أكثر المتضررين المباشرين من وصول طوفان النيران خلف الحدود إلى لبنان، هم المزارعون الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن حصاد محصولهم، وأن الآلاف من دواجنهم وماشيتهم سقطت ولا تزال ضحية تبادل القصف الذي يُخشى أن تتوسّع رقعته.
مختار شبعا، عبدو هاشم، هو أحد المزارعين الذين كانوا ينتظرون حصاد محصولهم من الزيتون، لكن عندما حان الوقت تفاجأ بأنه عاجز عن الوصول إلى أرضه وخيراتها، يقول بغصة “لدي 350 شجرة زيتون و43 قفير نحل، يحول القصف بيني وبينها، للأسف تعبي وعنائي ورزقي في مهب القذائف والصواريخ”.
حال هاشم كحال حوالي 25 مزارع من أبناء بلدته، عدا مزارعي البلدات الأخرى. ويقول في حديث لموقع “الحرة”: “كان يفترض أن أبدأ بقطاف الزيتون قبل شهر ونصف الشهر، والآن لا أعلم ماذا حل به، هل تساقط أرضاً أم ينتظر إلى حين تمكّني من الوصول والقيام بهذه المهمة”.
تتجاوز خسارة هاشم 30,000 دولار. ويقول “إلى حد الآن لم يتواصل معنا أي مسؤول، أطالب بهدنة لكي نتمكّن من حصاد المحصول، أوضاعنا المادية صعبة، وإذ لم يتم إيجاد حلّ سيقع المزارعون في خسائر فادحة”.
وتصاعدت الاشتباكات على الجبهة الجنوبية للبنان، في الأسابيع القليلة الماضية، منذ دخول إسرائيل في حرب ضد حركة حماس، حليفة حزب الله.
قبل الحرب في غزة، كان لبنان يعاني من أزمة اقتصادية، وبعد السابع من أكتوبر تضررت عدة قطاعات، كما يقول الباحث الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة، “منها القطاع السياحي والخدمات والاستثمارات وغيرها، وإذا انزلق لبنان في صراع شامل فيقدّر أن تصل الخسائر إلى 25 مليار دولار وذلك استنادا إلى حسابات أولية بناء على معطيات حرب يوليو 2006”.
أدى القصف الإسرائيلي على البلدات الجنوبية، كما يقول عجاقة لموقع “الحرة”، إلى “خسائر في المنازل والبنى التحتية والأحراج والأراضي الزراعية التي قد تصبح غير صالحة للزراعة بعد استهدافها بالقنابل الفسفورية، حيث تحتاج إلى معالجة بعد احتراقها”.
واقتصادياً دخلت البلدات الجنوبية، بحسب ما يقوله عجاقة لموقع “الحرة”، “في مرحلة خطرة نظراً لعدم إمكانية الأهالي من الاستفادة من مقومات بلداتهم إن كان على صعيد السياحة أو الزراعة أو الصناعة، وكلما اقتربنا من الحدود أكثر تزداد الأوضاع سوء”.
يذكر أن لبنان يشهد منذ صيف 2019 انهياراً اقتصادياً متسارعاً، وصل إلى حد فقدان العملة المحلية الكثير من قيمتها أمام الدولار، وتفاقم الفقر في وقت فرضت المصارف إجراءات حالت دون تمكّن المودعين من سحب أموالهم نتيجة شح السيولة، حيث تم تحديد سقف للسحوبات المالية لاسيما بالدولار.
أضرار فادحة
يعيش القسم الأكبر من أهالي البلدات الجنوبية خاصة الذين ليس لديهم أعمال في العاصمة اللبنانية، على زراعة التبغ والزيتون، وبعد أن منعتهم الاشتباكات الدائرة من حصد موسمهم الزراعي، يطرح السؤال، كما يقول عجاقة، “حول من سيعوض عليهم، وكون اقتصاد الجنوب يشكل جزءا من الناتج المحلي اللبناني الإجمالي، بالتالي سيكون لذلك تأثير على اقتصاد لبنان، إلا أنه يبقى إلى حد ما مقبولا طالما أن رقعة المعارك لم تتوسع”.
أكثر من 47 ألف شجرة زيتون، إضافة إلى أشجار الصنوبر والسنديان، “تم استهدافها في الفترة الممتدة بين 7 أكتوبر و14 نوفمبر”، بحسب ما أعلنته وزارة الزراعة اللبنانية، مشيرة في بيان إلى أن “60 في المئة من الاستهدافات طالت مناطق حرجية تحتوي على أشجار السنديان والملول والغار، و30 في المئة منها طال أراضي مزروعة بالحمضيات والأشجار، و10 في المئة طال مناطق مغطاة بالأعشاب”.
كما أدى القصف الإسرائيلي “الذي استهدف 53 بلدة جنوبي لبنان، إلى تضرر 60 خيمة زراعية و250 قفير نحل، إضافة إلى نفوق 200 ألف طير دجاج، و700 رأس ماشية، ودمّر بشكل كلي مستودعاً للأعلاف مساحته 600 متر مربع”.
وفيما إن كان لدى وزارة الزراعة خطة لمساعدة المزارعين، أكد الوزير عباس الحاج حسن، أنه يتم إجراء مسوحات يومية من دون أن تشمل كل المناطق المتضررة بسبب صعوبة الوصول إليها كونها مهددة بالقصف مباشرة من طائرات الدرونز المقاتلة الإسرائيلية”.
ولدى الوزارة خطتان، يقول الحاج حسن لموقع “الحرة”، “الأولى داخلية لتقديم مساعدة طارئة وسريعة لكل المزارعين المتضررين من القصف من خلال خطة الطوارئ والهيئات المانحة التي تعمل في الداخل اللبناني، والثانية خارجية حيث تم التواصل مع منظمة الفاو والطلب منها المساعدة العاجلة والفورية للمتضررين في المناطق الجنوبية”.
الأهالي يتمنون أن يتوقف القصف لقطاف محاصيلهم، لكن الوزير يقول “من يُلزم إسرائيل بذلك، فقد رأينا كيف أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لم يقوما بواجباتهما” في ما يتعلق بما يجري في غزة.
وقبل أيام، أكد الحاج حسن، خلال مشاركته في معرض “أرضي”، أن “الجيش الإسرائيلي يقصف الثروة الحرجية والنباتية والحيوانية اللبنانية بقذائف الفوسفور الأبيض المحرّمة دولياً، من أجل حرق المساحات الخضراء والأشجار والحقول الزراعية والمزارع”، واعداً بـ “زرع 10 شجرات مكان كل شجرة يتم إحراقها”.
وأكد الوزير اللبناني في بيان، أن الحكومة اللبنانية “ستُقدم احتجاجاً رسمياً للأمم المتحدة، اعتراضاً على انتهاك القانون الدولي وسيادة لبنان”.
مأزق كبير
تأثر قطاع المطاعم والملاهي بشكل كبير بالقصف على الحدود، فحركة الرواد بطيئة جداً، كما يقول نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم المقاهي الملاهي والباتسيري خالد نزهة، “وقد تراجعت من الاثنين إلى الجمعة إلى نحو 85 في المئة، لا سيما وأن اندلاع الاشتباكات تزامن مع انتهاء الموسم الصيفي في وقت كنا نعمل على أن يكون موسماً مستمراً، وأن يتواصل مع عيدي الميلاد ورأس السنة”.
ويشدد نزهة في حديث لموقع “الحرة” على أن الخسائر كبيرة جداً، إذ “بعد أن أعادت العديد من المؤسسات فتح أبوابها مع انطلاق موسم الصيف، ووظفت طاقم عمل كاملا من طباخين ومدراء وعاملين وغيرهم، بدوامي عمل ليلي ونهاري، تراجع حجم عملها نتيجة التطورات على الحدود اللبنانية، ما شكّل عبئا عليها لاسيما وأن الكلفة التشغيلية كبيرة جداً، وكما يعلم الجميع ارتفاع أسعار الطاقة والماء ووسائل النقل وغياب البنى التحتية”.
كذلك أكد رئيس اتحاد النقابات السياحية ورئيس المجلس الوطني للسياحة بيار الأشقر في بيان أنه “ومع الأسف الشديد، موسم الأعياد الذي ينتظره اللبنانيون والقطاع السياحي في لبنان بات في خبر كان”، مشيراً إلى أن “كل المؤسسات السياحية باتت منذ الآن بانتظار فصلي ربيع وصيف عام 2024، على أمل أن تكون الحرب في غزة والتوترات على الجبهة الجنوبية اللبنانية قد انتهتا”.
وأكد أنه “طالما هناك مناوشات على الحدود اللبنانية وطالما الحرب في غزة لم تنتهِ بشكل نهائي لن يزور أحد لبنان، فالمغتربون اللبنانيون يخافون في حال زيارتهم لبنان ان يتم إقفال مطار رفيق الحريري في بيروت، في حين أن السفر عبر سوريا أو البحر متعذر، بمعنى أنهم لن يستطيعوا الخروج من لبنان”.
واتسمت حركة مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، خلال شهر أكتوبر ببعض الترقب، وسجّل الشهر العاشر من العام الحالي أولى التراجعات منذ مطلع العام على صعيد الوافدين إلى لبنان، وعلى الرغم من ذلك سجل المجموع العام للمسافرين عبر المطار منذ بداية السنة وحتى نهاية أكتوبر ارتفاعاً بنسبة 18 بالمئة ليبلغ ستة ملايين و321 ألفاً و 349 راكباً، كما ذكرت “الوكالة الوطنية للإعلام”.
وتراجع عدد الركاب الوافدين إلى لبنان خلال أكتوبر 2023، 15 في المئة، وسجل 208 آلاف و706 ركاب (مقابل 245 ألفاً و 977 راكباً في أكتوبر 2022)، بينما ارتفع عدد الركاب المغادرين من لبنان بنسبة 15,5 بالمئة وسجل 307 آلاف و879 راكباً (مقابل 266 ألفاً و680 راكباً في أكتوبر 2022)، أما ركاب الترانزيت فتراجع عددهم بنسبة 48,3 بالمئة وسجل 261 راكباً.
وكشف الأشقر عن أن “الاتصالات التي قام بها مع أصحاب المؤسسات السياحية أظهرت أن الاستعدادات لموسم الأعياد خجولة جداً”، مؤكداً أيضاً إلغاء كثير من الحفلات التي كانت مقررة سابقاً.
وشدد على أن “موسم الأعياد الذي يمتد لعشرة أيام من 22 ديسمبر إلى 2 يناير مهم بالنسبة للقطاع السياحي ولبنان، لكنه ليس بنفس الأهمية للمواسم السياحية الأخرى التي تمتد لثلاثة أشهر أو 40 يوماً”، معتبراً أن “الأجواء السلبية ليست في لبنان فقط، إنما معممة على دول المنطقة، وهذا ما يجعل إعادة إحياء الموسم متعذراً”، لافتاً إلى أن “كل التطورات والخبراء الديبلوماسيين والعسكريين يؤكدون أن الحرب لن تنتهي قريباً، ما يجعل القطاع السياحي في مأزق كبير”.