فتح استهداف إسرائيل رئيس وحدة الارتباط والتنسيق لـ”حزب الله” المسؤولة عن العمل مع الأجهزة الأمنية اللبنانية وفيق صفا نقاشاً واسعاً حول إمكانية شمول بنك الأهداف الإسرائيلي القيادات السياسية في “حزب الله”، بعد أن اقتصر طوال الفترة الماضية على القيادة المركزية والقادة العسكريين إلى جانب أعضاء في الشبكة المالية المسؤولة عن التمويل، لا سيما أن دور صفا يدمج بين الشؤون الأمنية والسياسية.
وتشير المعلومات إلى أن استهداف وفيق صفا أثار مخاوف كثير من القيادات السياسية في “حزب الله” وحلفائه مما دفعهم إلى اتخاذ إجراءات أمنية استثنائية، وحتى بعضهم غادر لبنان إلى دول يعتقدون أنها تشكل ملاذاً آمناً في هذه المرحلة، لمتابعة التطورات ومعرفة إذا ما كان “السياسيون” باتوا جزءاً من توسيع الأهداف الإسرائيلية.
الخطوط الحمراء
في حين تضع أوساط سياسية لبنانية استهدافه في إطار قطع العلاقات “المؤثرة” بين السلطات والمؤسسات الرسمية اللبنانية و”حزب الله”، إذ برأيها منذ 20 سنة أنيط بوفيق صفا مهمة مراقبة “هامش” الحراك للجهات الرسمية والحزبية في لبنان، موضحة أن الحزب يضع ضوابط للعمل السياسي والحريات في البلاد وهو يختلف بين جهة سياسية وأخرى، وأن تجاوز “الخطوط الحمراء” يستوجب تدخلاً مباشراً من صفا لضبط الأمور.
وتشير إلى أن “ترهيب” القاضي طارق البيطار وتهديده أثناء تحقيقات تفجير مرفأ بيروت يعد من المهام المكلف بها بمنع تجاوز أي مؤسسة أمنية أو قضائية الحدود والهوامش المسموحة والمتاحة، إضافة إلى دوره في التدخل بتعيين الوزراء وترشيح النواب وتعيين العسكريين والأمنيين في المواقع الحساسة لا سيما من الطائفة الشيعية، والمراجعة في جميع الملفات الأمنية والقضائية والمالية التي يعدها الحزب استراتيجية.
“الشرطة” الموازية
ويستبعد مصدر أمني لبناني توسع الاستهدافات نحو وزراء ونواب من “حزب الله”، معتبراً أن الهدف من استهداف وفيق صفا هو قطع صلة الاتصال بين الحزب والدولة العميقة وكل الأجهزة الأمنية والقضائية في لبنان، إذ يعد بحكم موقعه ضابط الارتباط مع الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها.
ولفت إلى أن صفا هو قائد وحدة الارتباط والتنسيق، التي تعرف أيضاً بـ”اللجنة الأمنية” وهي بمثابة جهاز شرطة في مناطق نفوذ “حزب الله” لدى أفرادها بطاقات خاصة يستطيعون إبرازها للسلطات اللبنانية لتسهيل أمورهم.
صندوق أسرار
في المقابل يتخوف المحلل السياسي داوود رمال أن تنتقل إسرائيل من استهداف العسكريين في “حزب الله” إلى بدء تنفيذ اغتيالات على المستوى السياسي، وأضاف أنه “إذا انتقلت إسرائيل إلى هذه المرحلة فسيكون قد قطع كل الخيوط الممكنة لإمكانية الوصول إلى صفقة أو اتفاق مع الحزب برعاية دولية أو إقليمية”.
وأوضح أن “وفيق صفا هو رجل علاقات عامة وهو عضو دائم في أي وفد يقوم بزيارة خارجية”، وأن اختياره هدفاً يأتي لإتمام الجانب الإسرائيلي عمليات اغتيال قيادات الصف الأول، إذ يعد صفا من قيادات الصف الأول ويمتلك “صندوق أسرار” نتيجة دوره الأمني – السياسي في “حزب الله”.
وبرأيه فإن إسرائيل تريد القضاء على كل القيادات لإدخال “حزب الله” في مرحلة من الإرباك والضعف والتشتت الشديد.
الأجهزة الأمنية والمفاوضات
من ناحيته يشير الكاتب السياسي علي الأمين إلى أن صفا كان في الثمانينيات عضواً في اللجنة الأمنية في الضاحية الجنوبية، كما كان له دور في خضم الصراعات بين “حزب الله” وحركة “أمل”، لافتاً إلى أن الدور الأبرز الذي نشط به خلال السنوات الماضية هو التنسيق مع الأجهزة الأمنية والقوى والأحزاب السياسية، وكذلك إدارة ملفات التفاوض.
ويوضح أن صفا ليس من القيادات الأمنية الأساسية، لأن هذه القيادات تكون أسماؤها غالباً غير معروفة وغير معلنة، وهذا ما شهدناه في الاغتيالات التي حصلت، إذ إن معظم من اغتيلوا وكانوا يتولون مسؤوليات أساسية لم يكونوا معروفين لدى الرأي العام.
الفصائل الموالية
من جانبه أكد الكاتب الصحافي إبراهيم ريحان أن استهداف وفيق صفا يكشف عن تحول استراتيجية إسرائيل إلى استهداف القيادات السياسية في “حزب الله”، وتوسيع الاستهدافات في مختلف أنحاء العاصمة بيروت وعدم اقتصارها على الضاحية الجنوبية.
ورأى أن إسرائيل وسعت بنك أهدافها لتشمل أيضاً قيادات لفصائل عسكرية لبنانية وفلسطينية حليفة لـ”حزب الله”، مثل الجماعة المتطرفة و”حماس” والجبهة الشعبية، وأن استهداف هؤلاء قد يحصل في أي منطقة على الأراضي اللبنانية، وقد وصل إلى طرابلس أخيراً.
صلة الوصل
وكثيراً ما عُد صفا صلة وصل بين القوى الأمنية والسياسية اللبنانية والأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، الذي اغتالته إسرائيل الشهر الماضي. وحسب وزارة الخارجية الأميركية يلعب وفيق صفا، الذي فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات عليه عام 2019، دور قناة التواصل بين الحزب وقوات الأمن اللبنانية. كما أنه رئيس جهاز الأمن في “حزب الله” المرتبط مباشرة بالأمين العام الراحل حسن نصرالله.
وتتهمه واشنطن بـ”استغلال الموانئ والمعابر الحدودية اللبنانية للتهريب وتسهيل السفر بالنيابة عن ’حزب الله‘، وتقويض أمن الشعب اللبناني وسلامته واستنزاف رسوم الاستيراد والإيرادات القيمة وحرمان الحكومة اللبنانية منها”.
الرجل الثاني
وكان وفيق صفا، الذي ولد عام 1960 في بلدة زبدين، جنوب لبنان، وانضم إلى الحزب عام 1984، وعين رئيساً للجنة الأمنية عام 1987، بالنسبة إلى كثر، خصوصاً للزعماء والقادة السياسيين والأمنيين اللبنانيين، الرجل الثاني بعد نصرالله. وكان يتولى التفاوض والتنسيق باسم الحزب في كل الملفات نظراً إلى توليه إدارة العلاقات السياسية والخارجية والأمنية لـ”حزب الله”.
وتشير المعلومات إلى أنه لعب دوراً أساسياً في مفاوضات عام 2000، إثر اختطاف ثلاثة جنود إسرائيليين استعادت تل أبيب جثثهم عام 2004، وكان له دور أساسي في عملية تبادل الأسرى بين الحزب وإسرائيل في عام 2008.
وبرز اسم صفا ودوره بصورة أساسية إثر انسحاب القوات السورية من لبنان في عام 2005، إذ عد حلقة أساسية في عملية إعادة الترتيب الأمني للحزب، وفي سبتمبر (أيلول) 2021 تصدر اسم صفا وسائل الإعلام، بعد تهديدات وجهها إلى المحقق العدلي بقضية تفجير مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، بـ”اقتلاعه”.