في وقت يهدد فيه الظلام مساحات واسعة من لبنان على خلفية توقف تشغيل محطات توليد الكهرباء بفعل نقص السيولة المالية، تتزايد التحذيرات، من اتساع رقعة أزمة انعدام الأمن الغذائي، مع وصول عدد من يواجهون مستويات عالية من شُح الغذاء في البلاد، إلى مليون وأربعمئة ألف شخص على الأقل.
ويشكل هذا العدد 25 % تقريباً من سكان لبنان، ممن خضعوا لدراسة تحليلية حديثة، استهدفت تحديد وضع الأمن الغذائي في بلادهم، في الفترة ما بين مايو وأكتوبر من العام الجاري، وذلك باستخدام مقياس دولي متعارف عليه في هذا الصدد، يحمل أسم «التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي».
وأشارت الدراسة، إلى أن هؤلاء الأشخاص باتوا مُدرجين الآن، في إطار ما يُعرِّفه ذلك المقياس بـ «مرحلة الأزمة» على صعيد الافتقار إلى الغذاء، وهو المستوى قبل الأخير، من المراحل الأربع لهذا التصنيف.
وتشمل تلك المرحلة، سكان ما لا يقل عن 16 من الأقضية اللبنانية، وتعني أن أولئك الأشخاص، بحاجة ماسة إلى تدابير إنسانية عاجلة، تستهدف تقليص ما يعانون منه من فجوة غذائية، وترمي لتمكينهم من إضفاء التنوع على ما يتناولونه من طعام، وحماية أنفسهم من سوء التغذية الحاد.
وفي الوقت نفسه، يواجه ما يربو على 2 % من اللبنانيين «نحو 77 ألف شخص»، مرحلة الطوارئ، وهي المستوى الرابع والأكثر خطورة من ذلك التصنيف، وهو ما يوجب على السلطات في بيروت، إيصال المساعدات الغذائية الإنسانية، لهذه الشريحة من السكان، بشكل عاجل.
وأكد الخبراء، أن من بين أبرز أسباب تفاقم الانعدام الراهن للأمن الغذائي في لبنان، ارتفاع مؤشر أسعار الغذاء هناك، بين مايو 2022 والشهر نفسه من العام الجاري، بنسبة شارفت نحو 304 %، وذلك على وقع تزايد تكلفة المواد الغذائية الأساسية في السوقيْن المحلية والعالمية. ويُعزى ذلك الوضع الحرج أيضاً، إلى التراجع الهائل في قيمة العملة المحلية، بما يصل إلى 98 % منذ بداية الأزمة الاقتصادية الحالية في أكتوبر 2019، وما يُقدَّر بنحو 70 %، في الفترة ما بين مايو 2022 ومايو 2023 وحدها.
وقاد الانهيار الاقتصادي والمالي في لبنان كذلك، إلى أن يعاني قرابة ربع السكان من البطالة، خاصة إن كانوا من الشباب أو النساء أو اللاجئين، وهو ما قلص قدرة هؤلاء جميعاً، على توفير احتياجاتهم من الغذاء، بما أجبر ما لا يقل عن 15% من الأُسَر اللبنانية، على الاعتماد على اثنتين على الأقل، مما يُعرف باستراتيجيات التكيف السلبية مع تقلص القدرة على كسب الرزق، وهو ما يتضمن الإفراط في استغلال الموارد الطبيعية، واستنزاف الأراضي وغيرها.
فضلاً عن ذلك، لم يؤد تعزيز منظومة المساعدات الإنسانية والاجتماعية في لبنان، خلال الربع الأول من 2023، إلى دعم قدرة السكان على تغطية الحد الأدنى من متطلباتهم المرتبطة بتلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية، وهو ما يتزامن مع تصاعد حالة عدم اليقين السياسي الحالية، الناجمة عن شغور المناصب السيادية، وفي مقدمتها رئاستا الجمهورية والبنك المركزي، بجانب الافتقار إلى وجود حكومة كاملة الصلاحيات.
وحذرت الدراسة، التي نشرها موقع «ريليف ويب» الإلكتروني التابع للأمم المتحدة، من إمكانية استمرار تدهور وضع الأمن الغذائي، للشرائح الأكثر ضعفا في المجتمع اللبناني، داعية السلطات إلى بذل جهد أكبر، من أجل تحسين قدرة السكان على الوصول إلى الغذاء، سواء من خلال زيادة مواردهم المالية، عبر إيجاد شبكات أمان اجتماعي أكثر فاعلية، أو عبر توفير المزيد من المواد الغذائية لهم، بشكل مباشر.