الفرق الأمنية معها، واكتشاف الآليات المعتمدة من قبل السارقين، وإلقاء القبض على العصابات الفاعلة وإحالتها إلى القضاء”، مضيفة “صحيح أن هناك عصابات متعددة، ولكن في المقابل هناك جهوداً متزايدة من قبل القوى الأمنية”.
وتجزم الأوساط أن “غالبية السيارات التي تتعرض للسرقة هي من مصدر كوري، ويعود تصنيعها إلى ما قبل عام 2018”. وتعزو السبب في ذلك إلى عدم وجود نظام “Immobilizer” الذي يكبح السيارة، ويمنع تشغيلها ونقلها إلا بمفتاحها الأصلي، كما تلفت إلى قيام السارقين بتفكيكها وبيعها في سوق القطع المستعملة أو نقلها إلى الداخل السوري لبيعها، مستغلين الأوضاع الراهنة، وإمكانية تسويقها على نطاق واسع. لذلك، تنصح القوى الأمنية المواطنين بأخذ الحيطة والحذر، وركن السيارات في مكان آمن، وتركيب جهاز “Immobilizer” لأن ذلك سيؤدي إلى إنقاذ السيارة ومنع سرقتها.
أهداف جديدة للسارقين
دخلت إلى سوق السيارات أنواع جديدة، تشكل هدفاً وصيداً ثميناً للسارقين. وبحسب تأكيدات خالد زريقة، مالك شركة لتأجير السيارات، “لم تعد عمليات السرقة مقتصرة على السيارات الكورية، وإنما اتسعت لتشمل الـ’غراند شيروكي’” من نوع “جيب”، مضيفاً “خلال الفترة القصيرة الماضية، تعرضت أربع سيارات للسرقة، وقد شكل ذلك مصدر استغراب لدى المالكين. ولكن، اتضح لاحقاً قيام السارقين بنسخ مفتاح شبيه بذاك الأصلي والخاص بتشغيل السيارة”. من هنا، يفترض بأصحاب السيارات الحذر لتجنب الأساليب التي تتبعها العصابات.
وتقدمت جرائم السرقة الدولية على أساليب أخرى ازدهرت في الفترة السابقة. ويروي الشاب سعد ملابسات تعرضه لعملية سرقة، تبعتها جريمة ابتزاز عبر تطبيق المراسلة “مسنجر” لاسترجاعها. يقوم السارق بنقلها إلى إحدى المناطق الحدودية. بعد ذلك، يتصل بالمالك الأصلي عبر “مسنجر” أو “واتساب” من خلال حسابات وهمية أو أرقام أجنبية. ويعرض على صاحبها استردادها لقاء دفع مبلغ من المال كبدل لإعادة السيارة.
يفيد الراوي بوجود أخطار كبيرة تحيط بعملية استرجاع السيارة، لذلك يفضل البعض عدم التجاوب مع مطالب السارقين و”عدم استعادة السيارة بسبب المخاوف، واحتمال وقوعهم ضحايا الخطف، وطلب الفدية من عائلاتهم”.