في ظل الجمود والمراوحة بملف انتخاب رئيس جديد للبنان المتعثر منذ أكثر من 11 شهرا تتجه الأنظار إلى المبادرات الخارجية والتي كان آخرها الفرنسية وانطلاق مسعى استطلاعي قطري.
وتأتي المساعي الفرنسية والقطرية بعد فشل البرلمان اللبناني في 12 جلسة منذ سبتمبر/ أيلول 2022، كان آخرها بتاريخ 14 يونيو/ حزيران الماضي، في انتخاب رئيس جديد للبلاد خلفا لميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
المنافسة الرئيسية انحصرت بين جهاد أزعور مرشح المعارضة والقوى المسيحية الرئيسة والحزب التقدمي الاشتراكي وآخرين، وسليمان فرنجية مرشح الثنائي الشيعي “حزب الله” و”حركة أمل” وحلفائهما.
وفي آخر جلسة للبرلمان حصل أزعور على 59 صوتا، مقابل 51 نالها فرنجية، وتوزعت بقية الأصوات على مرشحين آخرين.
ومع الحديث عن فشل التحرك الفرنسي بعد زيارتين للموفد الرئاسي جون ايف لودريان، الأولى أواخر يوليو/ تموز الماضي والثانية أوائل سبتمبر/ أيلول الجاري، بدأ تحرك قطر مع موفدها جاسم بن فهد آل ثاني الذي يزور لبنان بعيدا عن الإعلام منذ بداية الأسبوع الماضي، للبحث عن تفاهمات بين المسؤولين لتسهيل انتخاب رئيس.
وأفادت قناة “الجديد” اللبنانية (محلية خاصة)، أن “الموفد القطري بدأ بتحضير الأرضية اللبنانية لزيارة سيقوم بها وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي في أكتوبر/ تشرين أول المقبل لاستكمال مسعى بلاده”.
وأضافت القناة أن “الموفد القطري قام بجولة على عدد من القوى السياسية اللبنانية، بعدما أوكلت اللجنة الخماسية لقطر مهمة إيجاد مخرج للأزمة الرئاسية”.
واللجنة الخماسية تضم ممثلين عن مصر وفرنسا وقطر والسعودية والولايات المتحدة، وتهدف لإيجاد مخرج للأزمة في لبنان، وتم تشكيلها في فبراير/ شباط الماضي، بعد فشل البرلمان في انتخاب رئيس للبلاد.
ويلف الغموض حول ما إذا كانت قطر المدعومة من اللجنة الخماسية قد تحل مكان فرنسا بعد عدم تجاوب القوى السياسية اللبنانية مع المبادرة الفرنسية التي اطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون.
وفي أغسطس/ آب 2020 أطلق ماكرون من بيروت عقب أيام من الانفجار الكارثي بمرفأ العاصمة اللبنانية، في 4 من ذات الشهر مبادرة تنص على تشكيل حكومة جديدة من “مستقلين” (غير تابعين لأحزاب)، على أن يتبع ذلك إصلاحات إدارية ومصرفية.
ويسأل مراقبون هل ستسهل إيران المهمة لقطر في لبنان في محاولة إقناع حلفائها “حزب الله و”حركة أمل” بعد نجاح دبلوماسيتها في سبتمبر الجاري، بعملية إطلاق سراح الأميركيين لدى طهران في مقابل تحرير الولايات المتحدة الأموال الإيرانية في الخارج.
وفي الأمم المتحدة كان لافتا الموقف الذي أطلقه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 78 أخيرا، حيث قال: “وفي لبنان الشقيق حيث أصبح الخطر محدقا بمؤسسات الدولة”.
وشدد على “ضرورة إيجاد حل مستدام للفراغ السياسي وإيجاد الآليات لعدم تكراره، وتشكيل حكومة قادرة على تلبية تطلعات الشعب اللبناني والنهوض به من أزماته الاقتصادية والتنموية، فمن المؤسف أن يطول أمد معاناة هذا الشعب الشقيق، بسبب الحسابات السياسية والشخصية”.
فشل المبادرة الفرنسية
المحلل السياسي لشؤون دول الخليج والشرق الأوسط رياض قهوجي، رأى أن الفرنسيين “فشلوا لأن أحزاب المعارضة اعتبرتهم متسامحين للغاية مع حزب الله من خلال محاولة إقناعهم بمرشحهم الرئاسي الوحيد المدعوم من حزب الله وحركة أمل سليمان فرنجية”.
وقال قهوجي للأناضول، إن المبعوث الفرنسي “فشل أيضا في محاولة إقناع المعارضة بضرورة دعم مبادرة رئيس البرلمان نبيه بري الداعية إلى الحوار بين جميع الأطراف لاختيار مرشح توافقي بدلاً من اتباع الطريقة الديمقراطية الدستورية (عقد جلسات مفتوحة لانتخاب الرئيس)”.
من جهته اعتبر الكاتب والمحلل السياسي جورج عاقوري، أن المبادرة الفرنسية “يشوبها خلل منذ بدياتها لأنها لم تقم على مبدأ المبادرة بل قامت على المساومة عبر طرح معادلة سليمان فرنجية القريب من حزب الله للرئاسة مقابل السفير نواف سلام القريب من السعودية لرئاسة الحكومة”.
وأشار إلى أن هذا “يعكس مقاربة خاطئة من قبل الفرنسيين لجوهر الاستحقاق الرئاسي في لبنان إذ يأتي في ظل تحلل مؤسسات الدولة وتأكلها في ظل انهيار اقتصادي”.
وقال عاقوري إن المبادرة الفرنسية “أصبحت في موت سريري وربما لم يتم الإعلان عن وفاتها حفاظا على ماء وجه الديبلوماسية الفرنسية”.
المبادرة القطرية ستأتي بطرح جديد
واعتبر قهوجي أن القطريين “يأتون بخيار جديد وهو طرح ثلاثة أسماء للرئاسة مستقلين ومقبولين من جميع الأطراف ومختلفين عن المرشحين السابقين اللذان فشلا في الفوز في يونيو الماضي”.
ورأى أن قطر “تحاول إقناع جميع الأطراف بإجراء جلسات برلمانية لانتخاب واحد منهم خاصة وأن القطريين لديهم علاقات جيدة مع كافة الأطراف في الداخل اللبناني، ولديهم علاقات جيدة مع إيران التي يمكن أن تؤثر على حزب الله”.
وذكر قهوجي أن للقطريين “تاريخ في مبادرات ناجحة في لبنان مثل اتفاق الدوحة عام 2008 الذي أنهى صراعا داخليا آخر حال دون إجراء انتخابات رئاسية حينها”.
وشكل “اتفاق الدوحة “برعاية قطرية في مايو/أيار 2008 نهاية لأزمة سياسية بين الموالاة (المدعومين من دول الخليج والغرب) والمعارضة (مدعومين من إيران والنظام السوري) استمرت 18 شهرا، وكادت تعصف بالسلم الأهلي اللبناني.
وأوجد الاتفاق الذي أنجز بين أقطاب الفريقين بضمانات عربية حلا لانتخاب رئيس للبلاد وتشكيل حكومة وحدة وطنية والاتفاق على قانون انتخابي.
من جهته أوضح عاقوري أنه “ليس دقيقا ما يحكى عن إحلال المبادرة القطرية مكان المبادرة الفرنسية فعليا”، مشيرا إلى أن المبادرة القطرية “كانت قائمة حتى عندما بدأت المبادرة الفرنسية”.
ولفت إلى أن “إعادة تفعيل المبادرة القطرية جاء بعد تراجع حظوظ وآمال فرنسا وعدم توصل المبادرة الفرنسية إلى أي نتيجة لأن المسالة في الحقيقة تتعلق بشكل أساسي بما يريده الفرقاء في الداخل اللبناني”.
استفادة من الأخطاء
يرى الكاتب والمحلل السياسي الأكاديمي عارف العبد، أن المبادرة القطرية “ستستفيد من أخطاء المبادرة الفرنسية التي تبنت أحد المرشحين المحسوب على إيران والنظام السوري ما أدى إلى تقارب قوى عديدة مناهضة لهذا المحور وهذا ما لن تقوم به قطر”.
وقال العبد للأناضول: “بحسب ما هو ظاهر فإن محور حزب الله ما يزال يقول إنه متمسك بمرشحه لكن يجب أن نرى النتيجة بعد المباحثات التي ستجريها قطر”.
وأشار إلى أن المبادرة القطرية “ستكون منطلقا جديدا لأغلب الأطراف للخروج من المأزق رغم صعوبة الأوضاع والخلافات في لبنان”.