أدت الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، وأعمال عنف مرتبطة بها في الشرق الأوسط، إلى تعرض مصر ولبنان والأردن، وهي دول جوار لطرفي الصراع، “لأضرار اقتصادية جسيمة”، وفقا لتقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.
وأظهر تقييم أجراه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن الحرب بين إسرائيل وحماس، “كلفت الدول العربية الثلاث 10.3 مليار دولار خلال 3 أشهر فقط، وهو الرقم الذي يعادل 2.3 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي”.
ومن المتوقع أيضا أن يقع “230 ألف شخص إضافي بمصر ولبنان والأردن في براثن الفقر”، حسب ما نقلته الصحيفة ذاتها.
وحذر تحليل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من أن “التنمية البشرية يمكن أن تتراجع لمدة سنتين إلى 3 سنوات على الأقل في مصر والأردن ولبنان”.
وأشار إلى تدفقات اللاجئين وارتفاع الدين العام وانخفاض التجارة والسياحة – وهي مصدر حيوي للإيرادات والعملة الأجنبية وفرص العمل في تلك الدول الثلاث.
وتستمر الهجمات التي يشنها المسلحون الحوثيون في اليمن والمدعومون من إيران، على السفن التجارية، في تعطيل طريق تجاري حيوي، وهو قناة السويس المهمة لاقتصاد مصر، وزيادة تكاليف الشحن.
وقال مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما الأميركية، جوشوا لانديس، إن الضربات الاقتصادية الأخيرة “تأتي في أسوأ وقت بالنسبة لهذه البلدان”.
وكان النشاط الاقتصادي بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا في حالة تراجع بالفعل، حيث انخفض النمو بنسبة 2 بالمئة عام 2023، من 5.6 بالمئة خلال العام السابق.
ومنذ 2019، يعيش لبنان فيما وصفه البنك الدولي بواحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية والمالية في العالم منذ أكثر من قرن ونصف، حيث جعل الانهيار الاقتصادي المتواصل غالبية السكان تحت خط الفقر، مع عجز الدولة عن توفير أبسط الخدمات.
كما تأتي الحرب في غزة، وتصاعد العنف بمختلف أنحاء المنطقة، مع واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخ مصر، بعدما سجل معدل التضخم السنوي مستوى قياسيا يبلغ حاليا 35,2 بالمئة، مدفوعا بتراجع قيمة العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية، في ظل استيراد القسم الأكبر من الغذاء، فضلا عن تزايد حجم الدين الخارجي الذي يبلغ 164,7 مليار دولار.
وفي نوفمبر الماضي، أعلن صندوق النقد الدولي أنه توصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع الأردن، بشأن برنامج قرض جديد بقيمة 1,2 مليار دولار لمدة 4 سنوات، بهدف مساعدة عمّان على مواجهة الصدمات المالية، خاصة تلك الناجمة عن حرب إسرائيل وحماس.
“مثير للقلق”
واندلعت الحرب في 7 أكتوبر الماضي، بعد أن توعدت اسرائيل بالقضاء على حماس عقب هجوم الحركة الفلسطينية المصنفة إرهابية، الذي أسفر عن مقتل 1140 شخصا في إسرائيل، معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، حسب تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى أرقام رسمية.
واختطفت حماس خلال الهجوم نحو 250 شخصا نُقلوا إلى قطاع غزة، حيث لا يزال 132 منهم محتجزين كرهائن، بحسب السلطات الإسرائيلية. ويرجح أن 28 على الأقل لقوا حتفهم.
وتنفذ إسرائيل منذ ذلك الحين حملة قصف مدمرة، وعمليات برية في القطاع باشرتها في 27 أكتوبر، مما أسفر عن سقوط أكثر من 25000 قتيل، معظمهم من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة في القطاع.
وفيما تشهد الحدود الشمالية لإسرائيل اشتباكات متواصلة مع حزب الله اللبناني، اتسعت رقعة الصراع بالمنطقة بعد أن بدأ الحوثيون في اليمن بشن هجمات على السفن التجارية بمنطقة البحر الأحمر.
وفي الأردن ولبنان ومصر، يؤدي عدم اليقين بشأن مسار الحرب إلى تآكل ثقة المستهلكين والشركات، مما يرجح أن يؤدي إلى انخفاض الإنفاق والاستثمار، وفق محللو صندوق النقد الدولي.
ولم تتعاف مصر، أكبر دولة في العالم العربي من حيث عدد السكان، حتى الآن من ارتفاع تكلفة الواردات الأساسية مثل القمح والوقود، وانخفاض عائدات السياحة، وانخفاض الاستثمار الأجنبي.
وأدى الإنفاق الحكومي الباذخ على المشاريع الضخمة والأسلحة، إلى ارتفاع ديون مصر. وعندما رفعت البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم أسعار الفائدة للحد من التضخم، تضخمت مدفوعات تلك الديون، فيما يستمر ارتفاع الأسعار داخل مصر ليؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للمواطنين وخطط الشركات للتوسع.
ويعد انخفاض حركة الشحن العابر إلى البحر الأحمر من قناة السويس أحدث ضربة للقاهرة. وفي الفترة بين يناير وأغسطس، حققت مصر إيرادات متوسطها 862 مليون دولار شهريا من القناة، التي يعبر من خلالها نحو 11 بالمئة من التجارة البحرية العالمية.
وقال خبير اقتصاد الأسواق الناشئة في “كابيتال إيكونوميكس”، جيمس سوانستون، إن “هذا هو أكبر تأثير غير مباشر” على مصر.
وبالنسبة لهذه الاقتصادات الثلاثة المتعثرة، فإن انخفاض السياحة “مثير للقلق” بشكل خاص، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.
وفي عام 2019، شكّلت السياحة في مصر ولبنان والأردن ما بين 35 إلى ما يقرب من 50 بالمئة من صادراتها من السلع والخدمات مجتمعة، وفقا لصندوق النقد الدولي.
وفي الأردن، انخفضت حجوزات الطيران بنسبة 18 بالمئة بعد اندلاع الحرب. وفي لبنان، حيث تقاتل القوات الإسرائيلية مقاتلي حزب الله على طول الحدود، انخفضت الحجوزات بنسبة 25 بالمئة.
وقال أوليفييه بونتي، وهو مسؤول في شركة تحليلات السفر “فورورد كيز” (ForwardKeys)، إن “المخاوف من تصعيد إقليمي تلقي بظلالها على آفاق السفر في المنطقة”.