صدى الارز

كل الأخبار
مشاهدة متواصلة
إستطلاع
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast
إشتركوا في نشرتنا

الصندوق الأسود لـ “تيك توك”.. إذلال واستغلال جنسي

“لن يكون موقفك نفسه من رمي الطحين على رأسك أو مسح وجهك بالقهوة أمام آلاف المتابعين، إن لم يكن ذلك سيعود عليك بألف دولار في ساعة واحدة”، يقول علي حمود، “تيك توكر” من لبنان، تعليقا على التحديات “المذلة” المنتشرة على تطبيق “تيك توك مقابل أرباح مالية.

وتهدف هذه التحديات التي تستخدم خاصية البث المباشر إلى جمع النقاط والمشاهدات عبر أسلوب حماسي وتنافسي يدفع المشاهدين للمشاركة وإرسال “الهدايا” كنوع من الدعم للمتنافسين، وفي نهاية المدة المحددة للجولة، وعادة ما تكون 5 دقائق، يفوز صاحب الرصيد الأعلى من النقاط، ويأتي وقت الحكم على الخاسر.

“انبح مثل الكلب، قم بالدوران حول نفسك وقل إني معلمك وتاج راسك، أفرغ كيس نفايات المنزل على نفسك، اخلع ملابسك، قل أنك عبد لي، ضع بصل في عينيك، ضع شامبو في فمك، اسكب الماء على جسدك، اربط نفسك، أغلق فمك بشريط لاصق”، وغيرها الكثير من الأوامر التي لا تتوقف عند حد معين، وتتخذ في كثير من الأحيان اتجاهات أكثر تطرفاً.

“الأحكام” جزء لا يتجزأ من اللعبة، بل هو الجزء الأهم منها، وفق ما يؤكد جميع “التيك توكرز” الذين تحدثوا إلى موقع “الحرة”، حيث يصدر الفائز على الخاسر 3 اقتراحات لأحكام معينة عليه اختيار واحد منها، عادة ما تنطوي على القيام بأمور غير مرغوب بها أو ذات طابع مهين أو مثير للسخرية، وكلما كان الحكم أكثر إذلالاً كلما ازداد التفاعل والدعم مع البث المباشر، “فالداعمين يحبون الإذلال” وفق ما تقول نجمة، وهي شابة لبنانية ناشطة على “تيك توك”.

والداعمون في هذه اللعبة هم عبارة عن أفراد متمولين إلى حد يسمح لهم بشراء الهدايا بأسعار باهظة من التطبيق وإرسالها إلى مستخدمين بهدف دعمهم في تحديات البث المباشر وتالياً دعمهم مالياً، ولكل منهم غاياته وشروطه الخاصة الكامنة خلف دعمه.

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

يبدأ الدعم من وردة لا تصل قيمتها إلى سنت واحد وصولاً إلى “الأسد والحوت والكون” التي توازي مئات وآلاف الدولارات، وهي هدايا تتحول إلى ما يشبه العملة على شكل نقاط (ماسات) يمكن في النهاية إعادة تسييلها إلى نقود، وبالدولار، يصل للمستخدم 50 في المئة منها، في حين يتقاضى التطبيق النصف الآخر.

بث مباشر قد يغير حياتك

وعليه فإن بثاً مباشراً واحداً في اليوم بإمكانه، بحسب علي، أن يقلب حياة الشخص رأساً على عقب، فيجعله مشهوراً وغنياً، أو يحوله إلى مادة للسخرية والتنمر.

وفي كثير من الأحيان قد يتعرض “التيك توكر” للأمرين معاً، فتعرضه للتنمر والسخرية والإذلال قد تكون سبباً في شهرته على التطبيق، ومصدراً لمبالغ طائلة من الأموال، ما كان يحلم بها، وهو ما حصل مع عصام صالح، المعروف بـ “الجوكر”.

عصام يعشق الشهرة، ولطالما كانت حلما بعيد المنال يرافقه من طفولته، وفق ما يقول، وكانت فرصته الذهبية خلال ما بات يعرف بـ”ثورة تشرين” في لبنان عام 2019، حين استغل التغطية الإعلامية الواسعة للأحداث وفرض نفسه شخصية فكاهية بارزة تتنقل من كاميرا إلى أخرى، حيث اشتهر بظهوره الدائم في الخلفية.

جاء انتشار تطبيق “تيك توك”، فرصة أمام عصام لاستثمار ما حققه من شهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأ بإنتاج محتوى كوميدي، أثار الكثير من الجدل بسبب مضمونه الذي وضعه في مواقف اعتبرها البعض محرجة أو مذلة في كثير من الأحيان.

سريعاً وجد عصام نفسه منسجما مع تحديات “تيك توك” وجولاته وأحكامه، وجاذب كبير للداعمين فيه، ما جعله يحقق أرباحاً مالية مكنته من التوقف عن عمله في تنظيف المنازل، والتمتع برفاهية مالية سمحت له باختبار نمط جديد من الحياة.

إلا أنه عاد مؤخرا إلى عمله السابق، بعدما تراجع مستوى دعمه، وخلال لقائنا معه كان عصام ينظف منزلا، وفي الوقت نفسه كان في بث مباشر بات يخوضه دون توقف على موقع “تيك توك”، ويوثق يومياته بكل تفاصيلها، أملا بتحصيل أكبر قدر ممكن من الأرباح المالية التي تراجعت بشكل كبير، وفق ما يؤكد.

ويعاني “الجوكر” اليوم من تداعيات نفسية كبيرة، تظهر في بثه المباشر أو المقابلات الإعلامية معه على شكل نوبات غضب وصراخ وبكاء مع عتب شديد ولوم على كل ما تسبب بخسارته المردود المالي الذي كان يحصله من “تيك توك”، أهمها خسارته المتكررة لحساباته الشخصية على التطبيق نتيجة عمليات قرصنة كانت تفقده في كل مرة أعداداً كبيرة من المتابعين، وتعيده إلى نقطة الصفر.

لا بد من الذل

في بث مباشر يتحدى أحد الداعمين عصام أن يحلق شعر رأسه وحاجبيه مقابل إرسال دعم كبير له. فعلها عصام، وذهب بفيديوهاته إلى مستوى أبعد من ذلك بكثير، بهدف الانتشار والشهرة، وعلى الرغم من كل الانتقادات التي واجهها، لا يزال يعتبر أن ما يفعله “عادي ومطلوب ولا يحمل أي إذلال”.

بالنسبة إليه “في هذه الأيام، ما عادت تهم الكرامة أمام المال، فيضطر الشخص للقيام بأمور لا يريدها لتسيير أموره”، ويؤكد أن معظم مستخدمي “تيك توك” يرون الأمر من هذا المنظار، “فإما يذلون أنفسهم على البث المباشر بالتحديات، أو يفعلون ذلك في أماكن الدردشة الخاصة، مقابل الدعم الذي يحصلون عليه.”

لا يتأثر عصام بحملات التنمر والسخرية التي يتعرض لها، بحسب ما يقول، فقد اعتاد التنمر منذ طفولته وما عاد يؤثر به، وبرأيه فإن الناس سيتحدثون بكل الأحوال لكنهم لن يطعموه، “أما تيك توك، فقد سمح لي بتناول أطعمة ما كنت أحلم أن أتناولها يوماً.”

الجميع متفق على أن “الإذلال ضرورة لتحصيل الأموال” على تيك توك. وبحسب عصام فإن الدعم المالي على التطبيق يذهب باتجاهين لا ثالث لهما، فإما جولات التحدي والإذلال، أو لأغراض جنسية واستغلال وطلب إرسال صور ومقاطع شخصية إباحية.

تعكس جولات “تيك توك” الوضع النفسي لدى الأشخاص، بحسب عصام، الذي يستغرب كيف يدفع الداعون أموالاً طائلة لمشاهدة شابة أو فتاة ينفذون أحكاماً مذلة، رغم أنهم لا يعرفونهم إلا منذ 5 دقائق، “لا أستطيع فهم اللذة التي يشعرون بها”، مضيفا أن هناك داعمين ينتظرون مشاركته في الجولات فيدخلون لدعم المنافسين له فقط من أجل إذلاله.

ويلاحظ “الجوكر” أنه حين يشارك بأحكام مذلة وصارمة، يصله دعم أكبر بكثير مما يصل حين يكون في بث مباشر لوحده أو في دردشة دون أحكام، “لذا يتعمد في كثير من الأحيان لبس ثياب غريبة والقيام بأمور غير مألوفة ووضع نفسي في مواقف محرجة لأن هذا ما سيعود علي بالأرباح.”

يمثل حسن رعد نموذجاً آخر من “التيك توكرز”، فهو يعتمد في تحصيل الأموال على إنتاج المحتوى وتحصيل الانتشار والشهرة التي تعود عليه بمشاريع أعمال ودعايات تشكل مردوده المالي الناتج عن “تيك توك”، لكنه لا يدخل ألعاب التحديات والأحكام، وبالتالي لا تنتج أرباحه عن الهدايا.

مع ذلك يؤكد في حديثه لموقع “الحرة” أن طريقه على “تيك توك” هو الأصعب، فالمحتوى الجدي يحقق انتشارا لكن لا يحقق أموالاً، حتى أن التطبيق نفسه بنظام عمله، لا يعزز فرص صانعي المحتوى في تحصيل الأموال عبره، بقدر ما يدعم ويساعد في ترويج البث المباشر والتحديات، التي من شأنها أن تدر أرباحاً خيالية، ولكن مقابل التخلي عن كثير من الموانع والمبادئ والكرامة الشخصية.

وفي بلاد تشهد أزمات اقتصادية وانهيار للعملة المحلية مقابل الدولار، كما هو الحال في دول عربية عدة من بينها لبنان، ويعاني سكانها من أزمات معيشية وتراجع لفرص العمل وازدياد في نسب الفقر، وبحث هستيري عن مصدر للدولار، يمثل تطبيق “تيك توك” مع ما يتيحه، فرصة للكثيرين من أجل التغلب على واقعهم، ما يعزز من تطبيع تلك الممارسات التي تبررها الحاجة المادية ويهونها الانخراط الجماعي في التجربة.

لا دعم من دون مقابل

يشير علي إلى أن الكثيرين ممن يعرفهم تختلف شخصيتهم وسلوكهم تماماً عند حضور “الداعم” إلى بثهم المباشر، فيعدلون من جلستهم ليظهروا مفاتنهم تشجيعا وإرضاءً له، أو يبالغون بالترحيب والتهليل والتملق إلى حد يقارب التسول العلني.

أمر تؤكد عليه نجمة أيضاً في سياق استغرابها من أشخاص يمثلون كل ما يفعلونه على “تيك توك” من إذلال أو خضوع أو تملق، فيما شخصياتهم الواقعية مختلفة تماماً.

من أبرز عناصر تدفق الأموال على جولات البث المباشر، هو دخول الداعمين في تحديات بين بعضهم البعض، يكون فيها اللاعبون مجرد أدوات منفذة بين أيديهم، وفق حسن.  حتى أنه في كثير من الأحيان يرسل الداعمون للاعب الأحكام التي يريدون فرضها على المنافس، بحسب علي، ففي النهاية هم من يدفعون الأموال، فيما تزداد الأمور تشويقاً وأرباحاً عندما يدخل عنصر الاستعراض بين الداعمين.

وفي كثير من الأحيان يجري الاتفاق بين “التيك توكرز” المتنافسين بشكل مسبق على مجريات البث المباشر من خلال رفع الحماسة وتشديد الأحكام من أجل جذب الداعمين وإدخالهم على خط المنافسة عبر إثارة شفقتهم أو استفزازهم من أجل تحصيل هداياهم.

لكن شروط الدعم ومتطلباته لا تتوقف عند هذا الحد، فعلى مقلب آخر من “تيك توك” تقبع فئة ثانية لا يهمها كل ما يجري بالبث المباشر والتحديات والأحكام، فهؤلاء لديهم متطلبات من نوع آخر، غالبا ذات طابع جنسي، تتراوح ما بين صور شخصية عارية أو مقاطع فيديو، وطلب التواصل الخاص عبر الفيديو وصولاً إلى اشتراط ممارسة الجنس عبر الإنترنت أو حتى واقعياً، مقابل الدعم بمبالغ كبيرة أو حتى “رعاية الحساب” أي الدعم اليومي المستمر، وهو ما بات يمثل سيناريو مغرٍ للكثيرين.

ويفسر هذا الأمر اتجاه الداعمين بصورة عامة إلى اعتماد أسماء وهمية وغامضة لا تكشف هويتهم الحقيقية، خاصة لناحية الباحثين عن مطالب جنسية، وفق ما تؤكد نجمة، لكيلا يتعرضون للابتزاز بالمقابل، وكثير منهم عند كشف هويتهم يغلقون حساباتهم أو يبدلونها بأسماء جديدة.

نساء ورجال ومراهقون، الجميع يخضعون للعرض والطلب، وفق ما يؤكد رواد التطبيق، حيث تؤكد نجمة أن علاقة الداعمين بالمدعومين تنطوي على كثير من الاستغلال الجنسي الناجم عن قدرة الداعمين على تأمين مبالغ ضخمة من الأموال التي يسعى رواد التطبيق لتحصيلها بأي ثمن، وهو ما جعل المنحى الجنسي والتسليع يسيطر على “تيك توك”.

استغلال وابتزاز

مع أن هناك نسب كبيرة من المنخرطين في هذه الممارسات، تشير الشابة اللبنانية إلى أن قلة قليلة جداً مستعدين للبوح عن هذا الأمر والحديث بشأنه. وتضيف أنه وبينما هناك داعمين يسعون للحصول على مقابل جنسي لمتعتهم الخاصة، فإن قسما آخر يمتهن الابتزاز على التطبيق من خلال الاحتيال والتوريط.

صديقة نجمة تعرضت لهذا النوع من الابتزاز بعدما “أخطأت وأرسلت صور عارية لأحد الأشخاص خارج لبنان”، حيث بات يهددها بنشر الصور وإرسالهم إلى أهلها في حال لم تلب طلباته الأخرى وترسل مزيدا من الصور والفيديوهات، ووصل الأمر إلى حد مشاطرتها أرباحها وإلزامها بإرسال مبالغ مالية له، حيث عاشت الفتاة معاناة نفسية وعائلية كبيرة حتى تخلصت من الابتزاز.

ولكن في الوقت نفسه، قد لا يصح التعميم بصورة كاملة على الداعمين، فقلة منهم بحسب نجمة، لا يطلبون أي مقابل ولا يردون على رسائل الشكر، يدعمون ويرحلون دون أي مطالب.

بالتوازي بات هناك “تيك توكرز” يلعبون بدورهم على الداعمين، فيوهمونهم بأنهم موافقين على مطالبهم مقابل الدعم، وعندما يحصلون على الهدايا إما أن يتهربوا من الالتزام أو انهم يقومون بإرسال صور مزيفة مسحوبة عن الإنترنت أو تعود لأشخاص آخرين ليتجنبوا الابتزاز ويحصلوا على الأموال بحسب ما يؤكد كل من علي ونجمة، التي ترى أن التيكتوكرز “باتوا أكثر وعياً لهذه الأمور، باستثناء صغار السن حديثي النشاط على التطبيق الذين لا يعرفون عن هذه الأمور وتبعاتها.”

يؤكد علي أن الشبان والشابات أصبحوا عرضة للاستغلال الجنسي، وقد واجه شخصياً كثير من المحاولات من هذا النوع، حيث يدخل داعمون على بثه المباشر ويرسلون إليه هدايا قيمة، ثم يتوجهون إليه برسائل خاصة تنطوي على تحرش يطلبون فيها صوراً أو اتصال فيديو، واعدين باستمرار الدعم في حال تنفيذ تلك المطالب.

ويضيف أن هناك أشخاصا كثر يذهبون باللعبة حتى النهاية حيث يستجيبون لكل الطلبات وإن كان طابعها جنسي، لا يهمهم إلا الحصول على المال، فلا يعبرون عن أي نوع من الندم أو الشعور بالذنب أو تدني احترام الذات، خاصة أن الفائدة والعوائد المادية مضمونة ومن شأنها أن تزيل أي شعور بالعار أو غيره من سلبيات قد تتأتى عما قد يفعلونه.

ويلفت معظم من تحدث إليهم موقع “الحرة” إلى وجود تطبيقات جديدة يجري الترويج لها، ويتم اصطياد روادها عبر تيك توك من خلال عرض نسب أرباح أكبر عليهم، فيما تتخذ الأمور على تلك التطبيقات طابعاً جنسياً واستغلالياً بشكل أكثر وضوحاً ويتركز فيها تواجد الداعمين الساعين لتلك الغايات.

وتظهر إحصاءات القوى الأمنية في لبنان ارتفاعاً كبيراً وخطيراً بأعداد شكاوى الابتزاز الجنسي، حيثُ تلقّت 200 شكوى في العام 2019، و815 شكوى عام 2020، بزيادةٍ نسبتها 307,50 في المئة وفق بيان سابق لقوى الأمن، فيما سجل العام 2021، 804 حالات.

يذكر أن هذه الأرقام تعتمد فقط على ما يصل للقوى الأمنية من بلاغات، ولا تعكس حجم انتشار ظاهرة الابتزاز التي غالباً ما يجري التستر فيها وتجنب التبليغ عنها خوفاً من التداعيات، ما يشير إلى أن الأرقام الفعلية أكبر بكثير.

وبحسب مصدر أمني في قوى الأمن الداخلي اللبناني، أصبح يسجل شكاوى وبلاغات تتعلق بالابتزاز الإلكتروني بصورة يومية في لبنان، حيث يعتبر الابتزاز من أكثر الجرائم رواجاً في هذه الفترة.

وعليه تجدد القوى الأمنية مطالبتها للمواطنين اللبنانيين بصورة دورية، “عدم أخذ صورٍ فوتوغرافية أو تصوير أنفسهم عبر الفيديو بشكلٍ غير لائق تحت أي ظرفٍ، أو قبول دعوة أشخاص أو حساباتٍ مجهولة”، كما تدعو لعدم الخضوع لطلبات المبتزّين، والإبلاغ فوراً عن هذه الحالات .

حين لا ينفع الندم

لكن ما يغيب عن بال الكثيرين خلال انخراطهم بصيحات “تيك توك” وتحدياته وأحكامه، أن كل ما ينشر عليه اليوم سيبقى موجوداً على شبكة الإنترنت إلى الأبد، فيما سيكونون هم في مواقع وظروف وذهنية مختلفة عما هي عليه اليوم، الأمر الذي قد يعرضهم لتداعيات سلبية كبيرة على حياتهم وصورتهم وسلامتهم النفسية، خاصة حين يكونون عرضة للسخرية والتنمر أو الابتزاز الجنسي.

في هذا السياق، تذكر منظمة “سميكس” المعنية بالدفاع عن الحقوق الرقمية والأمن الإلكتروني للمستخدمين، أن أي شيء يتم نشره عبر الإنترنت، بما في ذلك البث المباشر، يمكن أن يخلق بصمة رقمية دائمة قد يكون من الصعب أو حتى المستحيل محوها. هذا يعني أنه يجب على المراهقين والشباب التفكير مليًا قبل مشاركة أي محتوى، “فقد يعود الأمر ليطاردهم في المستقبل”.

وفي حديث لموقع “الحرة” تشير المنظمة إلى أن الخصوصية غير مضمونة عبر الإنترنت، بمجرد نشر شيء ما، يصبح خارج نطاق سيطرة الناشر، ويمكن لأي شخص مشاركته أو الوصول إليه، وهو أمر من المهم وضعه في الاعتبار عند استخدام منصات مثل “تيك توك”.

في مقابل ذلك، تلفت المعالجة النفسية في معهد “براين ستايشن”، نور عيد، إلى أن مستخدمي هذه التطبيقات اليوم ينظرون إلى المستقبل بطريقة جداً إيجابية حيث يرون أن هذا الفيديو أو البث المباشر سيحمل لهم نجاحاً كبيراً وشهرة عالمية، بهذه الحماسة ومع التشجيع من حولهم ينسون السلبيات المترتبة عن هذا السلوك.

وبالتالي لا يفكرون بأن نظرتهم للأمور قد تتغير فيما بعد، وهو ما يحصل في الحقيقة أننا كبشر تتغير شخصيتنا وأفكارنا ومبادئنا مع الوقت وتتبدل المفاهيم لاسيما خلال الانتقال بالمراحل العمرية، فلا يأخذون بعين الاعتبار أن ما يفعلونه اليوم قد يندمون عليه غداً.

وتضيف عيد أن الإنسان مبرمج ليكون بحالة تطور وتغيير مستمر، لذا فإن لدى كل إنسان أمورا فعلها في الماضي يندم عليها اليوم، وهذا أمر طبيعي جداً، “ولكن هذا الأمر لا يكون بالسهولة نفسها لدى الجميع، خاصة بحالة ما يجري اليوم على تيك توك.”

في هذه الحالة سيكون هناك كثير من الفيديوهات يندم أصحابها عليها، ويريدونها أن تختفي كلياً من ذاكرة الناس، ولكن سيكون الأمر صعباً جداً.

وتوضح المعالجة النفسية أن مشاعر الندم من أصعب ما يواجه الإنسان، حيث يمكن أن تودي به إلى الكثير من المشاكل النفسية ومنها الاكتئاب نتيجة استمرار ندمه على ما حصل في الماضي، فيلوم نفسه ويشعر بتأنيب ضمير، ويتمنى لو أنه لم يفعل ذلك.

ويمكن لهذا الندم أن يدفع بصاحبه ليعاني مع مشاعر القلق، لاسيما القلق من المستقبل، أن يعود وينتشر مثلاً الفيديو مرة جديدة، وفي أوقات غير مناسبة لمعايير وظروف حياة الشخص، “يفكر ماذا لو شاهد أولادي هذا الفيديو مثلاً؟ كيف سينظرون إلي؟”

كل هذه المخاوف قد تعزز أيضا، بحسب عيد، ميولا انتحارية لدى أصحابها وترفع احتماليات إقدامهم على ذلك، نتيجة ما يتعرضون له من تنمر.

كما تزيد من شعورهم بالخجل الذي قد يصل بهم إلى الانعزال الاجتماعي، وهو ما بات يظهر على كثير من الأشخاص المعروفين بأنهم من المشاهير على “تيك توك”، حيث يعجزون عن الاندماج بالمجتمع الواقعي، فنجدهم خجولين لا يتفاعلون مع الناس، لأنهم عفويين فقط خلف الشاشة، وقد تنتابهم مشاعر خجل مما يفعلونه في الفيديوهات.

ولمواجهة هذا النوع من التأثيرات النفسية تقدم المعالجة المتخصصة، نصائح من شأنها المساعدة في تخطي هذه المشاعر، أولها أن يسامح الإنسان نفسه على ما فعله.

بالدرجة الثانية أن يتقبل ما حصل ويتصالح معه ويفهم الخطأ الذي ارتكبه، وانطلاقاً من ذلك يمكن للإنسان أن يفهم أنه اليوم تغير وبات في مكان أفضل يختلف عما كان عليه في مرحلة نشره للفيديو، وهذا بحد ذاته أمر إيجابي.

ما سر الانخراط الجماعي؟

وفي معرض تفسيرها لظاهرة الإقبال الجماعي على مثل هذه الممارسات، تشرح عيد أن ذلك ناتج عن الرغبة في التماثل مع جميع المستخدمين الذين يقومون بالأمر نفسه، ما من شأنه أن يطبع السلوك الذي تقوم المجموعة به، فيقول الشخص لنفسه “لماذا أنا لا افعل ذلك طالما أن الجميع يفعل؟ هذا الأمر يشجع أكثر فأكثر على الانخراط بهذه السلوكيات.”

من ناحيتها تلفت منظمة “سميكس” إلى أنه تصميم خوارزمية “تيك توك” قائمة على الترويج للمحتوى الجذاب والشائع بين مستخدميها، “هذا يعني أنه من المرجح أن يوصى المستخدمون الآخرون على النظام الأساسي بمقاطع الفيديو ذات المشاهدات والإعجابات والمشاركات والتعليقات الأعلى.”

ولسوء الحظ، يمكن أن يؤدي ذلك، إلى شعور المستخدمين الآخرين بالضغط لإنشاء محتوى أكثر تطرفًا أو جذب الانتباه من أجل كسب المزيد من المشاهدات والمتابعين.

وعليه يمكن أن يؤدي هذا التحيز الخوارزمي تجاه المحتوى المتطرف، وفق “سميكس”، إلى الترويج للسلوك الضار والغبي، مثل الأعمال المثيرة الخطيرة أو السلوك غير المناسب أو الاستخدام المفرط للمخدرات والكحول، أو على سبيل المثال، قد يشعر بعض المستخدمين بأنهم مضطرون لأداء حركات أو مقالب خطيرة لجذب الانتباه واكتساب المزيد من المتابعين.

وتضيف المنظمة أنه وبينما اتخذت “تيك توك” خطوات لمعالجة بعض هذه المشكلات، مثل تنفيذ سياسات أكثر صرامة للإشراف على المحتوى وتوفير المزيد من الموارد للمستخدمين للإبلاغ عن السلوك غير اللائق، يظل التحيز الخوارزمي تجاه المحتوى المتطرف مصدر قلق بالغ.

وكانت الشركة المشغلة لتطبيق “تيك توك” قد أدرجت تحديثات جديدة على “إرشادات المجتمع” الخاصة بها، وفق ما أعلنت في مارس الماضي، وذلك بالتشاور مع أكثر من 100 منظمة حول العالم بما في ذلك الرابطة الدولية لمنع الانتحار، وعلى المستوى الإقليمي (الشرق الأوسط)، تعاونت المنصة مع المجلس الاستشاري للسلامة ومنظمة “سميكس”  بالإضافة إلى مجتمع “تيك توك”.

كما جمعت “تيك توك” كل القواعد والمعايير في مكان واحد ، وذلك حتى يتمكن صانعو المحتوى والباحثون من الحصول على المعلومات اللازمة حولها، وتنظم هذه الإرشادات والمعايير في مجموعة من الأقسام المختلفة تقدم فيها شرحاً موجزًا لما هو ممنوع في كل قسم.

وفي جولة للموقع “الحرة” على تلك الأقسام والإرشادات، تقول الشركة في القسم المتعلق بالاستغلال الجنسي أنها لا تسمح به وتمنع أي محتوى ينطوي على ذلك، بما في ذلك الأفعال الجنسية التي تتم بغير رضا، والإساءة الجنسية باستخدام الصور الفاضحة، والابتزاز الجنسي، والاعتداء الجسدي، والتحرش الجنسي.

الأمر نفسه بالنسبة إلى العري بما في ذلك إظهار الأعضاء التناسلية والأرداف المكشوفة وحلمات الصدر لدى السيدات والفتيات كما تعتبر أن الملابس الشفافة كليًا وجزئيًا ملابس غير ساترة، وتسمح باستثناءات إقليمية في مواقف محدودة، مثل العلاج الطبي أو الأغراض التعليمية أو كجزء من الممارسات المقبولة ثقافيًا.

كذلك تمنع سياسات “تيك توك” عروض الإغراء أو التلميحات بالنشاط الجنسي التي يقوم بها صغار السن، أو استخدام الروايات الجنسية الصريحة من قبل أي شخص، فضلاً عن الأنشطة أو الخدمات الجنسية، وتشمل الجنس والإثارة الجنسية والهوس الجنسي الخارج عن المألوف والبحث عن الخدمات الجنسية أو تقديمها، باستثناء محتوى الصحة الإنجابية والتربية الجنسية.

أما في الشق المتعلق بالتنمر والمضايقة، فإن الشركة تعلن أنها سوف تزيل أي محتوى يتضمن لغة أو سلوك ينتج عنه مضايقة أي شخص، أو تعرضه للإذلال، أو التهديد، أو التشهير. إضافة إلى المحتوى الذي ينتهك سياسات أخرى مثل التهديدات والكلام الذي يحض على الكراهية، فضلاً عن الأشكال الخطيرة من المضايقات.

وفيما يخص الأنشطة والتحديات الخطيرة، وإذ ترحب “تيك توك” بالتشارك الجماعي في توجهات المرح والإبداع، تعلن في الوقت نفسه أنها لا تسمح بعرض الأنشطة أو التحديات الخطيرة والترويج لها، وهذا يشمل التحديات المتهورة والألعاب والحيل والاستخدام غير المناسب للأدوات الخطرة وتناول المواد الضارة بصحة المرء أو الأنشطة المماثلة التي قد تؤدي إلى ضرر جسدي كبير، وفي سياق ذلك تدرج الشركة معلومات تحذيرية على هذا النوع من المحتوى، وتقيد المحتوى حسب الفئة العمرية، كما لا تؤهله للعرض في موجز “for you”.

وتقول الشركة أنها دائما ما تأخذ في الاعتبار الطرق العديدة التي قد يتسبب فيها المحتوى أو السلوكيات في إلحاق الضرر بالأفراد أو المجتمع. وهذا يشمل الأضرار الجسدية والنفسية والمالية والخصوصية والمجتمعية، لذا تنتهج سياسة تقييد المحتوى في هذه الحالات من أجل ضمان التوازن مع حرية التعبير.

توصيات ونصائح

بالإضافة إلى ذلك، تم استخدام البث المباشر أيضا للترويج للسلوك الغبي والضار، مثل التنمر عبر الإنترنت أو المضايقة أو الكلام الذي يحض على الكراهية، بحسب “سميكس”، هذا يمكن أن يخلق بيئة سامة حيث يشعر المستخدمون بعدم الأمان أو غير مرحب بهم، وخاصة الشباب والفئات الضعيفة الأخرى.

في هذا السياق تقدم المنظمة توصيات ونصائح للمستخدمين من شأنها أن تكون خطوات للاحتياط والوقاية من التأثيرات السلبية للمشاركة في البث المباشر وتحدياته على “تيك توك”:

– انتبه لمن يشاهد: قبل البث المباشر، ضع في اعتبارك ما إذا كنت تريد أن يتمكن الغرباء من المشاهدة والتعليق على البث الخاص بك. إذا لم يكن الأمر كذلك، فاضبط إعدادات الخصوصية ليقتصر الجمهور على الأصدقاء والمتابعين فقط.

– احتفظ ببياناتك الشخصية لنفسك: في حين أنه قد يكون من المغري مشاركة معلومات شخصية عنك أو عن مكان وجودك أثناء البث المباشر، فإن القيام بذلك يعرضك لخطر ملاحقتك أو إيذائك من قبل أفراد ضارين. بدلاً من ذلك، تجنب الكشف عن التفاصيل الشخصية وركز على المحتوى الذي تقدمه.

– راقب التعليقات واحظر أي أفراد ينشرون تعليقات مسيئة أو مزعجة: يمكن أن يجذب البث المباشر الانتباه غير المرغوب فيه من المتنمرين عبر الإنترنت، لذا من المهم مراقبة التعليقات وحظر الأشخاص غير المرغوب فيهم..

– حدد مدة زمنية للبث المباشر الخاص بك: سيكون لدى المحتالين المحتملين المزيد من الوقت لمعرفة المزيد عنك كلما طالت مدة بقائك على البث المباشر، لذا اجعل البث موجزا ومباشرا.

حسين طليس – الخبر من المصدر

تابعوا أخبارنا على Google-News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading