ما بدأ يحصل على الساحة اللبنانية منذ العام 75 تحديداً وما سبقه وما تلاه من ويلات هـو مجــرّد قراءة خاطئة لبعض اللبنانيين الذين ظنّوا أنّ بإستطاعتهم كعنصر ميلشياوي تحريك الموضوع ومجابهة الأمور والتي كانتْ قراءة جد خاطئة كلّفت اللبنانيين الكثير من الويلات، وتفاقمت إلى أن أصبحتْ مشكلة ضخمة معقّدة على ما يبدو لا يقتصر تأثيرها على واقع الجمهورية اللبنانية بل تعدّاها الأمـر إلى نمّو سياسي – أمني – ديمغرافي – مالي – اقتصادي – إجتماعي، علماً أنّ هناك تدخلات خارجية التي كانت لصالح القضية الوطنية الأم عبر إصدار قرارات عن مجلس الأمن أو قرارات عربية ذات الصلة بالأوضاع العامة في البلاد، ولكن تمّ تطييرها من قبل سلطات الأمر الواقع تحت ستار «تطنيش دبلوماسي لبناني خطير بإمتياز».
قد يكون من السهل إيجاد المبررات لدى قوى الأمر الواقع التي قرأت الأمور عن طريق الخطأ لإعتبار قضية بمثل هذه الأهمية موضوعاً جديراً بمزيد من البحث المعمّق لو لم تكن هذه الأزمة من صلب أزمات منطقة الشرق الأوسط والتي هي على المستويين العربي والدولي موضوع بحث ومناقشة والسبب إنسداد الأفقْ الخُلُقي والوطني لدى من يتوّلون الشأن العام في لبنان. ما نحاول طرحه كمركز أبحاث على المستوى السياسي – الدبلوماسي على ما يبدو تؤيده كل مراكز الأبحاث الصديقة التي نتعاطي معها يومياً، علمًا أنّ هناك تعاطفاً عربياً – دولياً مع الشعب اللبناني يُقابله تعنّت من قبل قادة الأمر الواقع.
الغرض من إعتماد مبدأ الدبلوماسية اللبنانية (المستقلّة) لمعالجة القضية الوطنيّة الأم، هـــو التحقيق في الإفتراض الراسخ بأنّ الجمهورية اللبنانية وبقائها لا تزال في المصلحة العليا للمتطلبات السياسية – الأمنيّة – الاقتصادية لكـل من الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. دبلوماسياً إنّ تأييد قيام دولة قوية سيّدة نفسها ضمن أطر صيغة العام 1943 وعضويتها في جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة هي في مكانٍ ما من أهم المرتكزات التي يجب العمل عليها من أجل إصلاح ما يمكن إصلاحه في هذا الوقت بالذات.
كمركز أبحاث PEAC ننطلق من حيث المبدأ للتفتيش عن القرارات التي اتخذها مجلس الأمن بشأن الأزمة اللبنانية خصوصاً ما تفرّع عن الأزمة من مخاطر وإحتلالات وتفكُّك الجمهورية، وماذا كان اتجاه الدبلوماسيتين العربية والدولية إزاء القضية الوطنيّة الأم؟ وهل كانت النتيجة أنْ جاءت هذه السياسات العربية – الدولية مفيدة لناحية الإستفادة من مضامينها؟ وما هي الأسباب التي جعلت تأخير أو تطبيق بعض هذه المقررات ومن هو المسؤول أو المعرقل عن عمليّة التطبيق؟! ما هي المصالح اللبنانية في إطار جامعة الدول العربية وضمن إطار منظمة الأمم المتحدة؟ وهل القرارات التي إتخذت سواء أكانت عربية أو دولية لصالح لبنان من خلال مصالح سياسات عربية – دولية أو لصالح الجمهورية اللبنانية وسيادتها ومصلحة الشعب اللبناني؟
لا يوجــد حتى اليوم مراجعة سياسية – دبلوماسية مهمّة لِما كُتِبَ عن «القضية الوطنيّة الأم» في مجال السياستين العربية والدولية، ذلك أنّ هناك دراسات ربما حظيتْ بعناية كبيرة لمسار الأمور في الجمهورية اللبنانية، وقد إنطلق بعضها بصورة محددّة عربياً ودولياً تؤيد وتدعم الجمهورية اللبنانية بمؤسساتها الشرعية المدنية والعسكرية وكانتْ بأغلبيتها لخير ومصلحة الجمهورية اللبنانية.
كباحث وعضو في مركز PEAC أتمنى من الجميع وخصوصاً من الذين يتعاطون الشأن العام إعادة النظر في موضوع الدبلوماسية اللبنانية والإفتراضات التي تقوم عليها، وذلك من خلال مراجعات مهمّة لمجريات الأحداث على الساحتين اللبنانية والعربية. عملياً وإستناداً إلى مبدأ «علم الدبلوماسية» وبالتحديد ما قاله الباحث Maurice Keen، حيث اعتبرها مجموعة من القواعـد القانونية الدولية المنظمة لما ينشأ عادة بين الدول فيما بينها من علاقات دبلوماسية تمارس كل دولة أو منظمة من خلالها دبلوماسيتها أي سياستها الخارجية في مواجهة غيرها من الدول أو المنظمات الدولية. ومن المؤسف ألاّ تكون الدبلوماسية اللبنانية المحرِّكْ الرئيسي للقرارات التي من الواجب أو المُلزم اتخاذها لصالح القضية الوطنية الأم. وعلى مــرّ السنين والدبلوماسية اللبنانية ما فتئت تتلكأ في إتخاذ القرارات المصيرية.
إنّ الدبلوماسية اللبنانية تجاه القضية الأم تبدأ بمصالح ذات طابع إستغلالي وإستراتيجية مشوّشة ومتضاربة ولغاية تاريخه لم يطرأ عليها أي تحسُّن، ففي العهود السابقة وفي أيامنا هذه تميّزت هذه الدبلوماسية بسلسلة معقّدة ومجحفة بحق القضية الوطنية الأم إنطوت على عدم الكفاية وعـدم الإنسجام وسوء التقدير. فمبدأ «الإلتزام الوطني الصرف» غير موجود في قاموس هذه الدبلوماسية وهـو الذي أثبت فشله الذريع، حيث أصبح الغريب الأكثر نفوذاً وتأثيراً في كل مفاصل القضية اللبنانية الأم.