مع بقاء التوترات بين حزب الله وإسرائيل مرتفعة، لا يمكن استبعاد احتمال نشوب حرب بينهما في نهاية المطاف. وعلى الرغم من أن الأدلة تشير إلى أن حزب الله كان يتجنب مثل هذا السيناريو منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر الماضي، إلا أنه كان يجهز نفسه أيضًا لمثل هذه النتيجة لسنوات عديدة.
ويقول الباحث في شؤون الشرق الأوسط آدم روسيل في تقرير نشرته مؤسسة جيمس تاون إن استعدادات حزب الله تشمل بناء احتياطيات كبيرة من الذهب والنقد مع القيام بدور نشط بشكل متزايد في الاقتصاد اللبناني، في الوقت الذي يقترب فيه النظام المالي في البلاد من الانهيار.
وتهدف هذه الإجراءات إلى السماح لحزب الله بخوض حرب طويلة الأمد مع إسرائيل، في حال تدهور الوضع.
أزمة مالية
اندلعت الأزمة المالية المستمرة في لبنان بسبب الانخفاض الحاد في الأموال الأجنبية الواردة إلى البلاد. وكان سبب هذا الانكماش في المقام الأول هو الفساد المستشري وسوء الإدارة من قبل النخب المالية في البلاد، فضلاً عن النفوذ المتزايد لحزب الله، الذي أخاف المستثمرين الأجانب، بمن فيهم المستثمرون من دول الخليج.
وانخفضت قيمة الليرة اللبنانية بنحو 98 في المئة منذ عام 2019، ما أدى إلى استنزاف قيمة المدخرات الشخصية والأرباح المحتملة في البلاد.
ونتيجة لذلك تضاعفت نسبة الفقر، حيث يعيش أكثر من 80 في المئة من السكان الآن في حالة فقر (لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، سبتمبر 2021). ويعيش معظم اللبنانيين على التحويلات المالية من أفراد الأسرة الذين يعيشون في الخارج.
ونظرا إلى الامتداد المالي الدولي الواسع لحزب الله يعتبر الآن إحدى المنظمات الوحيدة القادرة على ضخ الأموال في الاقتصاد اللبناني المتعثر، ما يمكّن الجماعة من نشر نفوذها بشكل كبير.
وعلاوة على ذلك أدت الانقسامات بين حزب الله والفصائل البرلمانية الأخرى إلى إحباط محاولات انتخاب رئيس لبناني جديد في 12 مناسبة منفصلة، كانت آخرها في يونيو 2023.
ويعمل حزب الله على إطالة أمد الأزمة السياسية والمالية في لبنان، موظفا الانهيار المستمر في توسيع نفوذه بالبلاد بينما يستعد لحرب محتملة مع إسرائيل.
الظل المصرفي
أثار بنك الظل التابع لحزب الله (جمعية القرض الحسن) جدلاً في مارس الماضي عندما أعلنت المنظمة الشيعية أنها ستفتتح فرعاً للبنك في بلدة سوق الغرب ذات الأغلبية المسيحية والدرزية، التي تمر عبر مناطق لبنان الراسخة.
وتعمل الجمعية رسميًا كمنظمة خيرية، وهي بمثابة “العمود الفقري المالي” لحزب الله، وذلك من خلال تشغيل حوالي 50 فرعًا في جنوب لبنان وبيروت وسهل البقاع.
وفي الوقت الذي يعيش فيه القطاع المصرفي اللبناني اضطرابات عميقة، تواصل الجمعية توسعها بينما تعمل خارج الإطار التنظيمي والقانوني اللبناني.
ونظرا إلى أزمة السيولة المستمرة في لبنان ونقص الإقراض، أصبح بنك الظل مصدرا نقديّا أساسيا للبنانيين وأصبح قوة قوية في اقتصاد البلاد.
وفي عام 2021 شرعت الكثير من فروع البنك في تركيب أجهزة الصراف الآلي التي توزع مبالغ كبيرة من الليرة اللبنانية والدولار الأميركي على المقترضين.
ويمكن للمقترضين سحب ما يريدون من الدولارات وتجديد القروض إلى أجل غير مسمى، بشرط تقديم ضمانات من الذهب الذي بلغت قيمته حاليا أعلى مستوياتها على الإطلاق.
ورغم ورود أنباء عن مصادرة ذهب رداً على حالات التخلف عن السداد، إلا أن هذه الحالات محدودة بسبب التأثير السلبي الذي قد يحدثه ذلك على الصورة العامة لحزب الله.
وبدلا من ذلك يميل حزب الله إلى الاحتفاظ بذهب المودع مع عرض خيار تجديد القروض ضده إلى أجل غير مسمى عند السداد.
وتجلب عمليات حزب الله الواسعة في الخارج، والتي تشمل تهريب المخدرات وغسيل الأموال، مبالغ ضخمة من النقود كل عام.
ومن خلال البنك يستخدم حزب الله الكثير من هذه الأموال لضخ السيولة اللازمة في الاقتصاد اللبناني المتعثر؛ فهو يسمح للحزب بتوسيع نفوذه على البلاد مع الحصول في المقابل على الكثير من احتياطيات الذهب لدى الشعب اللبناني.
ووفقًا لفرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية (FATF)، يعد الذهب جذابًا للجماعات الإجرامية كوسيلة لغسيل الأموال لأن هذه الجماعات قد تحول الأموال غير المشروعة إلى أصول مستقرة ومجهولة المصدر وقابلة للتحويل وسهلة التبادل لتحقيق الأرباح أو إعادة استثمارها في أنشطة غير قانونية أخرى.
تهريب الذهب
يشارك حزب الله أيضًا في تهريب الذهب الدولي مع الحكومة الإيرانية. وفي عام 2020 أظهرت الأدلة أن حزب الله سيطر على مناجم ذهب متعددة في جنوب شرق فنزويلا.
وفي مايو 2022 توصلت المخابرات الإسرائيلية إلى أنه تم إرسال عشرات الكيلوغرامات من الذهب الفنزويلي إلى طهران على متن طائرة تابعة لشركة ماهان الإيرانية للطيران مقابل النفط، على أن يتم تحويل عائدات ذلك لاحقا إلى حزب الله.
وأصبحت إيران أكثر استعدادًا لدفع مبالغ نقدية ضخمة مقابل الذهب وسط محاولات لزيادة احتياطياتها استجابة للضغوط المستمرة من العقوبات الأميركية.
ووصلت جهود طهران لاكتناز الذهب إلى حد أن شملت إعدام مواطنين متهمين باحتجاز الذهب.
ومن المرجح أن دور حزب الله كوسيط في تهريب الذهب الدولي ينبع من قدرته على التسلل إلى مجموعات مختلفة من الشتات اللبناني عبر أميركا الجنوبية إلى غرب أفريقيا.
ومن خلال المساعدة في تهريب الذهب إلى إيران مقابل المال يستطيع حزب الله إقراض هذه الأموال للمواطنين اللبنانيين مقابل ذهبهم.
ويزيد هذا النظامُ احتياطيات حزب الله من الذهب بينما يلعب دورًا حيويًا لرعاته الإيرانيين، الذين يزودون حزب الله أيضًا بترسانة عسكرية ضخمة.
وتعمل تعاملات حزب الله الدولية الواسعة ونفوذه المتزايد في لبنان على تمكين الجماعة ماليّا من أجل الاستعداد للحرب المحتملة مع إسرائيل.
ومن جانبه أعلن الجيش الإسرائيلي أن لديه خططاً لاجتياح لبنان إذا زاد الوضع تدهورا.
وفي حالة حدوث مثل هذه الحرب ستجد إسرائيل نفسها تقاتل مجموعة ليست متأصلة بعمق في لبنان فحسب، بل أيضًا مستعدة ماليًا بشكل جيد لخوض حرب طويلة الأمد.