تحفل وسائل الإعلام الممولة أو المقربة من إيران بمئات المقالات المنتقاة من وسائل الإعلام الإسرائيلية. على قاعدة النظر بعين واحدة يحصل الانتقاء، فالهدف ليس توسيع الآفاق والتثقيف، بل تعزيز مقولات “محور الممانعة” والإضاءة على تخبط إسرائيل ووهنها خصوصاً في المجالات العسكرية والمجتمعية والاقتصادية وهشاشة بنيتها السياسية بشكل عام. إنها “بروباغندا” مستقاة من عبارة وردت قديماً في الإنجيل وتقول “من فمك أدينك أيها العبد الشرير”.
لكن هذا المسلك الممنهج في أغلب وسائل إعلام “الممانعة”، يحمل قلة احترام لعقول جمهورها. ففي إسرائيل أكثر من فم ولسان، وفي الصحيفة ذاتها التي استلت منها المقالة التي تفضح “العدو”، ثمة مقالات ومعلومات تروي الجانب الآخر من الرواية أو الحدث. ولا ينبغي التقليل من أزمة الإعلام الإسرائيلي الذي مهما بحث في إعلام “الممانعة” فسيخرج خالي الوفاض من مقالات فيها ولو الحد الأدنى من النقد الذاتي في الحرب المظفرة التي تقودها إيران بلا شوائب وعثرات منذ ثورة عام 1979.
في المقابل لا ترتدع “الممانعة”، حتى لو كان هامش التلاعب الإعلامي ضيقاً، كما حصل بعد ضربة الصواريخ والمسيرات الإيرانية ليل السبت الماضي، فمن بين مئات التحليلات في إسرائيل تلقف إعلام “الممانعة” خبراً من “يديعوت أحرونوت” مفاده “أن وابل النيران الإيراني الذي يهدف إلى إلحاق ضرر استراتيجي بالقدرات الجوية والاستخباراتية للجيش الإسرائيلي يشير إلى أن إيران مقتنعة بأن إسرائيل قد ضعفت عسكرياً ومدنياً، وأن إيران تعززت عسكرياً إلى حد يمكنها من الدخول في معركة مباشرة”.
المشكلة أن جمهور الممانعة المراد استلاب عقله، تابع بأم العين مسار تلك المسيرات والصواريخ ومصيرها، وشهد أن أضرارها اقتصرت على جرح فتاة عربية من “بدو النقب” وعلى ضرر طفيف في منشآت قاعدة “نيفاتيم” الجوية، هذا المشهد “على الهواء” لم يمنع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي من تأكيد نجاح عملية “الوعد الصادق” في معاقبة إسرائيل على فشلها بتحقيق أهدافها في غزة.
سبق أن أطلق اسم “الوعد الصادق” على “حرب تموز” التي تسبب بها “حزب الله” عام 2006، والتي انتهت بالقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن والذي نص على ابتعاد مسلحي “حزب الله” إلى ما وراء نهر الليطاني في جنوب لبنان. طبعاً لم تنضب جعبة الإيرانيين من الألقاب، وتكرارهم للقب “الوعد الصادق” بعد أن استعملته إحدى أذرعهم أي “حزب الله” قبل 18 سنة، يبطن رسالة، لن يتأخر “الممانعون” من تفسيرها وتفنيد الانتصارات المزدوجة للعمليتين.
ومهما تكاثرت النظريات فتشابه اللقبين لن يستطيع حجب التشابه في فشل العمليتين. على الجبهة اللبنانية يضغط المجتمع الدولي لتطبيق القرار 1701 الذي يعتبر نتيجة ملموسة لهزيمة “حزب الله” عام 2006، ونجاحه الوحيد كان تملصه من التزام بنود ذلك القرار. بعد “حرب تموز” اعترف حسن نصرالله، أنه لم يتوقع هذا الرد العنيف من إسرائيل على حادثة قتل خمسة من جنودها. ومفاجأة 2006 تقابلها اليوم تهديدات إسرائيلية وإنذارات دولية لا تترك مجالاً للتكهن بالنتائج المدمرة إذا تمادى “حزب الله” في مناوشاته العبثية. هل من “وعد صادق” ثالث على الجبهة اللبنانية إذا بدأت إسرائيل بتنفيذ وعيدها، أم ستتفتق القريحة وتبدع لقباً جديداً للهزيمة؟