ينتظر لبنان تحركاً جديداً لـ”اللجنة الخماسية” التي تقوم بمساعٍ لإخراج انتخابات رئاسة الجمهورية من عنق الزجاجة. بحسب آخر المعلومات، هذه اللجنة التي تضم الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، ستعود بخريطة طريق توصل إلى انتخاب رئيس. الطريق إلى المجلس النيابي حيث يحصل الانتخاب معروف، ولا توجد إلا ألغام “حزب الله” عليه، فهل تتضمن تلك الخريطة كاسحة ألغام؟
بعد “طوفان غزة”، صرح “حزب الله” وحلفاؤه ومن دون أي تورية أن الانتخابات مؤجلة إلى حين انقشاع الغيوم فوق القطاع. ولكن لسنة خلت أقفل “حزب الله” أبواب البرلمان، قبل أن يستيقظ العالم في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على “طوفان الأقصى”. “اللجنة الخماسية” حسمت مسألة “المرشح الثالث”، ما يعني ضمناً استبعاد مرشح “حزب الله” سليمان فرنجية، فهل “حزب الله” في هذا الوارد؟ وعندما يُقحم اسم الوسيط الأميركي في ترسيم الحدود آموس هوكشتاين كمشارك في “اللجنة الخماسية” فهذا يعني أن “خريطة الطريق” تمتد إلى جنوب لبنان وتحديداً إلى القرار 1701، فهل سيقبل “حزب الله” بهذا البند الإضافي؟
قد يكون سعي “الخماسية” إلى صفقة متكاملة تمثل “اليوم التالي” للبنان، وإذا صح هذا السعي فنتيجته المزيد من المراوحة والاستنزاف، فالربط العسكري والسياسي مع غزة، والذي فرضه “حزب الله”، هو ربط مع نزاع متفجر لا أفق واضحاً تلوح فيه خاتمة سعيدة. في مقابل هذه الصورة القاتمة، نشط السفير السعودي لدى لبنان وليد بخاري في سلسلة لقاءات مع رئيس مجلس النواب نبيه بري والسفيرين الفرنسي والمصري، ومع دبلوماسي من خارج “الخماسية” هو السفير الإيراني مجتبى أماني. يبدو أن كاسحة الألغام أدارت محركها، في محاولة لتكون إيران العضو المراقب في “الخماسية”، أي غير كاملة العضوية. ولكن في كل مناسبة يكرر “حزب الله” تأكيده بأن سليمان فرنجية مرشحه، ولا تراجع عن هذا الترشيح مهما حصل. كأنه يقول اذهبوا إلى فرنجية وأقنعوه بالانسحاب من المعركة، فهذا أيسر لكم.
اعتاد “حزب الله” أن يصل إلى أهدافه في زعزعة الأسس الدستورية للبلاد. فرض حيازته “الثلث المعطل” في الحكومات، وتعطيل انتخاب رئيس جمهورية إلى حين النزول عند رأيه، وورّط لبنان في حربي سوريا والجنوب. هناك رأي عام دولي انقلب لمصلحة غزة بفعل التوحش الإسرائيلي، ولكن إذا توسعت حرب جنوب لبنان فسيكون التعاطف الدولي في أدنى درجاته. السبب أن حركة وزراء الخارجية الأوروبيين والمسؤولين الأميركيين لم تهدأ منذ فتح “حزب الله” الجبهة في محاولة للنأي بلبنان عن عواصف المنطقة. أصلاً نظرية “النأي بالنفس” تعود لرئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي. وكان المقصود بها النأي بلبنان عن الحرب الدائرة في سوريا. طبعاً لم يلتزم “حزب الله” بقرارات الحكومة آنذاك، وعدم تحصين الساحة اللبنانية منذ عام 2011 جر سلسلة الانهيارات السياسية والاقتصادية وأزمة النازحين السوريين.
في برنامجه على قناة “سي أن أن” ومن دافوس، استضاف الأحد الماضي فريد زكريا، وهو من الصحافيين المرموقين في العالم، وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. سأله إذا كانت إيران تعمل على لجم التصعيد في جنوب لبنان نظراً إلى علاقتها مع “حزب الله”، فأجاب بشكل شبه حرفي، “عندما كنت في لبنان سألت حسن نصرالله عن هذا الأمر، فأكد لي أنه سيوقف الأعمال العسكرية عندما تتوقف الحرب في غزة”. هل مثلاً بذل عبداللهيان جهداً ولو صغيراً لثني نصرالله عن قراره؟ لم يستطرد الوزير الإيراني، فهو يريد أن يصدق العالم أن علاقتهم بـ”حزب الله” علاقة سؤال وجواب.