تكثفت أخيراً الاجتماعات والمفاوضات للوصول إلى تهدئة في قطاع غزة، وإقرار اتفاق بين إسرائيل وحركة “حماس” يتضمن وقفاً للقتال وتبادلاً للأسرى ودخولاً منتظماً للمساعدات، بوساطة أميركية وقطرية ومصرية، كان آخرها اجتماع عقد في القاهرة أمس الأحد، ويأتي ذلك في أعقاب إصدار مجلس الأمن قراراً الإثنين الماضي طالب فيه بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان، مما لم يتحقق حتى الآن.
وكانت شبكة “سي أن أن” الأميركية نقلت عن ثلاثة مصادر قولها إن المفاوضات حول صفقة الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل و”حماس” وصلت إلى طريق مسدود آخر، لكنها لم تنتهِ بعد، فيما تحدث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال جولته الأخيرة في المنطقة عن “فجوات” في مواقف الطرفين. ووفقاً للشبكة الأميركية، وصف أحد الدبلوماسيين المحادثات بأنها “عالقة ولكنها مستمرة”، قائلاً إنه لا تزال هناك “مقترحات تتأرجح ذهاباً وإياباً”، وأكد مصدر ثانٍ أن الأطراف ما زالت منتظمة في المفاوضات لكنها “متوقفة موقتاً”.
وتتمحور جهود الوسطاء الدوليين بين إسرائيل و”حماس” بقيادة مصر والولايات المتحدة وقطر حول الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، بدءاً بالمدنيين وانتهاءً بالجنود، مقابل وقف الأعمال العدائية والإفراج عن السجناء الفلسطينيين ووقف إطلاق النار وإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة.
وكان أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس الدكتور جهاد الحرازين أشار في حديث صحافي إلى أن “كل الأطراف (مصر وقطر والولايات المتحدة) تعمل على قدم وساق لإيجاد خطوات في منتصف الطريق بين الجانبين من أجل الوصول إلى هدنة”، موضحاً أن “ما يعرقل الاتفاق هو تمسك كل طرف بموقفه، إذ وضعت “حماس” شروطاً لا تقبلها إسرائيل، وفي المقابل وضعت تل أبيب شروطاً لا يمكن أن تقبلها الحركة”، وأضاف أن “المفاوضات تراوح مكانها، ولا بد من تحكيم صوت العقل وإبداء مرونة أكبر والعمل على إنهاء معاناة الفلسطينيين”.
فما هي هذه الشروط و”الفجوات” التي تعرقل الوصول إلى اتفاق بين الأطراف المتنازعة في غزة؟
شروط الطرفين
يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس وعضو اللجنة المركزية لحزب العمل الإسرائيلي مئير مصري ضمن حديث إعلامي أنه “بالنسبة إلى إسرائيل، لن تتوقف الحرب قبل هزيمة حماس أو استسلامها قولاً واحداً لأنها في حرب وجودية اليوم وتراجعها أمام حماس، بغض النظر عن المبرر، سيفضي حتماً إلى انتصار أتباع إيران في المنطقة”، ويقول “لا شك في أن ملف المختطفين شائك وموجع، ولكنه ثانوي إذا ما قارناه بحجم الضحايا والخسائر التي تكبدتها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) وبأهمية الهدف الاستراتيجي من الحرب بالنسبة إلى إسرائيل، وهو القضاء نهائياً على سلطة حماس وإعادة بسط سيطرتها الأمنية على قطاع غزة”.
وفي السياق عينه، يعرب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب في حديث إعلامي عن اعتقاده بأن “الحركة تريد أن يتم إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين ووقف الحرب على غزة بصورة كاملة وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، إضافة إلى استمرارها في حكم القطاع”، معتبراً أن ذلك سيكون بالنسبة إلى “حماس” “بمثابة انتصار”، لكنه غير مقبول للطرف الإسرائيلي بأن تعود الحركة للحكم، وحتى بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني فلم يعُد مرحباً بوجودها في الحكم لأن هناك ألماً كبيراً حدث في غزة”، ويتابع أنه “بغض النظر عن كل هذا فإسرائيل تقترح اقتراحات غير مقبولة، ومنها مغادرة قيادات حماس القطاع وهذا الأمر لن تقبل به الحركة لا سيما جناحها العسكري”.
نقل كبار قادة “حماس” إلى خارج غزة
ومن بين وجهات النظر، سرت في الإعلام أحاديث سيناريوهات عدة حول مستقبل غزة بعد الحرب، ومنها ما عرض انتقال كبار قادة “حماس” إلى خارج القطاع، كما حصل عندما رحلت “منظمة التحرير” من لبنان إلى تونس ودول عربية إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.
ولم تقتصر السيناريوهات المطروحة على قادة “حماس” داخل غزة فقط، فذكرت وكالة “رويترز” في تقرير لها في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ونقلاً عن مسؤول أميركي، أن قطر أبلغت الولايات المتحدة بأنها منفتحة على إعادة النظر في وجود “حماس” على أراضيها بمجرد حل أزمة الرهائن لدى الحركة. وذكر المسؤول أنه تم التوصل إلى هذا التفاهم الذي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” للمرة الأولى خلال اجتماع بين وزير الخارجية الأميركي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خلال زيارة بلينكن للدوحة حينها، وقال المسؤولون الذين تحدثوا إلى الصحيفة بشرط عدم الكشف عن هويتهم، إنه لم يتقرر بعد إذا ما كانت إعادة التقييم المرتقبة ستؤدي إلى إبعاد قادة “حماس” من قطر، حيث يحتفظون منذ فترة طويلة بمكتب سياسي في العاصمة، أو إن كان الأمر سيقتصر على خطوات أقل من ذلك.
بدورها، أوردت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أوائل مارس (آذار) الماضي ونقلاً عن مسؤول في “حماس” ومسؤولين مصريين، أن قطر تهدد بترحيل كبار مسؤولي الحركة من مقرهم في الدوحة إذا لم يقنعوا قادتهم في غزة بالموافقة على صفقة تبادل الأسرى.
ووفقاً لتقرير الصحيفة الأميركية، فإن رئيس “حماس” في غزة يحيى السنوار الذي كان معزولاً إلى حد كبير عن المحادثات حتى وقت قريب، يطالب إسرائيل بالتزام مناقشة وقف دائم للأعمال القتالية خلافاً لرأي أعضاء كبار آخرين في الحركة، لكن عضو المكتب السياسي لـ”حماس” حسام بدران نفى صدور مثل هذا التهديد.
وكانت وكالة “نوفوستي” الروسية نقلت عن مصدر في “حماس” خلال أكتوبر الماضي قوله إن قيادة الحركة اتخذت قرار مغادرة تركيا بصورة مستقلة بعد محادثات مع الاستخبارات التركية وإن “الاستخبارات التركية التقت بقيادة الحركة في السابع من أكتوبر عند الساعة الـ10 صباحاً، وأبلغتها بأن السلطات التركية لن تتمكن من ضمان أمنها في البلاد في ظل التهديدات من قبل إسرائيل”. وأضاف المصدر أنه “بعد ذلك قرر قادة حماس مغادرة أراضي تركيا مع بدء الحرب (في قطاع غزة)”، مؤكداً أن قيادات الحركة اتخذت قرارها بصورة مستقلة من دون أي ضغوط من الجانب التركي، ونفى المصدر لـ”نوفوستي” صحة التقارير حول أن السلطات التركية طلبت من قيادة “حماس” مغادرة البلاد، على خلفية ما كان نشره موقع “المونيتور” بأن السلطات التركية طلبت من رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية مغادرة تركيا في السابع من أكتوبر مع بدء عملية “طوفان الأقصى”. بدورها، نفت السلطات التركية صحة هذا التقرير.
“حماس تقاتل على أرضها”
يقول المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية أحمد الأيوبي في حديث إلى “اندبندنت عربية” إن “فكرة إخراج قادة ’حماس‘ من غزة هي فكرة إسرائيلية أولاً وأميركية ثانياً يروج لها بعض الإعلام العربي بغض النظر عن الأماكن التي يُطرح ترحيلهم إليها”، ويتابع أنه “في الواقع، فكرة خروج قيادات حماس من غزة غير مطروحة بالنسبة إلى قيادة الحركة لأسباب عدة، منها أن قيادات حماس تقاتل على أرضها وليس على أرض بلد آخر كما حصل عندما أُخرجت منظمة التحرير من لبنان بعد الغزو الإسرائيلي وحرب النظام السوري عليها”، ويستبعد مثل هذا السيناريو ولا يراه ممكن التحقيق، ويضيف أن “الكيان الإسرائيلي يريد إخراج قادة حماس من غزة ليحقق بالشكل هدفه المعلن بالقضاء على الحركة فيتمكن من إعلان انتصاره، لكن البنية العسكرية للحركة ما زالت فاعلة في مختلف مناطق القطاع والهزيمة العسكرية لها ليست وشيكة مع الإقرار بخطورة الإبادة والتدمير الشامل الحاصل لقطاع غزة”. ويردف االأيوبي أن “الاحتلال الإسرائيلي يركز على شخص يحيى السنوار ومجموعته القيادية ليكون إخراجهم حفظ ماء الوجه بالنسبة إليه، لكن هذه المسألة غير مطروحة في مواقع القرار داخل حماس”.
وكان رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” إسماعيل هنية خلال زيارته إلى بيروت في سبتمبر (أيلول) 2020 صرح من مخيم عين الحلوة بعد لقائه الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله بأن “مخيمات الشتات هي قلاع المقاومة، ومنها صنعت الأحداث الكبرى وخرج منها الأبطال وفيها ظلت القضية حية”.
هل تنتقل قيادات “حماس” من غزة إلى لبنان؟
في أكتوبر 2023 وبعد اندلاع حرب غزة، صدر بيان عن حركة “حماس” في لبنان فتح باب التطوع للانضمام إلى ما عرّفت عنه بـ”طلائع طوفان الأقصى”، مما أثار عاصفة من الاستنكارات والاستهجانات على الصعيدين السياسي والشعبي اللبنانيين، ذلك أن البيان شكل قلقاً وفتح باباً لهواجس ومخاوف من عودة عمل المنظمات الفلسطينية أو ما يعرف بـ”الكفاح المسلح” من على الأراضي اللبنانية.
وقالت “حماس” حينها في بيانها إن هذه الخطوة تأتي “تأكيداً على دور الشعب الفلسطيني ضمن أماكن وجوده في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة والمشروعة، واستكمالاً لما حققته عملية طوفان الأقصى، وسعياً نحو مشاركة رجالنا وشبابنا في مشروع مقاومة الاحتلال والاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم العلمية والفنية”، داعيةً “الشباب والرجال الأبطال” إلى الانضمام لطلائع المقاومين والمشاركة في “صناعة مستقبل القضية الفلسطينية وتحرير القدس والمسجد الأقصى المبارك”، وعلى رغم أن “حماس” سارعت إلى إصدار بيان يوضح ما أعلنته عن تشكيل “طلائع طوفان الأقصى”، نافية عزمها تشكيل فصيل مسلح، إلا أن ردود الفعل لم تهدأ معبرة عن رفض مطلق لتوقيت ومضمون تلك الخطوة التي تمس السيادة اللبنانية والتي أتت في لحظة شديدة التوتر، إذ تسود المخاوف من اندلاع حرب شاملة في المنطقة على خلفية الحرب الدائرة بين إسرائيل و”حزب الله”، فضلاً عما مثله البيان من إعادة لعقارب الساعة إلى زمن ما كان يعرف بـ”حماس لاند” عشية اندلاع الحرب اللبنانية.
وقال مصدر فلسطيني مطلع من داخل مخيم “عين الحلوة” لـ”اندبندنت عربية” إنه “انتشرت بعض الأخبار في الفترة الماضية عن وجود ضغوط على القطريين لإخراج قادة حماس من الدوحة، لكن ذلك بقي ضمن نطاق الأخبار والتحليلات المتداولة”، مستدركاً أنه يقصد في حديثه الشخصيات المركزية في الحركة، إذ من الممكن بحسب قوله “أن تكون هناك شخصيات من الصف الثاني قد انتقلت إلى لبنان، لكن ذلك ليس جديداً، فوجود قياديين مثل صالح العاروري (اغتيل في الثاني من يناير/ كانون الثاني الماضي في الضاحية الجنوبية لبيروت) وأسامة حمدان وغيرهما قائم على الأراضي اللبنانية منذ فترة طويلة، لكن من المعلوم أن قيادات الصف الأول موجودة في قطر”.
بيروت وجهة فريق يحيى السنوار
ويشير تقرير لمركز “كارنيغي للشرق الأوسط” بعنوان “حماس في لبنان محطة أو قاعدة استراتيجية”، نشر بتاريخ 17 أكتوبر 2022 إلى أنه “منذ عام 2019 وعقب التطورات التي شهدها لبنان باتت بيروت حاضنة رئيسة لقيادات حماس ومحطة مهمة لوجودها السياسي والأمني. يأتي ذلك في ظل إعادة ترتيب العلاقة بين حزب الله وحماس التي بدأت منذ عام 2017 تزامناً مع تولي فريق يحيى السنوار والمعروف بتيار ’الأمن‘ داخل الحركة زمام المبادرة، واستبعاد جناح خالد مشعل من واجهة العمل السياسي بعد سنوات من انحياز الحركة لثورات الربيع العربي،لا سيما للثورة في سوريا”، ويتابع التقرير أنه “مع تزايد سيطرة فريق السنوار على قيادة حماس، جرت عملية إعادة تموضع سياسي استراتيجي للحركة عبر تولي إسماعيل هنية لرئاسة الحركة والذهاب بصورة تدريجية لربط العلاقة أكثر باتجاه الجانب الإيراني، لذا كان من البديهي الاستفادة من المساحة اللبنانية في ظل تقدم العلاقة التركية- الإسرائيلية وعدم قدرة قطر على احتضان نشاط حماس إلا في مساحات تمثيلية ضيقة”.
ويورد التقرير أنه بعد الأزمة التي حصلت بين الدوحة من جهة ودول مجلس التعاون الخليجي ومصر من جهة أخرى عام 2017، “أصبحت بيروت قبلة بعض مسؤولي حماس، ففي صيف 2018 استقبلت بيروت نائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري الذي يتنقل بينها وطهران وإسطنبول، غير أن تركيا لم تعُد اليوم في المدار السياسي ذاته، فهي تشهد تقارباً مع إسرائيل وانعكس ذلك في عدم قدرة إسطنبول على القيام بالدور نفسه في استضافة اجتماعات قادة الحركة”.
ويتابع تقرير “كارنيغي” أن بيروت أضحت “محطة دائمة لقادة حماس مثل المسؤول عن العلاقات العربية والإسلامية خليل الحية والمسؤول عن ملف الأسرى والجرحى والقتلى زاهر جبارين، وكلاهما من الوافدين حديثاً بعد تقارب تركيا مع إسرائيل، مما دفع حماس إلى جعل لبنان أحد أهم مراكز حضورها السياسي ومن ثم الأمني والعسكري”، موضحاً أن “قرار حماس بتوسيع حضورها الأمني والعسكري في لبنان يخدم الهدف الذي أطلقته قيادات عدة في محور الممانعة وهو ’توحيد الجبهات والساحات‘ ويندرج في استراتيجية حماس الجديدة مع السنوار، أي خلق مساحات جديدة ’لاستهداف إسرائيل‘، ليكون لبنان إلى جانب غزة والضفة الغربية والداخل الإسرائيلي. وبغض النظر عن حجم الوجود العسكري للحركة في لبنان، من الواضح اليوم أن هناك توجهاً لربط الساحة اللبنانية بالجبهات كافة حين اندلاع المواجهة المقبلة المحتملة مع إسرائيل”.
أما المتخصص في الأمن الوطني والدفاع ودراسات الحرب والاستراتيجيا الجنرال المتقاعد يعرب صخر، فيقول في حديث إلى “اندبندنت عربية” إن “حماس بدأت تخرج من الجغرافيا والتاريخ، لكن في الفترة الأخيرة ظهر تساؤل عن ماذا بعد غزة، وحضرت مشهدية 1982 عندما رحّلت إسرائيل المقاتلين الفلسطينيين من الجنوب اللبناني الذين كانوا سبب الاجتياح إلى تونس”، ويردف أن “اليوم لا يوجد بلد خاضع للقانون والعلاقات الدولية يستطيع أن يستقبلهم لأن الحمساويين لن يتمكنوا من ممارسة نشاطهم إن كان سياسياً أو عسكرياً أو تخريبياً من ذلك البلد، لذا سيبحثون عن أي بقعة ليمارسوا نشاطهم، والبقعتان الأكثر خصوبة هما لبنان واليمن”، مرجحاً أن “اليمن هو الأقرب لاستقبالهم، إذ توجد فيه مساحات شاسعة واقعة تحت سيطرة الحوثيين، وتلك المساحات خارجة عن إطار القانون الدولي والاتفاقات الدولية”.