فالعلاقة بين قائد الجيش والرئيس عون تكاد تكون مقطوعة قبل أن يغادر القصر الجمهوري في بعبدا في 31 أكتوبر الماضي إلى منزله في الرابية (شرق بيروت) فور انتهاء ولايته الرئاسية، وأخذت تتدهور تدريجاً مع إدراج اسمه على لائحة المتسابقين إلى رئاسة الجمهورية، برغم أنه لم يعلن ترشحه ويلوذ بالصمت حيال التأييد الدولي والإقليمي، الذي يلقاه لدوره على رأس المؤسسة العسكرية، وصولاً إلى ترشيحه لرئاسة الجمهورية.
ومع أن الرئيس عون هو من سمّاه لتولي قيادة الجيش، فإنه بدأ يتحسس من طرح اسمه مرشحاً لرئاسة الجمهورية، وسرعان ما تحوّل الأمر إلى قطيعة سياسية زاد من وطأتها انعدام الكيمياء السياسية التي أخذت تظهر تدريجياً إلى العلن، من خلال سوء التفاهم الذي سيطر على علاقة العماد عون بوزير الدفاع المحسوب على «التيار الوطني الحر»، من دون أن يفلح رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، عندما جمعهما، في تنقية الأجواء رغبة منه بتأمين الانتظام بداخل المؤسسة العسكرية.
لكن قائد الجيش آثر عدم الدخول في سجال مباشر مع الوزير سليم، رغم أن فقدان النصاب في «المجلس العسكري» بإحالة نصف أعضائه إلى التقاعد، أدى إلى تعليق اجتماعاته وتعطيل دوره، مما اضطر الرئيس ميقاتي إلى إصدار مرسوم يجيز لنصف أعضائه الذين لا يزالون في الخدمة الفعلية وعلى رأسهم العماد عون، بتسيير شؤون المؤسسة العسكرية وتأمين احتياجاتها.
ويأتي المرسوم الذي وقّعه الرئيس ميقاتي في أعقاب امتناع الوزير سليم عن التقدّم باقتراح، بعد استمزاج رأي قائد الجيش، يجيز لمجلس الوزراء ملء الشغور في المجلس العسكري بتعيين ثلاثة ضباط بعد ترقيتهم إلى رتبة لواء خلفاً للذين أُحيلوا إلى التقاعد، وهم رئيس الأركان اللواء أمين العرم، ومدير الإدارة اللواء مالك شمص، والمفتش العام اللواء ميلاد إسحق.
ويتحصن الوزير سليم برفضه التقدّم بأسماء ثلاثة ضباط برتبة عميد ليحلّوا مكان الذين أحيلوا إلى التقاعد، بأن تعيينهم يحتاج إلى توقيع رئيس الجمهورية، وبما أن الشغور في الرئاسة لا يزال قائماً، فهناك استحالة أمام انعقاد مجلس الوزراء، بذريعة عدم إشعار من هم في الداخل وفي الخارج بأن البلد يمشي من دون انتخاب رئيس للجمهورية.
وفي هذا السياق، حذَّر مصدر وزاري من وجود مخطط مدروس بإتقان يقضي بالإبقاء على الشغور في المجلس العسكري إلى ما بعد إحالة العماد عون على التقاعد في يناير (كانون الثاني) 2024، وقال إن من يقف وراء الوزير سليم يدرس حالياً للتحضير لمن يخلفه في إدارة شؤون المؤسسة العسكرية في حال أن أمد الشغور الرئاسي طال إلى ما بعد إحالته على التقاعد.
وكشف المصدر الوزاري، الذي فضّل عدم ذكر اسمه لـ«الشرق الأوسط»، بأن الوزير سليم، وبدعم من فريقه السياسي، يدرس فور إحالة العماد عون على التقاعد، وبغياب رئيس للجمهورية، إصدار مذكرة تقضي بتكليف الضابط الأعلى والأقدم رتبة بتدبير شؤون المؤسسة العسكرية، وقال إن التكليف سيقع على العضو المتفرغ في المجلس العسكري اللواء بيار صعب، وهذا ما يشكل مخالفة لقانون الدفاع الوطني، الذي ينص على أن يتولى رئيس الأركان مهام قائد الجيش طوال فترة غيابه.
ولفت إلى أن الوزير سليم، وإن كان يتذرع بملء الشغور في المجلس العسكري بعدم انتخاب رئيس للجمهورية، فإنه يسعى للالتفاف على قانون الدفاع، خصوصاً أن إصداره لمذكرة تقضي بتكليف اللواء صعب لا تلغي مادة في قانون الدفاع تتعلق بمن ينوب عن قائد الجيش طوال فترة غيابه، أي رئيس الأركان.
وأكد أن المجلس العسكري يتمتع بسلطة مستقلة، وأن وزير الدفاع سيخالف القانون في حال أنه أصر على إصدار المذكرة. وقال إن البديل للواء صعب، مع أنه يشكل مخالفة لقانون الدفاع، سيكون قائد قطاع منطقة جنوب الليطاني العميد مارون القبياتي، كونه يخضع مباشرة لقيادة الجيش ويتولى موقعاً عملانياً إلى جانب «يونيفيل» لتطبيق القرار 1701.
لذلك فإن المخالفة لقانون الدفاع أكانت من هنا أو من هناك ستدخل البلد في اشتباك سياسي من العيار الثقيل، وبالتالي لا مصلحة، كما يقول المصدر الوزاري، للتشويش من الداخل على المؤسسة العسكرية التي هي الآن موضع تقدير محلي وخارجي، وأن إقحامها في صراعات داخلية يراد منها تصفية الحسابات الرئاسية ليس في محله، وأنه لا مبرر للتلكؤ في تعيين الشغور في المجلس العسكري لأن الضرورات تبيح المحظورات، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بتحصين المؤسسة العسكرية وتحييد الجيش عن المهاترات المحلية.
وعليه هل ينجح ميقاتي في جمع وزير الدفاع وقائد الجيش في محاولة جديدة لغسل القلوب وصولاً لتهيئة الأجواء أمام انعقاد مجلس الوزراء لملء الشغور في المجلس العسكري تحسباً لإطالة أمد الفراغ الرئاسي إلى ما بعد إحالة العماد عون على التقاعد، لئلا يُستدرج البلد إلى حرب سياسية وقودها المبارزة في تبادل المذكرات برغم أنها تشكل مخالفة مكشوفة لقانون الدفاع؟