اليوم قانون الإعلام وُضع على نار حامية رغم التحفظات الكبيرة التي أثارتها حوله جهات إعلامية وحقوقية محلية وعالمية. توقيت يعتبره البعض مشبوهاً في غمرة الحرب على غزة وانشغال الإعلاميين بها، لكنه يأتي في سياق مسار طويل من محاولات الحد من الحريات والتشديد على الإعلاميين شهده لبنان في الفترة الأخيرة. من هنا جاءت صرخة الجسم الإعلامي ومعه العديد من المنظمات والمؤسسات التي تعنى بحرية التعبير المنضوية تحت لواء «تحالف حرية الرأي والتعبير» للضغط لمنع إقرار القانون بصيغته الحالية وإدخال التعديلات المطلوبة عليه.
تشوّهات في المسار
والد اقتراح القانون هو النائب السابق غسان مخيبر الذي بالتعاون مع مؤسسة مهارات، وضع بنوده وتقدم به الى لجنة الإعلام أولاً لتقوم بدراسته فأدخلت إليه تعديلات كانت أولى بوادر التشويه الذي أصابه لتحيله بعدها الى لجنة الإدارة والعدل. حينها رفض النائب مخيبر أن يتم إقرار القانون بمادة وحيدة بسبب ثغرات كثيرة برزت فيه نتيجة التعديلات. وهمد الحديث في مشروع القانون لسنوات طويلة نتيجة الظروف التي مرّ بها البلد والمجلس النيابي.
المؤسف، يقول النائب السابق مخيبر، «أنه رغم البطء والأخطاء التي سادت مشروع القانون كان هناك سكوت من الإعلام وعدم اهتمام جدي بما كان يناقش، ولو حصل هذا الاهتمام الذي نراه اليوم لربما لم تتراكم فيه الشواذات وتم إنجازه بسرعة أكبر، خصوصاً أنه لا يمس الإعلام فحسب بل الحريات بدرجة أولى. لجنة الإدارة والعدل قامت بمناقشته بعيداً عن المعنيين به الذين غاب صوتهم تماماً. فأنا مثلاً بعد خروجي من المجلس لم أدع يوماً لمناقشة الاقتراح الذي كنت انا من قدمه وهو أمر يعز علي جداً رغم كوني سئلت عن رأيي من قبل الاونسكو ووزير الإعلام الحالي لكنني سوف أتواصل مع وزير الإعلام لاستلم النسخة المطروحة حالياً».
«نية النص، كما تقدمنا به»، يؤكد مخيبر، «إلغاء التجريم وعقوبة السجن إلا في حال تكرار الجرم وكذلك منع التوقيف الاحتياطي في جرائم الرأي للجميع وليس للصحافيين فقط وتوضيح من هم العاملون في الحقل الإعلامي وإعادة صياغة عدد من الجرائم لتكون الدلائل الجرمية واضحة ولا تترك استنسابية، وكذلك طالبنا بتسريع المحاكمات عند حصول توقيف وغيرها من الأمور. لكن في خضم المسار المتعثر الذي يسير به اقتراح القانون تبقى النقطة الأبرز اليوم صحوة الجسم الإعلامي الذي يمكن أن يغير الواقع».
لم يُدعَ للمناقشة
وزير الإعلام زياد مكاري الذي تابع من كثب مشروع القانون وعمل على دراسته بالتعاون مع خبراء من الاونيسكو كانت له ملاحظات كثيرة حوله مع قناعة راسخة بوجوب تعديل مواد صارت بائتة لا تتناسب ومتطلبات العصر واعتماد معايير أكثر انفتاحاً مقبولة دولياً. هو مصر على القيام بدوره ومراسلة لجنة الإدارة والعدل لشرح ملاحظاته.
في حديث لـ»نداء الوطن» يشرح الوزير مكاري أن النسخة التي تتم دراستها اليوم نشرت بشفافية على موقع وزارة الإعلام حتى يتمكن الجميع من الاطلاع عليها وإبداء ملاحظاتهم حولها، وبالفعل وردت ملاحظات الى الوزارة تم الأخذ بأهمها. بعدها قامت الوزارة بإرسال ملاحظاتها حول القانون بعد أن تمت دراسته بعناية بالتعاون مع الأونيسكو. ولكن للاسف بدأت لجنة الادارة والعدل دراسة المشروع بسرعة ولم تأخذ بملاحظات وزارة الإعلام حتى أنه لم تتم دعوة الوزير لشرح الملاحظات وإبداء الرأي وهو أمر مستغرب جداً، رغم كون الوزير لا ينكر حق اللجنة البرلمانية بعدم دعوة الوزير.
يؤكد وزير الإعلام أن القانون كما هو مقترح اليوم يسير الى الوراء ولا يأخذ بالاعتبار التطورالمتسارع الحاصل في تكنولوجيا الإعلام. «المشاكل التي يعاني منها القطاع الإعلامي لا يحل الجزء الأكبر منها إلا بما اقترحناه من بنود. هدفنا الوصول الى قانون حديث يحمي الجسم الإعلامي والحريات ويحدد من هو الإعلامي وما هي المؤسسات الإعلامية ويفصل مواقع التواصل عن وسائل الإعلام. قانون يلغي عقوبة السجن على الصحافيين ويزيد الغرامات المالية على المؤسسات المخالفة، ويلغي محكمة المطبوعات التي لم تعد موجودة في القانون الدولي واستبدالها بمحكمة عادية… باختصار هو قانون مبني على مفاهيم متقدمة يحمي الصحافيين ويعطيهم الحرية الكاملة ليقوموا بدورهم».
قانون يسير عكس الزمن
الإعلامية إلسي مفرج منسقة تجمع نقابة الصحافة البديلة العضو في تحالف «حرية الرأي والتعبير» تشرح أنه حين قدم مشروع القانون في 2010 كان اقتراحاً جيداً نسبة الى المرحلة لكنه اليوم لم يعد كذلك لسببين أساسيين، اولاً لأن الاقتراح تشوه كلياً بسبب ما أدخل عليه من تعديلات، وثانياً لأنه اليوم صار بحاجة الى تطوير بسبب التسارع الهائل الذي حصل في المجال الإعلامي.
آخر نسخة سربت من المشروع تقول مفرج كانت في العام 2020، وتمت دعوتنا كتحالف من قبل الأونسكو لوضع ملاحظاتنا، فيما كان المعنيون في الأونسكو وبالتعاون مع خبير كندي يضعون ملاحظاتهم التي كانت لنا أيضاً ملاحظات عليها. وفي الاجتماع الثاني تم العمل مع وزارة الإعلام التي وضعت ملاحظاتها وتقدمت بها الى لجنة الإدارة والعدل. وكنا نجتمع مع النواب لتوضيح وجهة نظرنا وإبراز الثغرات. لكن فجأة وبسرعة غير معهودة تم إقرار عدد من المواد من بينها مادة الهيئة الناظمة دون أن يؤخذ بأي من ملاحظاتنا.
هناك من رفعوا الصوت يعترضون على الشكل الذي تتم به دراسة مشروع القانون كما على المضمون. ففي الشكل تغيب الشفافية في التعاطي مع الفئات المعنية إذ لم يدع أحد من التحالف ورفض طلبهم بالانضمام الى المناقشات، كما استبعد وزير الإعلام عن المناقشة بحجة المادة 34 التي تنص على سرية المناقشات إلا إذا قررت اللجنة عكس ذلك.
أما في مضمون القانون فللتحالف ملاحظات كثيرة أوردها في جداول بشكل واضح ومفصل. بداية تقول مفرج يُبقي اقتراح المشروع تصنيف الصحافة مبهماً، وقد لا يشمل الصحافيين الذين يعملون في المواقع الإلكترونية أو على مواقع التواصل بحيث لا تشملهم الحماية المقترحة.
أما بالنسبة للعقوبات وهي من النقاط الخلافية الأبرز فيبدو أن هناك تراجعاً الى الوراء في هذا الموضوع حيث يحمل اقتراح القانون عقوبات القدح والذم من قانون العقوبات الى قانون الإعلام وفي هذا مخالفة واضحة للمعايير الدولية رغم تقدم وزارة الإعلام بالتعاون مع الأونيسكو باقتراح إلغاء العقوبات الجزائية لا سيما الحبس عن الصحافيين. لقد أردنا تحديد جرائم القدح والذم وحصرها جداً وتكريس مبدأ انتقاد الموظفين والعاملين في الشأن العام وعدم استثناء رئيس الجمهورية من النقد… وكذلك إلغاء محكمة المطبوعات وحصر التقاضي بمحكمة عادية وإلغاء مهام الضابطة العدلية في التحقيق بقضايا النشر والرأي والنقد وعدم توقيف الصحافيين بسببها.
تأتي بعدها نقطة خلافية أخرى حول تنظيم القطاع الإعلامي حيث يقترح مشروع القانون إنشاء هيئة ناظمة يتم تعيين نصف أعضائها من مجلس النواب والنصف من قبل مجلس الوزراء. لكننا نعرف جيداً، تقول مفرج، إن كل الهيئات الناظمة قد فشلت والدور المعطى للهيئة كبير من حيث إعطاء الرخص وحتى التدخل في العقوبات. نحن كجتمع الصحافة البديلة مع التوجه للتنظيم الذاتي لوسائل الإعلام بحيث تتم محاسبة المخطئين داخلياً عبر المؤسسة الإعلامية. كذلك ينبع الاعتراض على الهيئة الناظمة من قناعة أنها قد تخلق إطاراً للمحاصصة والمحسوبيات وقد كان اقتراح الأونيسكو أن تشارك الهيئات المدنية في ترشيح عضوين ولكن حتى هذا الترشيح يمكن الا يؤخذ به.
ومن الاعتراضات المطروحة قضية التراخيص التي تعتبر نوعاً من الرقابة المسبقة والمحاصصة وتكرس تحكم السلطة السياسية والمالية بالإعلام. فيما الاقتراح البديل هو إعطاء علم وخبر لأي وسيلة جديدة وحصر التراخيص بالوسائل الإعلامية التي تستخدم الترددات. على أن تكون الرسوم رمزية بدل الرسوم المرتفعة الحالية التي تهدد بحصر الإعلام في يد الأثرياء. وإطلاق حرية العمل النقابي والإعلامي وإعادة النظر في نظام نقابة المحررين وإلغاء نقابة الصحافة، كونها مؤلفة من أصحاب الصحف وإلغاء اتحاد الصحافة اللبنانية الذي يتحكم بجدول الإنتساب والمجلس التأديبي بحيث يكون هو المتقاضي والحكم في الوقت نفسه وهو امر مخالف لمنطق النقابات.
لبنان متأخر في حرية الإعلام
منظمة العفو الدولية اطّلعت على النسخة الأخيرة لاقتراح القانون. ووفق ما تقول رينا وهبي مسؤولة الحملات المعنية بلبنان في المنظمة «وجدنا أنها تحتوي على العديد من الأحكام التي لا تتناسب والتزامات لبنان بالقوانين الدولية ولا تتلاءم مع المعايير العالمية لحقوق الانسان. وبالتالي فإن إقرار القانون بصيغته الحالية يشكل نكسة خطيرة لحرية التعبير والصحافة في لبنان، في وقت تقوم السلطات بالتضييق على حرية التعبير بشكل مستمر وتقوم الشخصيات السياسية والأمنية والقضائية والدينية باللجوء إلى القوانين الحالية لترهيب وإسكات الصحافيين والمنتقدين. وفي السنوات الأخيرة تم استهداف الآلاف بالتحقيقات الجنائية على خلفية آراء عبروا عنها بمن فيهم الصحافيون والإعلاميون والمنتقدون على مواقع التواصل الاجتماعي، والقوانين اللبنانية ليست متقدمة أبداً في ما خص حرية الإعلام والصحافة وتسمح بملاحقة أي فرد يعبر عن آرائه بشكل سلمي».
المسودة تتضمّن العديد من الأحكام المثيرة للقلق التي من شأنها خنق حريتَيْ التعبير والصحافة. فهو يبقي مثلاً على العقوبات الجزائية كالسجن في قضايا القدح والذم والتحقير التي لا تعتبر جريمة معترف بها في المعايير الدولية التي تؤكد الحاجة إلى إلغاء القوانين التي تسمح بالسجن بسبب الانتقاد السلمي للأفراد، بمن فيهم الأفراد الذين يمارسون أعلى سلطة سياسية مثل رؤساء الدول والمسؤولين الحكوميين. كما يُقيّد اقتراح القانون حقوق الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام في تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها بحرية، لأنه ينصّ على وجوب وجود نقابة صحافية واحدة. وهو يعيق الحق بالوصول إلى المعلومات الهامّة من خلال حظر نشر محاضر الجلسات الحكومية، وقرارات اللجان البرلمانية، والتحقيقات التي تجريها إدارة التفتيش المركزي والتفتيش الإداري. كما يفرض رسوماً باهظة ومتطلّبات ترخيص مرهقة على وسائل الإعلام، الأمر الذي من شأنه خنق حرية التعبير.
في النهاية رغم المطالبات يبقى المجلس النيابي سيد نفسه. فهل يتجه لإقرار قانون مرّ عليه الزمن يعيد لبنان خطوات الى الوراء؟