وأضاف جعجع، في حديث خاص لـ “القدس العربي”: “نرى كيف تتدحرج الأمور شيئاً فشيئاً، والقصة ليست بالخطابات والمعادلات النظرية”.
وعلّق على الإطلالة المرتقبة لأمين عام “حزب الله”، السبت المقبل، بقوله: “كأنّ هذه الحرب باتت حرب إطلالات!؟”، معتبراً أن “ليس هكذا تُخاض الحروب، بل الحرب الفعلية هي حرب موازين قوى محضرة سلفاً، وحرب تُخاض بالتفاهم مع الآخرين، كل الآخرين، وليس أن يأتيك أحد ويُنزلك بحرب طويلة عريضة، ويجبرك على الدخول فيها، بمعرفتك أو بغير معرفتك، وإذا لديك مقوماتها أو لا”.
وفي موضوع قيادة الجيش، أيّد جعجع موقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وانتقد “حسابات جبران باسيل الصغيرة جداً من أجل إزاحة مرشح رئاسي محتمل من طريقه”، وسأل: “ألا يعرف باسيل أن الأفضل للجيش، ولوضعية البلد حالياً أن يبقى العماد جوزف عون قائداً للجيش؟ وهل التغيير في قيادة الجيش مناسب الآن؟”، ولم يستبعد التواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري حول عقد جلسة تشريعية، “مع أن أجوبته الأولية غير منطقية”، لافتاً إلى “أن التلاقي بين باسيل وفرنجية رئاسياً يعود لهما، ولكن لا أعتقد أبداً لأنهما هنا يكونان يختلفان على رئاسة يريدها الاثنان لكل واحد منهما مباشرة أو مداورة”.
وأكد جعجع أن “كل لحظة تمرّ على غزة تدمي القلب”، منتقداً “اكتفاء البعض بالمزايدات والصراخ والتنديد بالعدو الإسرائيلي وبالجرائم”، وقائلاً: “كم من الجرائم ارتُكبت وتُرتكب باسم القضية الفلسطينية”.
وفي ما يلي وقائع الحوار الذي أجرته “القدس العربي” مع رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع:
* كيف تنظر إلى استهداف سيارة مدنية في جنوب لبنان، وهل يعني هذا الاستهداف أننا أمام خطر تدحرج الأوضاع أكثر؟ لا سيّما بعدما رفع السيد نصرالله معادلة “مدني مقابل مدني”؟
– إن جريمة السيارة التي كانت تضم جدّة وابنتها وأحفادها البنات الثلاث لم أرَ ببشاعتها، فحتى هذه السيارة ليس فيها رجل واحد، وبالتالي كانت جريمة بشعة إلى أبعد الحدود. أما معادلة “مدني مقابل مدني” فيمكننا وضع معادلات قدر ما نشاء، ولكن الحرب هي عبارة عن موازين قوى، وليس معادلات، إلا إذا كنت تمتلك موازين قوى تستطيع فرض هذه المعادلات. وكما يظهر من اصطفاف القوى في الوقت الحاضر، وبخاصة القوات الأمريكية، من الحكمة جداً جداً الرجوع إلى القرار 1701 وتطبيقه بحذافيره، ولا يوجد غير هذا القرار ليحمي لبنان وشعب لبنان، وليوفّر علينا ضحايا، كالذين سقطوا في حادث السيارة، أو في حوادث أخرى رأيناها منذ أسبوعين، ثلاثة. فكل هذا الكلام حول “مدني مقابل مدني” لا يعني لي كثيراً، بل قُل لي في البدء ما هو توازن القوى.
* يعني أنت تخشى من تطورات أخطر في حال ذهب “حزب الله” إلى قصف كريات شمونة أو غيرها من المستوطنات؟
– هذا هو رأيي، ونرى كيف تتدحرج الأمور شيئاً فشيئاً، لنفترض أن لدى أحد الأطراف موازين قوى لصالحه، عظيم، لا مشكلة بالعكس، إنما القصة ليست بالخطابات والمعادلات النظرية.
* ستكون إطلالة جديدة لأمين عام “حزب الله”، السبت المقبل، هل ستحمل برأيك أي جديد؟ وماذا عمّن يقول إن ثمن عدم دخول “حزب الله” في الحرب بشكل كبير سيحقق له ولإيران بمنطق البيع والشراء مكاسب سياسية في لبنان، وربما في رئاسة الجمهورية؟
– أولاً حول إطلالات السيد حسن، فكأن هذه الحرب هي حرب إطلالات؟! ليس هكذا تُخاض الحروب، بل الحرب الفعلية هي حرب موازين قوى محضرة سلفاً، وحرب تُخاض بالتفاهم مع الآخرين، كل الآخرين، وليس أن يأتيك أحد ويُنزلك بحرب طويلة عريضة ويجبرك على الدخول فيها، بمعرفتك أو بغير معرفتك، وإذا كانت مناسبة أو غير مناسبة، وإذا لديك مقوماتها أو لا. فهل يجوز أن تُزج شعوب بكاملها بالحديد والنار، وبجهنم، من دون دراسة، أو تبيان طريقنا، أو معرفة إلى أين تذهب الأمور،.. وبالتالي ليست القصة قصة إطلالات، وكأن الحرب باتت بالخطابات.
أما حول الشق الثاني من السؤال، وموضوع البيع والشراء، فمن المعروف أن إيران تعقد من حين إلى آخر صفقات مع أمريكا، وآخرها كانت صفقة تبادل الأسرى والموقوفين بينهما، إضافة إلى 6 مليارات دولار. إنما قل لي إذا إيران خدمت أمريكا بعدم دخول “حزب الله” في الحرب بشكل كبير، كيف يمكن لأمريكا أن تخدمها في رئاسة الجمهورية؟ وكم صوتاً لأمريكا في لبنان حتى تخدمها في رئاسة الجمهورية؟ وهل يمكنها أن تؤثر على صوت إضافي ليُنتخب سليمان فرنجية؟ بالتأكيد لا. وبالتالي حتى لو نظرياً هناك إمكانية لعقد صفقة بين إيران و”حزب الله” من جهة، وأمريكا من جهة ثانية، عملياً لا يمكن للولايات المتحدة أن تعطي مكاسب سياسية في لبنان، يمكنها أن تعطيهم بوارج وأسلحة نعم، إنما مكاسب سياسية أبداً، لأن مواقف القوى السياسية معروفة ومحددة سلفاً.
*يعني لا تمون عليكم الولايات المتحدة في هذا الإطار؟
– تمون علينا؟ (ضاحكاً) تسألني أنا؟ بالتأكيد لا، نحن نتشاور مع الولايات المتحدة، ونتبادل الآراء، وفي مجالات كثيرة هناك آراء مختلفة، وفي مجالات تكون آراؤنا متطابقة.
* في موضوع قيادة الجيش كيف قرأت موقف البطريرك الراعي حول رفضه التخطيط لإسقاط قائد الجيش؟ وهل يمكنكم بعد تقديم اقتراح قانون فرض التمديد لقائد الجيش، خصوصاً بعد تلاقي مصالح جبران باسيل وسليمان فرنجية ضد العماد جوزف عون؟ وهل يمكن أن تتلاقى مصلحتهما رئاسياً؟
– يتلاقيان رئاسياً، هذا أمر يعود لهما، ولكن لا أعتقد أبداً، لأنهما هنا يكونان يختلفان على رئاسة يريدها الاثنان لكل واحد منهما مباشرة أو مداورة. في ما يتعلق بقيادة الجيش أمر مؤسف جداً جداً أنه في خضم كل ما نعيشه، ما زالت حسابات جبران باسيل صغيرة جداً. ما هي حساباته؟ ألا يعرف أن الأفضل للجيش، ولوضعية البلد أن يبقى العماد جوزف عون قائداً للجيش؟ وهل التغيير في قيادة الجيش مناسب الآن؟ ولنفترض أن هناك شخصاً كفؤاً حالياً، فيحتاج إلى سنة أو إلى سنة ونصف ليتعرّف على الجيش وعلى القيادات وعلى الضباط، وكيف يُدار الجيش من الداخل، أقول إذا توافرت مثل هذه الشخصية، وهو ما ليس متوافراً الآن، وبالتالي حرام ومعيب بسبب حسابات كي لا يعود العماد جوزف عون مرشحاً رئاسياً أن نعطل كل إمكانية للتمديد له في قيادة الجيش.
نحن كل ما نفكّر به أن يبقى الجيش كما رأيناه منذ 6 سنوات لغاية الآن. وبالفعل لأول مرة منذ 6 سنوات يكون الجيش بهذا الشكل سواء على الحدود، وبالأخص في الداخل، فبالرغم من كل ما جرى في لبنان، يمكنك رؤية كيف هو الاستقرار الداخلي، البعض يراه أعجوبة، فحتى هذا الاستقرار يريدون أخذه من الناس، ومن أجل ماذا؟ من أجل أن يزيحوا من طريقهم مرشحاً رئاسياً محتملاً ولو من بعيد لأن كل الناس تعرف أن موضوع الرئاسة بعيد. فكل هذا المنطق، وكل هذه المقاربة غير مقبولة، وغبطة البطريرك محق مئة بالمئة، وما يجب فعله هو تأمين حُسن سير المؤسسات المتبقية، وفي طليعتها الجيش الذي هو نقطة ارتكاز رئيسية لكل لبنان في الوقت الحاضر، فهل يجوز اللعب بالجيش من خلال اللعب بقيادته؟ هذا غير مقبول. ومن هذا المنطلق قدّمنا اقتراح القانون، ولم نأخذ بعين الاعتبار إذا كان جبران باسيل، أو غيره، يريد أو لا يريد.
* هل يمكن أن يتم التواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في ما يخصّ الجلسة التشريعية؟
– معقول، مع أن أجوبة الرئيس بري الأولية غير منطقية أبداً.
* في موضوع غزة والقضية الفلسطينية ما هي نظرتك لما يجري هناك؟
– كم من الجرائم ارتُكبت وتُرتكب باسم القضية الفلسطينية. يا أخي، القضية الفلسطينية قوتها منها وفيها، والطريق الذي جرّبته “حماس”، بالرغم من بطولة عناصرها، هو مجرّب مِن قَبل عشرة آلاف مرة، ويمكنك رؤية النتائج.
الأمر بحاجة إلى مقاربة أخرى لحل القضية الفلسطينية، ولإعطاء الشعب الفلسطيني حقه. وحول ما يجري في غزة اليوم هناك بعض الإخوان يكتفون بالمزايدات والصراخ والتنديد بالعدو الإسرائيلي وبالجرائم، ولكن بماذا يفيد هذا الشيء الشعب في غزة؟ وكأن القصة ما زالت عبارة عن سوق عكاظ في الشرق الأوسط!
حرام ما يجري، وأمر مؤسف، وتدمي القلب كل لحظة تمرّ على غزة، ولذلك المطلوب إستراتيجية أخرى مختلفة تماماً لوصول الشعب الفلسطيني إلى حقه، ويجب أن يصل إلى حقه، ومن واجبنا أن نكون جميعاً خلفه، والأولوية بالنسبة إلينا في أي مشروع في الشرق الأوسط يجب أن تكون إيجاد حل دائم للفلسطينيين، وإيجاد دولة فلسطينية سيدة وحرة ومستقلة يعيش فيها الشعب بحريته وكرامته وضمن مؤسساته، وبعدها يأتي التطور والنمو الاقتصادي.