محليات
شارل جبور
هل من مصلحة أن تكون الانطلاقة “عرجاء”؟
30 . 01 . 202502 : 04 AM
السؤال الذي يتردّد على كل شفة ولسان: هل يعقل أن يتبدّل ميزان القوى الاستراتيجي على مستوى المنطقة، وأن تخسر الممانعة في غزة ولبنان وسوريا، وأن تتحضّر لجولة جديدة هدفها إيران تتوضّح معالمها بعد اللقاء بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، وأن ينقطع شريان تواصلها بين بيروت وطهران، وأن تخرج في لبنان من حربها مع إسرائيل بهزيمة موصوفة وتوقِّع على قرار استسلامها وتفكيك بنيتها العسكرية، وأن ترضخ لانتخاب رئيس لا تريده وتكليف ترفضه، وأن تؤجِّل موعدها في استشارات التكليف في رسالة ضد موقع الرئاسة الأولى، وأن تقاطع استشارات التأليف في رسالة ضد الرئاسة الثالثة، وأن تستعيد أسلوبها في استخدام الناس كوقود لمشروعها في الجنوب في تحدّ سافر لرئيس الجمهورية والرئيس المكلّف والجيش، وأن تستعرض موتوسيكلاتها في المناطق الآمنة في استعادة لأدوات تخريبية قديمة، وبالتالي هل يعقل بعد ذلك كله وغيره أن تتشكّل الحكومة وفقاً للمعايير نفسها التي كانت تتألّف فيها قبل “طوفان الأقصى”؟
الإجابة بالتأكيد :كلا. لم يتحمّل الشعب اللبناني كلّ ما تحمّله من حروب وموت وخراب ودمار وكوارث وانهيار وفشل وفساد من أجل أن يعود القديم إلى قدمه وكأن شيئاً لم يكن، خصوصاً أن الشعب استبشر خيراً بخطابي القسم والتكليف، ورأى أن قطار الدولة انطلق. وبالتالي، لا يجوز بأي شكل من الأشكال أن تكون الحكومة على صورة الحكومات القديمة.
إن الحكومة هي الأداة التنفيذية للدولة في مرحلة جديدة تتطلّب استكمال بسط سلطة الدولة على جميع الأراضي اللبنانية، وأن تُطلق عملية نهوض على المستويات المالية والاقتصادية، وأن تباشر ورشة إصلاح مؤسساتية، وأن تعمد إلى تعيينات بمعايير الكفاءة والجدارة، وأن تشعر معها الناس بالمساواة أمام القانون وتحت سقف الدولة.
كان الرهان والأمل بأن ما بدأ في الانتخاب والتكليف سيتواصل في التأليف. لكن ما يخرج من هنا وهناك لا يبشِّر بالخير مبدئياً. إن أي تأليف ليس على قدر تطلعات اللبنانيين يشوِّه صورة الانتخاب والتكليف. وهذا ما يفترض بالرئيسين إدراكه. لأن الناس وبعد عذاباتهم وتضحياتهم، ليسوا في وارد التسليف، ويتعاملون مع الجميع على القطعة، ويريدون أن يقبضوا الاستحقاقات “كاش” في صورة تجسِّد طموحاتهم بطبيعة المرحلة التي دخلها لبنان. ويخطئ من يعتبر أن لديه من الرصيد ما يكفي لتمرير حكومة “كيفما كان” لمجرّد تشكيل حكومة.
معلوم، أن “ما بني على خطأ فهو خطأ”. إن أي انطلاقة خاطئة تعني أن المسار كله سيكون خاطئاً. ومن ينتزع شروطه خلافاً للدستور وطبيعة المرحلة، على الرغم من التبدُّل الكبير في ميزان القوى، يستطيع أن ينتزع كل ما يريده بدءاً بالبيان الوزاري، وصولاً إلى دور الدولة السيادي والمالي والإصلاحي، وما بينهما التعيينات وإدارة شؤون الناس. فالتنازل يجرّ إلى تنازل. إما أن يحصل التغيير في الممارسة اليوم، وإلا فلن يحصل هذا التغيير غداً.
إن الكلام عن أن الحكومة هي انتقالية، وأنه لا بدّ من التسامح والتنازل إفساحاً في المجال أمام تأليفها لأن الحكومة التأسيسية تبدأ بعد الانتخابات النيابية، هو كلام خاطئ وليس في محله. فالمومنتم الدولي والمحلي الحالي قد لا يبقى على ما هو عليه. وهذا ما يراهن عليه الفريق الممانع الذي يريد تجاوز هذا المومنتم من خلال احتفاظه بسيطرته على الدولة العميقة، فيما من الضرورة ضرب الحديد وهو حامٍ بالاستفادة من تبدُّل ميزان القوى الاستراتيجي من أجل إحداث التغيير في بنية الدولة.
لا سيادة ولا إصلاح ولا تغيير ولا قضاء ولا أمن في حال واصل “الثنائي” الحزبي الشيعي إمساكه بالدولة العميقة. إن التحوّلات الاستراتيجية يجب أن تقود إلى تغييرات بنيوية في الدولة، ومن دونها ستبقى دولة فاشلة بكل المعايير والمقاييس. وهذا تحديداً ما يريده هذا “الثنائي” تحقيقاً لثلاثة أهداف أساسية:
الهدف الأول، الحفاظ على دويلته التي ينتفي وجودها في حال قيام دولة فعلية. وقيام هذه الدولة يُنهي وجوده ودوره. وبالتالي، يقوم بالمستحيل لمنع الدولة من أن تستعيد دورها.
الهدف الثاني، إبقاء دويلته بانتظار أن تعبر الرياح الدولية ويستعيد محوره دوره التوسّعي التخريبي. فهذا المحور يتواجد في بؤر الفوضى والدول الفاشلة. وبمجرّد أن تستعيد الدولة زمام المبادرة، يفقد المحور الممانع فرصة استعادة دوره في لبنان.
الهدف الثالث، إمساكه بالتمثيل الشيعي كأداة تعطيل وتخريب للدولة. فخسارته الإطباق على الطائفة، يفقده سلاح الفيتو الذي يستخدمه ويشهره في كل مرة يلمس الخطر على دويلته. إن احتفاظه بحصته الحكومية، وكأن شيئاً لم يحصل في لبنان والإقليم، يعطي إشارة بالغة السوء ليس فقط لمسيرة الدولة، إنما أيضاً للشيعة الأحرار الذين رأوا في التحوّلات الكبرى فرصة للتحرُّر من حالة الأسر والأمر الواقع المفروض عليهم. وآخر ما كانوا ينتظرونه هو أن يتم التعامل معهم على غرار ما حصل في العام 2005. علماً أن كسرهم الاحتكار يخدم مسيرة الدولة بكسر سلاح الفيتو المخالف للدستور، وبالتالي يجب مساعدتهم لا التآمر عليهم.
أخيراً، لا يجوز أن تكون الصورة الكبرى ناصعة البياض باندحار محور الممانعة الذي نشر الموت والفوضى في المنطقة، وأن تكون صورة الحكومة قديمة وسوداء.