صدى الارز

كل الأخبار
مشاهدة متواصلة
إستطلاع
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast
إشتركوا في نشرتنا

“حلمي فك شيفرة الكلمات”.. قصة ريم مع الأميّة في لبنان

“أشعر بالقهر كلما وجدت نفسي عاجزة عن فك شيفرة الكلمات في حين يتمكن أشقائي من قراءتها بكل سهولة، إذ أبسطها يهزمني، في عصر أصبح فيه الأميّ هو من لا يستطيع التعامل مع التكنولوجيا وليس القراءة والكتابة”.. كلمات قالتها بغصة ريم الحاج محمد.

بصورة غير مباشرة كُتب على اللاجئة السورية أن تكون ضحية “تعليمية” للحرب في بلادها، فهي التي لم يتسن لها أن تطأ قدامها باحة مدرسة، تقتحم صفوفها وتجلس على مقاعدها، تسمع شرح المعلمة قبل أن تعود إلى المنزل لتحضير الدروس المطلوبة منها، اذ حتى هذا الحق البديهي حرّمت منه نتيجة ظروف لا يد لوالديها بها، كما تشدد والدتها “أم حسن” في حديث لموقع “الحرة”.

وجدت ابنة الـ 13 عاماً نفسها مسؤولة عن ترتيب المنزل والاعتناء بشقيقتها الصغرى التي تخشى عليها من أن تحرم هي الأخرى من أبسط القواعد التعليمية وبالتالي مواجهتها عند كبرها ذات مشكلتها، وتقول لموقع “الحرة”، “لا أريدها أن تجبر على المكوس في عصور مضت حين كان التعليم أمراً ثانوياً يقتصر على طبقات محددة، فنحن اليوم في زمن، الدراسة فيه تطورت والوصول إلى المعلومات بات أكثر سهولة على من يجيد القراءة والكتابة، اذ من خلال شاشة صغيرة يستطيع الإنسان الاطلاع على كل ما يريد لا بل حتى الحصول على الشهادة من أي جامعة في العالم، من دون اضطراره مغادرة منزله وليس فقط بلده”.

في الوقت الذي يدور فيه الجدل حول ضرورة اجراء الامتحانات الرسمية في لبنان من عدمه، كون المدارس الرسمية لم تتمكن من إكمال المناهج التعليمي نتيجة إضراب الأساتذة الذي استمر لأشهر، يحلم بعض الأطفال ومنهم ريم لو أن هذا الجدل يشملهم أيا تكن نتائجه.

يقارب عدد الأميين في العالم العربي من الـ 54 مليون شخص، بحسب ما كشفته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “ألكسو” في يناير الماضي خلال اليوم العربي لمحو الأمية، والتي أشارت إلى أن معدل الأمية في الدول العربية هو 27,1 في المئة مقارنة بـ 16 في المئة على مستوى العالم”، مشددة على أن عدد الأميين مرشح للارتفاع في ظل الأوضاع التعليمية المتردية والأزمات التي تمر منها المنطقة، إلى جانب النزاعات المسلحة التي تسببت إلى الآن في عدم التحاق قرابة 13,5 مليون طفل عربي بالتعليم النظامي.

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

وعلى الصعيد العالمي، لا يزال هناك بحسب اليونيسكو، 750 مليون نسمة على الأقل من الشباب والكبار يعجزون عن القراءة والكتابة، في حين أن 250 مليون طفل يفشلون في اكتساب مهارات القراءة والكتابة الأساسية، ويؤدي هذا الوضع إلى استبعاد الشباب والكبار ذوي المستوى العلمي المتدني وذوي المهارات المحدودة من المشاركة مشاركة كاملة في جماعاتهم ومجتمعاتهم.

“تخلّف عن الركب”

في عام 2017، هربت ريم مع والدتها واشقاؤها إلى لبنان، حينها كانت تبلغ من العمر خمس سنوات، تشرح ” أم حسن”، “كنا نسكن في حلب إلى حين تهّدم منزلنا بالقصف، فانتقلنا إلى جرابلس، ونتيجة سيطرة داعش على المنطقة سافر زوجي إلى لبنان، سجّلت أولادي الكبار في المدرسة، وعندما اطلعت على المنهاج صعقت بأنه يدور حول الطائرات الحربية والدبابات والأسلحة والسواطير، فتوقفت عن ارسالهم، وإذ بأحد عناصر التنظيم يطرق باب منزلي مستفسراً عن السبب، فأبلغته أني أقوم بهذه المهمة بنفسي، عندها أعطاني مهلة أسبوع لإعادتهم تحت تهديد أخذهم مني، وقبل أن يفعل ذلك توجهت وإياهم خلسة إلى لبنان”.

رغبت “أم حسن” بتسجيل أولادها في مدارس لبنان إلا أن الوضع المادي وخوف زوجها عليهم، لا سيما وأنه كان محروماً من رؤيتهم عبر الهاتف او معرفة اي من اخبارهم لنحو سنة ونصف السنة، نتيجة قطع داعش للإنترنت ووسائل الاتصال، لتمضي ريم أولى ثلاث سنوات من عمرها في لبنان من دون تعلّم حرف واحد، وعندما بلغت الثامنة سجلتها والدتها في دورة لمحو الأمية أقيمت في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين، إلا أنها لم تتمكن من تعلم سوى بعض الأحرف باللغتين العربية والإنكليزية، من دون أن تقوى كما تقول على جمعها لقراءة الكلمات.

المدارس الرسمية الابتدائية للأطفال اللاجئين في لبنان مجانية، لكن الزي المدرسي والكتب والقرطاسية وغيرها تقع على عاتق الأهل، عدا عن تكلفة وسائل النقل التي تشكّل احدى اهم العقبات لانتقال التلاميذ من وإلى المدرسة.

تشدد ريم على أنها كانت صغيرة جداً حين سجلتها والدتها في دورة لمحو الأمية، لكن لم تستفد كونها لم تكن تقدّر أهمية القراءة والكتابة، ومع الوقت بدأت تعي ذلك، خاصة كما تقول “حين ترسل صديقاتي لي رسائل مكتوبة عبر هاتف والدتي، فأضطر إلى الطلب منهن تسجيل رسالة صوتية لعدم قدرتي على القراءة، حيث عبّرن بداية عن استغرابهن، كذلك انزعج حين يتحدثن عما يحصل معهن على وسائل التواصل الاجتماعي، كوني لا أملك صفحة على أين منها نتيجة الأميّة التي تكبّلني”.

في أوّل حلقة نقاش أدارها أطفال، نُظمت خلال الدورة 52 لمجلس حقوق الإنسان المنعقد في جنيف بسويسرا، في مارس الماضي، والتي تناولت حقوق الطفل والبيئة الرقمية، قال مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك “نعلم تماماً أن عدد الأطفال والشباب المتصلين بالإنترنت اليوم أكبر من أي وقت مضى، سواء في المنزل أو في المدرسة، وهم الفئة العمرية الأكثر ترابطاً حول العالم.”

إلاّ أنّ هذا الترابط يبقى وقفاً على مكان الولادة، واعتبر تورك أنّ الفجوة الرقمية تعادل 2.2 مليار طفل وشاب دون سن 25 عاماً، الذين لا يمكنهم الوصول إلى الإنترنت في منازلهم، “هذا يعني أنهم تخلفوا عن الركب، وبقوا غير قادرين على الوصول إلى التعليم والتدريب، أو الأخبار والمعلومات التي قد تساهم في حماية صحتهم وسلامتهم وحقوقهم”.

أميّة على المقاعد المدرسية!

إصرار ريم على مجاراة محيطها بالقراءة والكتابة، دفع والدتها إلى التفكير بتوكيل معلمة إعطائها دروسا خصوصية في المنزل، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعانيها العائلة، حيث تعمل الوالدة في تنظيف المنازل لمساعدة زوجها في إعالة أولادها، لكن كما تشدد “أم حسن”، “لا يجب أن يقف سكننا في منطقة بعيدة عن مناطق تنظيم دورات مجانية لمحو الأمية دون إنهاء معاناة ابنتي وشعورها بالنقص”.

ينظم عدد من الجمعيات وناشطون، دورات محو أمية على مختلف الأراضي اللبنانية، منهم الناشط السوري الشيخ عبد الناصر العسلي، الذي لاحظ خلال تردده على مخيمات اللاجئين ومتابعة أوضاعهم أن “عدد الأطفال الذي لم ينالوا حقهم في التعليم كبير جداً وذلك لأسباب عدة منها، إهمال المنظمات الراعية لهذا الموضوع وعدم كفاية برامجها التعليمية كما أن المنهاج بسيط جدا لا يكفي لتوعية الطالب وتعليمه بالشكل الصحيح، إضافة إلى إهمال الأهل والوضع المعيشي المتردي الذي يرفع من نسبة عمالة الأطفال، أما أهم الأسباب فهو الحرب السورية ومفرزاتها”.

يضيف العسلي في حديث لموقع “الحرة”، “أصبحنا نجد طلابا في الصف الرابع والخامس وحتى السادس لا يجيدون القراءة والكتابة، وهذا أمر غير مستغرب، خاصة أن معظم أساتذة اللاجئين في الدوام المسائي يدرّسون الطلاب اللبنانيين في الدوام الصباحي، فكيف سيتمكنون من العطاء لما يزيد عن 12 ساعة”.

ولأن آلة العلوم كما يقول هي “القراءة والكتابة، حيث لا يمكن للإنسان معرفة التاريخ والجغرافيا والابداع في الفيزياء والكيمياء والتعرّف على حقوقه وواجباته إذا كان عاجزاً عن القراءة، لذلك رغبت وسلّة من الشباب والشابات المثقفين العاطلين عن العمل (يتراوح عددهم نحو العشرين شخصاً) في التطوع لتدريس الطلاب الذين حرموا من أدنى حقوقهم التعليمية مجاناً داخل المخيمات وفي مؤسسات تعليمية، والآن نحن بصدد إعداد دورة لتعليم 250 طفل، اللغتين العربية والإنكليزية، وذلك في عكار شمال لبنان حيث التسرب العلمي كبير جدا”.

أظهرت نتائج مسح توصلت إليها إدارة الإحصاء المركزي في لبنان، عام 2019، مؤشرات أساسية حول التعليم في هذا البلد، من أبرزها معدلات الالتحاق (للأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و24 سنة)، حيث بّينت النتائج اختلافاً في معدّل الالتحاق بين اللبنانيين وغير اللبنانيين، إذ بلغ المعدل 79.2% عند اللبنانيين مقابل 48.2% عند المقيمين غير اللبنانيين، وتبرز الفجوة الحاصلة في جميع المراحل وبخاصة عند الفئة العمرية 15-19 سنة.

كما توصل المسح إلى أن متوسط سنوات التعليم في لبنان تصل الى 11.6 سنة ويختلف هذا المعدل بين الأقضية، وقد “بلغ معدل الأمية 7.4٪ على المستوى الوطني للمقيمين بعمر 10 سنوات وما فوق، فيما سجل هذا المعدل 6.3% عند اللبنانيين مقابل 12.5% عند غير اللبنانيين، اما بالنسبة إلى معدل الأميّة حسب الجنس، فقد سجّل لدى النساء معدلاً أعلى من الرجال، حيث بلغ الضعفين على المستوى الوطني وكذلك في فئتي المقيمين من لبنانيين وغير لبنانيين”.

نحو طريق النور

تعاونت اليونيسف، بتمويل من حكومة المملكة المتحدة، مع وزارة التربية والتعليم العالي والمنظمات غير الحكومية المحلية، عام 2019، لإنشاء برنامج محو الأمية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عاما، غير القادرين على القراءة والكتابة، لتعليمهم “مهارات القراءة والحساب والأساسية في لبنان، لتوفير فرصة دخولهم إلى التعليم الرسمي”.

ريم تجزم أن قطار الحصول على شهادة مدرسية أو حتى جامعية لم يفتها بعد، معتبرة إياها “السلاح الوحيد لمواجهة غدر الزمن”، وعن الصعوبات التي يواجهها الأميون عادة خلال حياتهم، يشرح العسلي “تدني فرص العثور على وظيفة سواء في بلدهم أو خارجه، حيث إن معظمهم يجبرون على خوض غمار الأعمال النمطية كالزراعة، كذلك يواجهون معوقات خلال اتخاذهم قرار الارتباط، ففرص العثور على شريك لهم تكون سيئة، وإذا كان هناك تفاوتاً طبقياً تعليمياً بين الزوجين فإن العلاقة بينهما سيسودها الخلافات والأزمات، كما يتعرض الأميّ للغبن خلال عمليات البيع والشراء”.

يحيي العالم اليوم الدولي لمحو الأمية سنوياً منذ عام 1967، والغاية من هذا اليوم تتمثل بحسب الأمم المتحدة في تذكير الشعوب بأهمية محو الأمية باعتباره مسألة من مسائل الكرامة وحقوق الإنسان، وكذلك النهوض بخطة محو الأمية للمضي قدماً نحو مجتمعات مستدامة وأكثر إلماماً بمهارات القراءة والكتابة.

ولا تزال التحديات التي تواجه محو الأمية ماثلة بالرغم من التقدّم المُحرز، إذ لا يزال كما تشير المنظمة الأممية “ما لا يقل عن 771 مليون شخص من الشباب والكبار غير ملمّين بالمهارات الأساسية للقراءة والكتابة، حتى يومنا هذا”.

التعلم حق أممي يشدد العسلي، قائلاً “من واجبنا ألا نترك الأطفال للجهل والعمالة والزواج المبكر والمساوئ، فعندما نسمع عن سرقات وجرائم وفساد خلقي واداري في مجتمع ما يعني أن هناك جهل وأن التعليم لم يأت أكله”..

وعن الفترة التي يستغرقها الطفل لتعلم القراءة والكتابة باللغة العربية أجاب العسلي “خلال ثلاثة أشهر يمكنه أن يصبح مبدعاً في هذه اللغة، شرط أن يكون التعليم يومي او على الأقل أربعة أيام في الأسبوع لمدة ثلاث ساعات يومياً، فساعة واحدة أو ساعتين أسبوعياً غير كافية لمحو الأمية، بل على العكس الطولى في الزمن تنسي الطالب ما أخذه من معلومات”.

رغم كل المعوقات، ريم متفائلة بأنه لا بد من أن يأتي اليوم الذي تفك فيه شيفرة الكلمات، وتشدد ” لن أعيش حياة طبيعية ولن أنعم براحة نفسية حتى انتزع أبسط حقوقي كانسان، وأنا على يقين أني قادرة على ذلك، اذ حينها فقط سأنتصر على ظلمة الجهل وأبدأ طريقاً ينيره العلم”.

 

أسرار شبارو – الخبر من المصدر

تابعوا أخبارنا على Google-News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading