هذه المواقف السياسية تُرجمت في البيان الختامي للقاء الدوحة الخماسي، حيث تكشّفت حقيقة الموقف السعودي الذي لا يزال متشدّداً في الشكل والمضمون. ومن جهة ثانية، انطلقت حملة قوى 8 آذار ومفادها تخلّي السعودية عن حلفائها اللبنانيين، وعلى رأسهم «القوات اللبنانية»، خصوصاً بعد الإتفاق السعودي – الإيراني.
إرتسم المشهد السياسي اللبناني واتّخذ شكله الحالي، فمن جهة هناك محور «الممانعة» بقيادة «حزب الله» وتواجهه «القوات اللبنانية» والحلفاء السياديون والمستقلّون، ومن الطبيعي ممارسة أقسى درجات الضغط بين المتنافسين. وحاولت شخصيات من 8 آذار الترويج لفكرة تردّي العلاقة بين الرياض ومعراب.
أُصيبت الرياض بنكسة كبيرة على الساحة اللبنانية، فهي كانت الداعم الأول للبنان من 1990 إلى 2009، وخاضت أقسى المعارك لتثبيت الوضع الاقتصادي، والسيادي بعد الـ2005، وإذا انتكست العلاقة بين الرياض وأطراف سنّية حليفة لها، إلا أنها حافظت على جدّيتها وصلابتها مع «القوات اللبنانية» كقوة سياسية معارضة، ومع بكركي كمرجعية روحية وطنية.
وتنفي معراب كل حديث عن تردّي العلاقة مع الرياض وتعتبره اصطياداً في الماء العكر، فـ»القوات» في أفضل علاقة مع المملكة، وهذه العلاقة لم تتبدّل منذ سنوات.
وفي الميزان السياسي والموضوعي يجب مقاربة تعامل الرياض مع الملف الرئاسي، فـ»القوات» ترفض وصول مرشح «حزب الله» إلى بعبدا، فأتى الموقف السعودي ليضع الطابة في ملعب «القوات» ويترك الأمر لها رئاسياً في خطوة تدلّ على عدم التدخّل في الشؤون اللبنانية وعلى إعطاء قيمة لحلفائها وعدم الضغط عليهم.
وإذا كانت حدّة نبرة الموقف السعودي تبدّلت بعض الشيء، فلا بدّ من الأخذ في الاعتبار التفاهم السعودي- الإيراني وأولويات الرياض الكبرى في المنطقة، ما جعل الأولويات تختلف مع العمل على رؤية 2030 وتراجع الاهتمام بالملف اللبناني، لكن هذا الأمر ليس لديه دخل بعلاقتها بـ»القوات».
لدى الرياض اقتناع بأنّ الوضع اللبناني ميؤوس منه، وقد اختار الشعب ممثليه وعليه تحمّل نتائج هذا الاختيار، لذلك لم تعد هناك «شيكات على بياض»، وهذا الأمر ينعكس حكماً على القوى السياسية، وآخر دعم مالي كبير كان عام 2009، وبعدها توقفت الرياض عن الدفع وخرجت بشكل شبه تام، معتبرةً أنّ الوضع اللبناني يذهب نحو الأسوأ.
كسبت معراب الرهان على الموقف السعودي، وتعتبر أن الرياض لم تخذلها رئاسياً ولم تدخل في مساومة مع محور «الممانعة» على الرغم من إبرام الإتفاق السعودي – الإيراني، وهذا الأمر أكثر ما يهمّ «القوات». وإذا كانت الاستراتيجية واحدة في الملفات الكبرى بين الرياض ومعراب، فالتفاصيل تبقى غير مهمة.
لا يمكن لأحد القفز فوق حجم «القوات» وتمثيلها الأول للمسيحيين وقيادتها المعارضةَ، في حين أثبتت التجارب عدم قدرة البلد على الاستمرار بالشكل الطبيعي من دون مساعدة العرب وعلى رأسهم السعودية، وبالتالي لن تحصل أي ليونة في الموقف القواتي تجاه الاستحقاق الرئاسي ما يدلّ على فشل محور «الممانعة» في إيصال مرشحه ونسف كل الحظوظ المتبقّية في ظلّ الموازين التي تحكم الداخل والتوازنات الإقليمية والدولية.