هم ليسوا مشاغبين، ولا مخرِّبين، ولم يتصوروا يوما أنهم سيقفون “هذه الوقفة” التي تدمّر نفوسهم للمطالبة بحقهم في معرفة حقيقة من قتل أولادهم. وسواء كانوا متواجدين أمام قصر العدل أم في الساحات أو على أرض الجريمة، فالمشهد الماثل أمامهم صور أشلاء فلذات أكبادهم بغض النظر عن رمزية موقع الإعتصام. ببساطة هم لا يريدون إلا الحقيقة لترتاح أشلاءهم في الثرى. فهل يمكن اعتبار رد فعلهم وغضبهم مخالفة قانونية أم ببساطة أصحاب حق مقدس؟
عامان ونيف ولا يزال ملف التحقيق في تفجير مرفأ بيروت يتخبط في ثنايا القضاء السياسي، وفي كل مرة تعود عجلة الحياة إلى الملف يصطدم المحقق العدلي في جريمة المرفأ طارق البيطار بالفوضى المكبلة بادعاءات سياسيين مشتبه بهم وممارسات قضاة محسوبين على المتهمين أنفسهم. ويسألون أين أهالي الضحايا؟ لماذا لا يتحركون؟ لماذا تراجعوا؟ وعندما ينزلون إلى الشارع كما حصل اليوم ، مطالبين بضرورة الإسراع في “كشف الحقيقة لأن جريمة كبرى هزت لبنان والعالم وهي قضية كل لبناني”، وبمحاسبة المجرمين الذين فجروا البلد وقتلوا أولادهم” يُتهمون بالتخريب والفوضى!.
أهالي الضحايا قالوها اليوم من أمام قصر العدل:” العدالة نائمة”، وطالبوا القضاة وعلى رأسهم رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود باستكمال التحقيق. “وسنكون موجودين كلّ يوم خميس هنا من أجل الإعتراض ونحضّر تحرّكاً منظّماً وكبيراً للذكرى الثالثة من تفجير 4 آب”. فأين أصبح التحقيق في ملف تفجير المرفأ؟
خطوتان إلى الوراء تستعيدهما شقيقة أحد ضحايا المرفأ المحامية سيسيل روكز. فبعد اتخاذ قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار قرار استئناف التحقيق جاء رد مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات بالإفراج عن جميع الموقوفين “وهذه سابقة غير قانونية”.
الأكيد أن البيطار تحدى الطبقة السياسية والمنظومة القضائية الفاسدة وتجرأ أن يدّعي على عويدات وعلى رؤساء أجهزة أمنيين. لكن الأكيد أيضا أن جرأة البيطار التي ارتكز فيها على اجتهاد قانوني لم تصل حتى اللحظة إلى أي نتيجة أقله على مستوى استئناف عمله بعدما ادعى عليه عويدات بتهمة اغتصاب السلطة ومنعه من السفر.
قانونا تقول روكز أن العقدة اليوم تتوقف عند القاضي عبود إذ يفترض بعد ادعاء عويدات على المحقق العدلي أن يُعين قاضي تأنيب للتحقيق معه. فإذا ثبُتَت عليه التهمة يصار إلى اتخاذ الإجراء المناسب بحقه وفق ما تنص عليه القوانين وإلا يعود لاستكمال التحقيق. وتشير إلى أن مسار التعيين سري ” وقد يكون عبود عيّن قاضيا وربما لا. في النهاية يجب إبلاغنا بالنتائج بعد 4 أشهر على إدخال الملف في غيبوبة قسرية”.
إلى حينه سيستأنف أهالي الضحايا تحركهم “وراح ننزل كل خميس أمام قصر العدل وسنطالب القاضي عبود بالحقيقة والضغط لاستئناف التحقيق “.
وعن المسار القانوني للملف في الخارج توضح روكز بأن القضاء الفرنسي ينتظر القرار الإتهامي وهو يعلم ويجاهر بالفوضى القضائية وبوجود عرقلة مفتعلة لكن قبل أن يصدر أي قرار إتهامي لا يمكن أن نتأمل شيئا. وهذا ما تبين من الجلسة الأخيرة داخل أحدى قاعات المحاكم الفرنسية والتي حضرها شقيق أحد الضحايا المحامي بيار الجميل بعدما كان رفع مجموعة صور لضحايا المرفأ على باب القاعة”.
التصريح الذي صدر عن 38 دولة في جريمة تفجير المرفأ حيث أجمعت على القول بأن العرقلة ممنهجة وهم يقفون إلى جانب أهالي الضحايا ويراقبون عن كثب كيفية وضع العراقيل في وجه المحقق البيطار، فتح طاقة أمل لدى أهالي الضحايا. لكن حتى اللحظة لم يثمر شيئا. ننتظر تاريخ 15 حزيران وما سيصدر عن البرلمان الأوروبي من مشروع قد يعيد خلط الأوراق في مسار التحقيق في جريمة المرفأ”. وإلى حين صدوره لا يبقى أمام أهالي الضحايا إلا النزول إلى الشارع والإعتصام، أو التسليم بأن العدل والسلطة في لبنان خطّان متوازيان لا يلتقيان أبداً.