وكشفت مصادر سياسية رفيعة لـ”اندبندنت عربية” ما رشح عن لقاءات مباشرة أو بالواسطة حصلت بين الموفدين الغربيين مع مسؤولين في الحزب، وهو أن الأخير يطالب بثمن سياسي مقابل إعادة انتشاره في الجنوب، على أن يحصل ذلك بعد وقف النار في غزة. وكان رئيس حزب “القوات اللبنانية” كشف عن مضمون المفاوضات الحاصلة بين “محور الممانعة” والموفدين الغربيين وبخاصة الأميركيون. وأكد جعجع “أن محور الممانعة ينهي حديثه دائماً بالجملة التالية، إن هذه الأمور لكي تتم تحتاج إلى وضع داخلي يتصل بملف رئاسة الجمهورية والحكومة”.
الوسيط الأميركي لم يعرض المقايضة
واستناداً إلى المواقف المعلنة من قبل “حزب الله” التي تعبر بشكل أو بآخر عن سياسته الحالية، فإن الأمين العام للحزب حسن نصرالله كان أعلن في خطاب أخير استعداده للذهاب إلى حل دبلوماسي لما تبقى من نقاط عالقة بين لبنان وإسرائيل. وأكد، أمس الأحد، أن “جبهة لبنان من أجل دعم غزة ومساندة غزة… فليتوقف العدوان على غزة، وبعد ذلك لكل حادث حديث”. وهو ما اعتبرته مصادر “القوات اللبنانية” تأكيداً على عدم ربط وضع لبنان بوضع غزة وأن سلاح الحزب هو لتحقيق مطالب لبنانية، متراجعاً عن هدف “إزالة إسرائيل من الوجود”. من ثمَّ فإن نصرالله أراد أن يقول للأميركيين إنه لا رابط بين سلاحه ومصير حركة “حماس” وأنه مستعد للحل الدبلوماسي لكن بعد انتهاء حرب غزة. وفي موقفه، استبعد نصرالله الخيار العسكري وأوحى بأنه لا يريده، ودعا بشكل غير مباشر الأميركيين إلى إقناع الإسرائيليين بعدم شن ضربة عليه والحفاظ على قواعد الاشتباك، ساعياً في سياسته هذه إلى شراء الوقت. في المقابل، لا تبدو إسرائيل في وارد أي تفاوض حالي قبل تأمين عودة آمنة للمستوطنين إلى بيوتهم في الشمال وانسحاب “حزب الله” من جنوب الليطاني. وانطلاقاً من ذلك، تؤكد مصادر “القوات اللبنانية” أن الجانب الأميركي والموفدين الغربيين لم يقدموا لـ”حزب الله” عرضاً بأي مكسب سياسي في مقابل انسحابه، فضلاً عن أن الحزب ليس حالياً في موقع القوة الذي يسمح له بفرض شروطه والمطالبة بثمن داخلي. فما كان يصح قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) لم يعد صالحاً، عندما كانت إسرائيل تتعاطى مع الحزب على أنه مفتاح الهدوء في الجنوب واتفقت معه على الحدود البحرية، مثلما تعاطت مع رئيس النظام السوري الأسبق حافظ الأسد كحارس للجولان والضمانة لعدم إطلاق رصاصة باتجاه الأراضي الإسرائيلية. وهي باتت اليوم تعتبر أن كل المشاريع الإسلامية السنية الشيعية التابعة لإيران تشكل خطراً على وجودها، من ثم فإن أي فكرة للمقايضة، التي كان يمكن أن تحصل قبل عملية “طوفان الأقصى” قد سقطت نهائياً.
وتعتبر مصادر “القوات اللبنانية” أن “حزب الله” يسعى لشراء الوقت حتى انتهاء حرب غزة لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر، ويصعب شروطه بربط الحل بمزارع شبعا وتلال كفرشوبا والنقاط الـ13 البرية العالقة، لعلمه المسبق أن حلها يحتاج إلى مدة لا تقل عن السنتين. وتعتبر “القوات اللبنانية” أن نصرالله يربط تنفيذ أي حل بتشكيل سلطة سياسية تحمي له ظهره، عبر رئاسة الجمهورية والحكومة. وإذ تستبعد المصادر الرفيعة في “القوات” أي إمكانية لتحقيق هذه الشروط في الداخل اللبناني، تذكر بالمحاولة الفرنسية لفرض رئيس من “محور الممانعة” التي لم تنجح في فضل معارضة داخلية شرسة، من ثم “فإن أي وعد للحزب بمكسب سياسي، وهو غير مطروح حالياً، لن يكتب له النجاح، في ظل وجود وضعية مسيحية وسنية ودرزية متكاملة رافضة لهذا المشروع الكارثي على البلد، فضلاً عن وجود جبهة نيابية معارضة وجبهة سياسية، وبالنتيجة فإن القوى المحلية هي التي تقرر”.
استباقاً لأي محاولات مقايضة
في مقلب حزب “الكتائب”، يعبر النائب سليم الصايغ عن تخوفه من تحول المفاوضات الدائرة في شأن التسوية في الجنوب من تقنية إلى سياسية، ومن محلية إلى دولية، كما حصل في ملف الحدود البحرية التي كانت إيران الكاسب الأكبر منها حيث حققت مغانم مرتبطة بحكومة محمد شياع السوداني في العراق وتخفيف العقوبات عنها وتحرير أموالها من قبل كوريا. وهذه المنهجية نفسها التي وضعها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في ملف الحدود البحرية، يعود اليوم لتطبيقها في المفاوضات البرية، فهل سيكتفي “حزب الله” يسأل الصايغ بمكاسب متعلقة بتحرير الأراضي المحتلة ومعالجة النقاط البرية المختلف عليها مع إسرائيل أم سيذهب إلى مقايضة ذات بعد سياسي كما حصل في البحر. وهل هذا الأمر مرتبط به وحده أم بطهران؟ ويؤكد النائب الكتائبي أنه حتى الآن تبدو المفاوضات تقنية فقط ولم يظهر الجانب الأميركي أي استعداد لطرح مكاسب سياسية، وهذا ما يعوق معالجة هذا الملف حتى الآن ولا يسمح لإيران و”حزب الله” بتسهيل الحل. ويعتبر الصايغ أن المخاوف التي تعبر عنها بعض القوى السياسية هي حقيقية، لأن بعض الدبلوماسيين في مرحلة استكشاف لإحداث خرق في الجنوب، وكما سبق وسوقوا لمرشح الثنائي الشيعي، يسعون إلى التسويق لمقايضة ما، يعطى فيها “حزب الله” في السياسة مقابل ما قد يتنازل عنه على الأرض وتطبيق القرار 1701. ويشرح الصايغ أن “هذه الأجواء دفعت بعض قوى المعارضة إلى اتخاذ مواقف استباقية لمنع التوصل إلى حل جزئي أو مرحلي أو نهائي على حساب الشعب اللبناني وعلى حساب أحرار لبنان، ولضبط اللعبة السياسية ووضع حدود لها”، مشدداً على أنه “لن يتم إعطاء لبنان جائزة ترضية لإيران، ولن يقبل أحد بذلك، لا الاتحاد الأوروبي ولا دول الخليج ولا الولايات المتحدة الأميركية ولا اللبنانيون”.
في المقابل، ينفي الكاتب السياسي قاسم قصير لـ”اندبندنت عربية” أن يكون “حزب الله” قد عرض المقايضة بين الرئاسة وتطبيق القرار 1701 وطلب ثمناً سياسياً في مقابل تنفيذه القرار الدولي وانسحابه من الحدود. وأكد، “بحسب معلوماتي، فالحزب يطالب فقط بوقف الحرب على غزة”، مضيفاً “أما القرار 1701 فيتم بحثه بعد وقف إطلاق النار”.
الرئاسة لا يمكن أن تنتظر انتهاء الحرب
ويدخل الشغور الرئاسي في لبنان عامه الثاني ولا مؤشرات توحي بحلحلة في الجدل الحاصل، خصوصاً بعد نفي رئيس مجلس النواب نبيه بري اعتزامه القيام بأي تحرك لإعادة الروح إلى الاستحقاق الرئاسي، وربطه الدعوة إلى جلسة لانتخاب الرئيس بموافقة قوى المعارضة على ترشيح سليمان فرنجية (مرشح الثنائي أمل – حزب الله). ووسط هذه الأجواء، يعمل النائب المستقل الدكتور غسان سكاف على كسر الجمود الرئاسي من خلال مبادرة تقوم على اختيار اسم ثالث لينافس الاسمين الثابتين وهما فرنجية من جهة وقائد الجيش العماد جوزف عون من جهة أخرى. ويعبر سكاف في حديث لـ”اندبندنت عربية” عن رفضه ربط مصير الاستحقاق الرئاسي بموضوع غزة، لأن الانتظار هو خطر على البلد وعلى المستقبل، معتبراً أن الرئاسة لا يمكن أن تنتظر انتهاء الحرب لأن ذلك يعني انتظار من سيربح في غزة، ليتم تفصيل الرئيس على قياس النتائج. ويضيف سكاف أن المفاوضات الجارية حول الحدود البرية تتطلب وجود رئيس للجمهورية المناط به رعاية الاتفاقات الدولية، من ثم لا تسوية من دون رئيس ومن دون حكومة فاعلة. وإذ يشدد سكاف على أن الحركة الدولية الناشطة لإيجاد تسوية يمكن أن تكون حافزاً لانتخاب رئيس للجمهورية، يضيف أن التضامن مع غزة يمكن أن يحصل إنسانياً ودبلوماسياً ولكن لا يمكن أن يكون عسكرياً، واصفاً “الإشغال” في الجنوب بالمزحة الكبيرة لأن إسرائيل قادرة على تدمير لبنان بأقل من 24 ساعة، وسنحتاج إلى 24 عاماً لبنائه.
سكاف الذي التقى البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي ومطران الأرثوذكس إلياس عودة وعدداً من السفراء وسيستكمل لقاءاته مع رؤساء الكتل الأساسية، يسعى إلى تأمين توافق على مرشح ثالث، يحظى بموافقة الثنائي المسيحي (التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية) كما يقول، شارحاً إن المنافسة بين اسمين اثنين وسط الانقسام العمودي في مجلس النواب لن تخرق الجمود الرئاسي، في وقت إذا كان هناك ثلاثة مرشحين، يمكن في الدورة الثانية أن ينسحب واحد منهم للآخر، ما قد يسمح باستقطاب الكتلة الوسطية المترددة التي تتجنب الاصطفافات، وهي تتخطى الـ20 نائباً، شرط الاتفاق المسبق على عدم تعطيل النصاب والتعهد عقد دورات متتالية حتى انتخاب الرئيس. ويكشف سكاف أنه حالياً في مرحلة “جوجلة” الأسماء لاختيار الاسم الثالث الذي لا يشكل حساسية لأي فريق ويسمح باللعبة الديمقراطية أن تأخذ مجراها.