وكان يفترض أن تكون الدفعة التي تلقاها هؤلاء نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي آخر دفعة من الهبة المالية الأميركية التي تأتي في إطار برنامج غير اعتيادي، قدمت واشنطن من خلاله 72 مليون دولار للجيش وقوى الأمن الداخلي، لزيادة رواتب العناصر التي فقدت 95 في المائة من قيمتها. وتم توزيع هذه المساعدات على رواتب 6 أشهر من خلال منح كل عنصر وضابط مبلغ 100 دولار أميركي.
وقبض العناصر والضباط نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) رواتبهم من دون أن يحصلوا على المبلغ السابق ذكره، إلا أنه، وبحسب مصدر عسكري تحدثت إليه «الشرق الأوسط»، بدأ هؤلاء بالحصول تباعاً على 100 دولار إضافية خلال الأيام الـ3 الماضية، بعد «قرار استثنائي» من الإدارة الأميركية بتمديد هذه المساعدة لشهر واحد فقط.
وتشير المصادر إلى أنه سيتم اللجوء في الشهر المقبل إلى هبة قطرية لدفع هذا المبلغ، وهي هبة تكفي لشهرين فقط.
ويعاني العناصر والضباط أوضاعاً صعبة. ويقول المعاون أول «ي. د» (33 عاماً) لـ«الشرق الأوسط» إنه قبض نهاية الشهر الماضي 90 دولاراً فقط، لافتاً إلى أنه بالإضافة لـ100 دولار (من الهبة الأميركية) التي لم يقبضها بعد، لم يحصل وزملاؤه هذا الشهر أيضاً على «المساعدة المؤقتة» التي كانت تبلغ نحو 79 دولاراً لغياب الاعتمادات المالية. ويضيف: «لم نتلق منذ مدة حصصاً غذائية كانت تعيننا كثيراً في تأمين مواد أساسية مثل الأرز والحليب والطحين وغيرها». ويصف المعاون أول الوضع بـ«الصعب جداً»، مشيراً إلى أنه «كان يعمل في الصيف في أحد الملاهي الليلية لتأمين مدخول أساسي، بعد تحول مدخول الجيش إلى راتب رمزي، لكن بعد تراجع العمل في الشتاء أصبح يداوم يوماً واحداً في الأسبوع، ما أدى تلقائياً إلى تراجع مدخوله بشكل كبير».
والمساعدة المؤقتة مرتبطة بالحكومة وبالمساعدات التي تقدمها لموظفي القطاع العام، وبالتحديد بمصير مشروع مرسوم «إعطاء حافز يومي لجميع العاملين في الإدارة العامة».
وفي ما يتعلق بالمساعدات الغذائية، يوضح مصدر معني أن توقف المساعدات الغذائية مرده ارتفاع الأسعار وعدم القدرة على الحصول على المواد بأسعار مدعومة، خاصة أنه عندما كانت توزع هذه المساعدات كان يفترض أن تكون لمدة عام، عسى أن تنتهي الأزمة خلال هذا الوقت، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «يمكن للعناصر الاستفادة من السلع التي تُباع بأسعار مخفضة نسبياً في ما يُعرف بـ(بيت الجندي) وهي مراكز يمكن للعسكريين التسوق فيها ويديرها عسكريون».
وليست أحوال الضباط أفضل من أحوال العناصر، إذ قبض النقيب في الجيش «ر. ض» 200 دولار أميركي نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول)، لافتاً إلى أنه، وباعتبار أن قيامه ضابطاً بأعمال أخرى أمر أصعب مقارنة بالجنود العاديين، وبات وعائلته (لديه 3 أولاد) يعتمدون بشكل أساسي على راتب زوجته التي تعمل في إحدى الشركات الخاصة مقابل 700 دولار شهرياً.
ولجأ القسم الأكبر من العسكريين للقيام بأعمال أخرى خارج ساعات الدوام للتمكن من تأمين الاحتياجات الأساسية لعائلاتهم، بعدما باتت رواتبهم الحالية لا تتجاوز ربع الرواتب التي كانوا يتقاضونها قبل عام 2019.
وغضت قيادة الجيش النظر عن ذلك، علماً بأن قوانينها تمنع مزاولة أعمال أخرى، لعلمها بأن التشدد في تنفيذ القوانين في هذه المرحلة من شأنه أن يؤدي إلى تداعيات كبيرة على المؤسسة العسكرية، وبخاصة لجهة اضطرار كثيرين لترك السلك.
ويعتمد الجيش اللبناني منذ سنوات على المساعدات الأميركية التي تجاوزت 3 مليارات دولار منذ عام 2006، بينها 180 مليون دولار خلال عام 2023، وتم استخدام معظم هذه الأموال لصيانة الآليات والمعدات.
ولا يزال الجيش يؤمن الطبابة لعناصره وأفراد عائلاتهم، وهو ما يجعل قسماً كبيراً منهم يتمسكون بالبقاء فيه رغم رواتبهم الرمزية، لعلمهم بأن الطبابة تحولت إلى عبء كبير لمعظم اللبنانيين الذين بات القسم الأكبر منهم لا يحظى بتغطية صحية مع ارتفاع تكلفة الاستشفاء بشكل دراماتيكي.