وتعتبر هذه الخطوة إنجازاً حقيقياً ونقلة نوعية في مجال الحماية الاجتماعية في البلاد، وفي الواقع هو إنجاز للدولة والمواطن على حد سواء، إذ أتى ليؤمن مظلة حماية اجتماعية في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة فيحل محل نظام تعويض نهاية الخدمة. وبينما يتفاءل المجتمع اللبناني والمعنيون كافة بهذه الخطوة الإيجابية، تطرح تساؤلات حول موعد تطبيقه، إذ إن دخوله حيز التنفيذ لن يحصل مباشرة أثر إقراره، فمتى الانتقال إلى المرحلة الأهم؟
نقلة نوعية تدعو إلى التفاؤل
منذ عام 2004، تباينت الآراء حول قانون التقاعد والحماية الاجتماعية بين جهات عدة معنية، مما أسهم في تأخير إقراره 20 عاماً. هذه المماطلة حرمت المتقاعدين من أدنى حقوقهم فلم ينعموا بأقل حقوقهم كما يحصل في الدول الحريصة على مصالح مواطنيها، علماً أن معظم دول العالم انتقلت إلى الأنظمة التقاعدية بدلاً من نظام نهاية الخدمة المعتمد حتى اللحظة في لبنان، وبعد هذا النضال من المفترض الانتقال من نظام تعويض نهاية الخدمة إلى نطام التقاعد والحماية الاجتماعية حرصاً على استمرارية المداخيل للمتقاعدين لتأمين حياة كريمة لهم.
وإثر إقراره عبرت الجهات المعنية عن تفاؤلها بهذه الخطوة المهمة، وكانت “جمعية الصناعيين” من الهيئات التي أشادت بهذه النقلة النوعية في موضوع الحماية الاجتماعية في لبنان، “كون الانتقال إلى هذا النظام يوفر مظلة حماية اجتماعية للمتقاعدين”.
مسار التطبيق طويل والعوائق غير متوقعة
“لا يدخل القانون حيز التنفيذ تلقائياً بعد إقراره”، وفق ما يوضحه المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الدكتور محمد كركي في حديثه لـ “اندبندنت عربية”، إذ إنه “لتطبيق القانون مسار طويل نسبياً، فهو لا ينفذ قبل صدور 10 مراسيم تطبيقية عن الحكومة بالاشتراك مع مجلس إدارة الضمان في مهل زمنية يحددها القانون تقارب السنتين، أما هذه المراسيم فتهدف إلى تحديد نسب الاشتراكات وكيفية توزيعها بين الأجير وصاحب العمل”.
لكن كركي عبر عن تفاؤله بهذا “الإنجاز الكبير الذي انطلقت المساعي إلى تحقيقه منذ تاريخ إنشاء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في عام 1965، وبذلت جهود جبارة لتحقيق هذا الهدف”، وأضاف أنه “لا يتوقع أن تكون هناك عراقيل أمام تطبيق النظام الجديد لأن ذلك من مصلحة الجميع، وبالتالي من المفترض أن يطبق بأسرع وقت ممكن، وأن تبذل الإدارات والجهات المعنية كافة الجهود اللازمة لتسريع هذه العملية بمواكبة حكومة تصريف الأعمال ومجلس النواب”.
وتابع كركي “تعتبر هذه أهم الخطوات الاجتماعية والاقتصادية التي كان من الممكن تحقيقها في السنوات الـ30 الأخيرة بالتعاون مع الجهات المعنية كافة، وبدعم من ’منظمة العمل الدولية‘ وبالاستناد إلى المعايير التي وضعتها للنظام ليكون بصيغة مقبولة. ويعتبر من أهم الإصلاحات التي اعتمدت لتأمين نظام الحماية الاجتماعية، على أمل ألا تطول الفترة حتى يطبق، خصوصاً أنه يناسب الأطراف المعنية كافة، وهي عملية رابحة للكل، فبفضله يتأمن المعاش التقاعدي للعامل وتصان حقوقه بعد التقاعد، كما يعفى أصحاب العمل من مبالغ التسوية التي كانت تشكل هاجساً لهم. يضاف إلى ذلك أن أصحاب العمل سيبدأون بالتصريح عن الأجور الحقيقية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ويسددون الاشتراك من دون تحمل مسؤولية تجاه الأجير كما في السابق، وبالتالي ليست العرقلة من مصلحة أحد”.
ومن المفترض أن تترافق هذه الخطوة مع إعادة هيكلة “الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”، كما يتوقع أن يحصل تغيير شامل لـ “مجلس إدارة الضمان” مع خفض عدد أعضائه من الخبراء، وإنشاء جهاز تنفيذي من الاختصاصيين لا تكون له علاقة بالإدارة. “كما سيساهم بإحداث تغيير في آليات عمل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وإدارته، فجزء من هذا المشروع هدفه المساعدة في خروج الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من الأزمة”، وفق ما أوضحه كركي، مؤكداً أن “الانتقال إلى هذا النظام له أهداف استراتيجية مهمة على المديين المتوسط والبعيد. ومن الممكن أن يحصل ذلك مع تصريح أصحاب العمل عن الأجور الحقيقية مما يساعد في زيادة مداخيل الضمان لإنقاذه” من الافلاس.
مساهمة بحسب الإمكانات والأجور
وشرح كركي أنه “إثر إقرار القانون والانتقال إلى نظام التقاعد، تزيد مساهمة أصحاب العمل لصالح صندوق التعويضات إلى 12 أو 13 في المئة، مع وضع سقف محدد لها. ومع تحديد السقف يمكن أن تنخفض نسبة المساهمة بالنسبة إلى بعضهم. أما الأجير فيسدد اشتراكاً أيضاً بنسب معينة يحددها، علماً أن النظام وضع بشكل يؤمن الحد الأدنى الذي تقبل به منظمة العمل الدولية، وصنف باعتباره أفضل بمعدل ثلاثة أو أربع مرات من نظام تعويض الصرف المعتمد حتى اللحظة، هذا إضافة إلى كونه يؤمن الضمان الصحي لمدى الحياة مع معاش التقاعد”.
بشكل أساسي، يعتبر المعاش التقاعدي إنجازاً مهماً للعمال، إذ أزال من طريقهم أيضاً العوائق المرتبطة بالانتقال من مجال عمل إلى آخر، فلم تعد هذه مشكلة بالنسبة إلى العامل على مستوى تعويض نهاية الخدمة. لذلك قد لا تقتصر أهمية إقرار القانون على البعد الاجتماعي، بل يمكن أن يلعب دوراً في الحركة الاقتصادية، إضافة إلى أنه يحرر سوق العمل فيما يتيح الانتقال بحرية من مركز عمل إلى آخر من دون عوائق.
آلية التطبيق
من جهة أخرى يطبق نظام المعاش التقاعدي على الشرائح والفئات كافة من العمال بمن فيها من هم خارج لبنان، وهذا النظام الجديد يخص أية مهنة في لبنان وكل من لديه مردود من مجال عمل أياً كان نوعه. ومن الممكن الانضمام إليه اختيارياً حفاظاً على مصدر دخل بعد بلوغ سن التقاعد أي سن 64 سنة. هذا على أن يحتسب المعاش التقاعدي ويحدد وفق أربعة شطور محددة وبنسب معينة بحسب راتب الأجير، فيزيد المعاش التقاعدي تلقائياً أو ينخفض بحسب المدخول والمساهمة في الصندوق. مع الإشارة إلى أن النظام وضع بالاستناد إلى الحد الأدنى للأجور وانطلاقاً منه، لضمان معاش تقاعدي مقبول، خصوصاً أن تعويضات نهاية الخدمة بحسب النظام الحالي، وفي ظل الأزمة، لم تعد تساوي شيئاً. وبالتالي لا يمكن الاشتراك بمعدل أقل من الحد الأدنى للأجور ليحصل المواطن على معاش تقاعدي لائق يلبي على الأقل حاجاته الأساسية بعد بلوغه سن التقاعد، وفي ظل تطبيق نظام المعاش التقاعدي، لن يعود من الممكن للأجير سحب التعويض الخاص به قبل بلوغه سن التقاعد.
ومع إقراره بالشكل الحالي أزيلت عقبة السنوات الـ30 لاحتساب النسبة الأعلى من الراتب، التي كان هناك اعتراض عليها من المعنيين سابقاً، إذ يزيد المعاش التقاعدي بطريقة تصاعدية بحسب عدد سنوات الخدمة بما أنه لا يمكن أن يتقاضى من عمل 40 سنة، المعاش التقاعدي نفسه الذي يناله من عمل 30 سنة.
من ناحية ثانية يشير كركي إلى “نظام البطالة الذي يجري البحث فيه الذي طال انتظاره أيضاً، على أمل أن يبصر النور قريباً خصوصاً أن نظام إدارته أسهل وأجريت الدراسات عليه. وعلى أساسه يمكن أن يستفيد المواطن اختيارياً من الضمان الصحي لفترة معينة ومن مردود منتظم، بانتظار أن يؤمن عملاً جديداً”.
مما لا شك فيه أن إقرار قانون إنشاء نظام التقاعد يعتبر خطوة مهمة للبنان واللبنانيين، وأنجزت بالاستناد إلى نماذج مطبقة في عديد من الدول، لكن من الواضح أنه بعد انتظار 20 عاماً على إقراره، سيكون على المواطن أن ينتظر عامين في الأقل حتى يطبق، هذا إذا لم تظهر عراقيل غير متوقعة تمنع تنفيذه وفق المعايير التي وضعت.