غصة اليوم ليست وليدة اللحظة. هي خنجر غدر غرسه لبنانيون خونة في خاصرة عاصمتنا بداية، ومن ثم في قلبها. منذ تلك اللحظة، بات زعماء تلك الحقبة رواداً في ابتكار الجريمة. منذ تلك اللحظة، عرفنا كيف تاجر ماكرون وأمنا الحنون بدمائنا في سبيل مصالحهم الايرانية. منذ تلك اللحظة، أضحت الكسندرا فلذة كبد كل عائلة تؤمن بمحبة لبنان. منذ تلك اللحظة، اضحى مقر فوج إطفاء مدينة بيروت هو ملاذ دموعنا مع كل طعنة غدر تجاه مجتمعنا. منذ تلك اللحظة. دفننا مع جثث شبيبتنا القضاء اللبناني وعدالته. يومها إمتزجت دماء أبناء المساجد مع دماء قارعي أجراس الكنائس لتجسد وحدة معاناة شعب في مواجهة مافيا الاحزاب والميليشيات والزعامات المدجنة بالعمالة.
في ذلك اليوم، أطلقت النار على شعبنا لأنه نادى بمحاسبة المتورطين. في ذلك اليوم، تخلى طلابنا عن كتبهم للملمة جراح العاصمة التي أحبوا. دفنوا كبرياؤهم وهرولوا لتضميد دماء إخوتهم في الوطن الذين صبغوا طرقات الشوارع باللون الأحمر وغزوا سماءها بأنين جروحهم. حملوا الإسعافات والمكانس والرفوش ليساعدوا في تضميد الإصابات البليغة وازالة ركام المدينة التي شهدت نشأة أحلامهم. حبسوا دموعهم خلف خيبات الامل وناجوا الله لينهي تراكم هذا الكم من الظلم على شعب ووطن لم يصلب يوماً المسيح.
في ذلك اليوم، ووسط مخاض القلوب المكسورة، هب كل من أحب وطن الأرز بسببنا، ليبلسم جراحنا التي لم تندمل حتى يومنا هذا. فلم تبقى عاصمة في العالم ولم تضيء معالمها بعلم لبنان، وما بقي طفل عشق عطر معشرنا الا وكسر قجته ليرسل المساعدة الى المنكوبين عندنا. كذلك الدول التي تقدر قيمة ثقافة هذا الوطن تسارعت لإعطائه جرعات من الدم والنبض والاكسجين كي لا يموت ونموت نحن معه، وكأنهم ادرى بقيمتنا المضافة تجاه العالم اجمع اكثر من حكامنا الذي لم يحجموا يوماً عن المجازفة بأرواحنا عند كل مناسبة.
من يومها، لم يكتفِ مجرمو المنظومة بتفجير بيروت او بإهمالهم المسبق لمعالجة مسبباته او اقله بتغطية الجريمة، بل أمعنوا في الظلم عن طريق سرقة المساعدات، وملاحقة أهالي الضحايا وتعنيفهم، وتهديد القضاء وتدمير العدالة، وتجاهل مصير الشهداء الأحياء الذين رزحوا تحت آلام مصابهم.
نحن لا زلنا نعيش تلك اللحظات، مع كل صرخة لأهالي الضحايا، مع كل صورة متداولة للشهداء، مع كل مشهدية غير مرممة لدمار ذلك التفجير، ومع كل صرخة قهر لكل من لا يزال يعاني من ترسبات ذلك اليوم المشؤوم.
إن الغصة التي نشعر بها اليوم، ما هي إلا امتداد متواصل للحرقة اليومية التي لا تزال تواكب حياتنا منذ اربع سنوات. فاليوم كما الامس وقبله، لا تزال قلوبنا مهشمة، ولا تزال غصتنا متواصلة، ولا تزال الحرقة تختلج صدورنا ونحن نرى المجرمين يدفنون العدالة كل يوم أمام أعين شعب لم يبقى له إلا عدالة الرب ملتجى.
في ٤ آب ٢٠٢٠ بكت حجارة بيروت على دماء ابنائها، وغرقت عيوننا بالحزن على مظلومية مصير ست الدنيا على يد نيارين هذا القرن.
يومها بكينا وابكينا العالم معنا،على مصير وطن جعله الله جنة الكون على الارض، وحوله تجار الهيكل الى كتلة مآسي تحاكي نار جهنم.