كشفت مصادر خاصة لـ”عربي بوست” عن وصول وفد قطري إلى لبنان، قُبيل زيارة مشابهة لوفد فرنسي، وسط مساعٍ متواصلة لخلق تفاهم داخلي لبناني بشأن منصب رئيس الجمهورية، بالتزامن مع حوار بين الحليفين السابقين حزب الله ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل للتوافق على اسم مرشح رئاسي.
وقال مصدر دبلوماسي عربي لـ”عربي بوست” إن وفداً قطرياً وصل إلى لبنان، للبحث في بعض التفاصيل المتصلة بمهمة الموفد الرئاسي الخاص جان إيف لودريان، ونتائج مساعيه في الأيام التي أعقبت لقاء الدوحة الأخير، لا سيما بعد موقف برلماني متشدد منه.
الموقف البرلماني كان مشتركاً لنواب المعارضة (القوات اللبنانية والكتائب والتغيير) التي أعلنت أنها ترفض “محاولات فرنسا فرض أجندة سياسية على لبنان”.
وفد قطري في لبنان
في حين اعتبر مصدر برلماني رفيع لـ”عربي بوست” أن فشل المبادرة الفرنسية يمكن أن يؤسس للبحث عن تسوية جديدة، انطلاقاً من أن فرنسا باتت طرفاً غير قادر على لعب دور الوسيط، بعد الانتقادات التي طالت أداءها بدعم ترشح سليمان فرنجية مرشح حزب الله.
تشير المصادر أيضاً إلى أنه زيارة وفد قطري إلى لبنان، جاءت بعد طلب الفرنسيين معاونتهم في مهمة لودريان في ضوء المواقف اللبنانية المسبقة على رسالته إلى النواب اللبنانيين، التي دعا فيها إلى “تجميع قواسم مشتركة يمكن أن تفتح الطريق لحلحلة العقد، بما يحرك مياه الاستحقاق الرئاسي الراكدة، وتحقيق أي إنجاز ممكن في هذا الاتجاه”.
تشير المعلومات إلى أن الوفد القطري التقى مجموعة من الأطراف السياسية على رأسها حزب الله والتيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي، وممثلين عن المعارضة (القوات والكتائب والتغيير) وهم باتوا يحملون مجموعة أسماء جديدة للرئاسة، بالتنسيق مع الولايات المتحدة والسعودية.
كشفت المصادر أن الأسماء المرشحة من هذه المجموعة البرلمانية، هم قائد الجيش جوزيف عون، والمدير العام للأمن العام اللواء الياس بيسري، والنائب نعمة أفرام، ووزير الداخلية السابق زياد بارود.
وقالت إن “الفشل المحتمل لمبادرة فرنسا ستتبعه عودة إلى الدور القطري الأكثر توازناً، وفي الوقت ذاته ستُبقي الدوحةُ قنواتِ الاتصال مفتوحةً مع طهران، لا سيما أن الإيرانيين وعدوا مؤخراً وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية محمد بن عبد العزيز الخليفي بالمساعدة في الملف الرئاسي اللبناني”.
وأكدت كذلك أنه “لا يمكن فصل أي عمل قطري عن التنسيق مع السعودية والولايات المتحدة وإيران”.
وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، زار الأسبوع الماضي الرياض، والتقى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان”، وأكدا حرص بلديهما في التوصل إلى اتفاق، خاصة على الساحة اللبنانية، وأن حزب الله لن يذهب إلى رئيس لا يحظى بتوافق.
حوار حزب الله – باسيل
في الأثناء، تستمر المفاوضات بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ، إلى حين عودة لودريان إلى لبنان.
بحسب النائب عن التيار الوطني الحر جورج عطا الله لـ”عربي بوست”، فإن اللقاءات وصلت إلى مراحل تفصيلية، بما يتعلق بشرط باسيل للتوافق على اسم مرشح، بإنشاء صندوق مالي ائتماني واللامركزية الإدارية والمالية الموسعة.
وتشير مصادر الطرفين إلى أن الجانبين يضعان مهلة حتى آخر الصيف الحالي للوصول إلى نتيجة بشأن هذه المفاوضات، أي قبل عودة لودريان، ليكون أي تقارب أو تفاهم بينهما عنصراً داعماً لتحركه.
بحسب عطا الله، فإن لدى الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) الكثير من الاعتراضات على ما تقدم به التيار، لتعارض صلاحيات الصندوق السيادي مع صلاحيات وزارة المالية.
من هذا المنطلق، يعتبر المحلل السياسي اللبناني، جوني منير، في حديثه لـ”عربي بوست”، أن باسيل لا يزال يرفض فعلاً ترشيح سليمان فرنجية، حتى ولو أبدى موافقته على ذلك شكلاً، بهدف إعادة فتح قنوات الحوار مع حزب الله.
وقال إن باسيل “يعمل على إبعاد شبح قائد الجيش العماد جوزف عون عن الملف الرئاسي، بعد ظهور الدعم الإقليمي والدولي له، من خلال تبذير الوقت إلى حين الوصول إلى العاشر من شهر يناير/كانون الثاني 2024″، وفق قوله.
وأضاف أن “تراجع التأييد الفرنسي لفرنجية واتضاح الموقف السعودي المعارض، جعلا باسيل يتقدم في سعيه لإقفال الطريق على جوزف عون، من دون العمل جدّياً على فتح الطريق أمام فرنجية”.
وأشار منير إلى أن باسيل يريد مبادلة إعادة علاقته مع حزب الله بالذهاب إلى خيار جديد يؤمن له مصالحه داخل التركيبة القادمة في السلطة.
ويرى أن ما يُطرح في العلن حول المفاوضات الدائرة وفق توصيف حزب الله يختلف عنه في الغرف المغلقة، موضحاً أن “قانون اللامركزية الذي يلاقي رفضاً حاسماً لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري، خصوصاً في شقه المالي، لم يُسجّل أن يُطرح بجدّية، ولا لمرة واحدة خلال ولاية الرئيس السابق ميشال عون”.
ووفقاً لمنير، فإن “هذه المفاوضات شهدت مطالبة باسيل بأن تكون له كلمة أساسية في تعيينات حاكمية المصرف المركزي، وقيادة الجيش، ورئاسة المجلس الأعلى للقضاء والمواقع الأساسية في الإدارة، إلى جانب تمسّكه بالاحتفاظ بوزارة الطاقة، وملمّحاً إلى تعيينات له داخل وزارة المال، كمثل مدير عام وزارة المال ومواقع أخرى”.
تعثّر مهمة لودريان
التحرك الفرنسي المرتقب عبر زيارة الموفد الرئاسي الخاص جان إيف لودريان، سبقها موقف برلماني مشترك لنواب المعارضة برفض محاولات فرنسا فرض أجندة سياسية على لبنان.
وختاماً بالرسالة الشهيرة التي تم توزيعها على النواب من الخارجية الفرنسية، التي تتضمن أسئلة جرى اعتبارها تدخلاً سافراً بالشأن الداخلي.
في المقابل، شدد المصدر على أن القوى المعارضة تبحث فيما بينها الإعلان عن إنشاء جبهة سياسية، وإطلاق وثيقة مشتركة، “ستكون متعارضة مع المسار الفرنسي، ورفض مواكبة ما يطرحه الرئيس إيمانويل ماكرون”.
ويرى المصدر أنه “بمجرد فشل المبادرة الفرنسية، سيتم البحث جدياً في كيفية الوصول إلى تسوية سياسية انطلاقاً من تحركات الدول الثلاث الأخرى (الولايات المتحدة وقطر والسعودية) التي كانت تشارك في الاجتماعات الخماسية”.
بحسب معلومات المصدر، فإنه وخلال الاجتماع الخماسي الذي انعقد منتصف يوليو/تموز 2023، في قطر بين الدول الخمس، كانت تلك الدول واضحة مع الموفد الفرنسي، بأن “هذه الزيارة ستكون فرصة أخيرة لفرنسا”.
وأضافت: “بحال عدم تحقيق فرنسا أي نتائج، فإنه لا بد من إعلان فشل المبادرة الفرنسية، والذهاب باتجاه آخر، من خلال دور تلعبه الدول الأخرى، وتحديداً مصر وقطر، وتكون قادرة على لعب دور الوسيط، لا أن تحسب طرفاً لصالح مرشح في مواجهة المرشحين الآخرين”.
وأكدت أن “لودريان يتعاطى مع هذه الزيارة بأنها فرصته الأخيرة؛ إذ يفترض أن يلتحق في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، بعمله في المملكة العربية السعودية كرئيس لهيئة تطوير العلا المشتركة بين فرنسا والسعودية، لذا فإن كل شيء سيكون في انتظار نتائج زيارة لودريان”.
ومنذ سبتمبر/أيلول 2022، فشل البرلمان اللبناني في 12 جلسة بانتخاب رئيس جديد للبلاد خلفاً لميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
وبعد فراغ رئاسي مستمر، يترأس نجيب ميقاتي الحكومة الحالية منذ سبتمبر/أيلول 2021، وتحولت إلى حكومة تصريف أعمال في مايو/أيار 2023، عقب الانتخابات البرلمانية.