كمن يغادر قصة غير مكتملة، ومشروعاً مشرّعاً على الإحتمالات الجميلة.
كمن يغادر دفتر مواعيد مكتظّاً مع قراء مجهولين وأيام غامضة فيها من السحر بقدر ما فيها من الإحباط.
كمن يغادر إيقاعات اعتادها، وإلفة مكان، وعناوين معلّقة على الجدران.
كمن يغادر طيف ابتسامة لا تزال تتجول في فضاء الجريدة للشهر السابع والعشرين بعد الموت.
كمن يغادر حلبة الملاكمة قبل صافرة الحكم، فلا هو خرج منتصراً ولا هو خرج مهزوماً ولا هو خرج بالتعادل الفاتر. النتيجة معلّقة حتى إشعار آخر.
كمن يغادر قسراً عطراً يسكن رئتيه منذ ولادة الورد.
كمن يغادر فنجان قهوة مرّة ومكثّفة تنشط الأفكار الخاملة.
كمن يغادر حركة السير المرصودة من نوافذ الطابق السابع وضجيج الملاعب المسموع والملون بحيوية الأولاد والآباء.
كمن يغادر الجيران الأعزاء وليس بينه وبينهم لا خبز ولا ملح ولا سلام ولا كلام ولا حتى مشكل على الموقف.
كمن يغادر زاوية مفتوحة على الأحداث والناس لينزوي في صمت موقت.
كمن يغادر التفاصيل الصغيرة والصخب والأصوات العالية من شاشة والمخفوضة الطالعة من وشوشة.
كمن يغادر دنياه الحلوة غير متمم واجباته الدنيوية.
كمن يغادر طقوس الثرثرة المسلية بين كتابة مقطع وإضاعة فكرة.
كمن يغادر مدرسته شبه مطرود لا لسوء تصرفاته أو لسوء فهمه قواعد التربية بل لأن والده عجز عن دفع قسط تعليمه.
كمن يغادر غرفة المحقق، قبل إقفال المحضر.
كمن يغادر كمتفرّج، مسرح الدمى قبل أن يطلق البطل صلية صواريخ خشبية على المشاهدين.
كمن تغادر غرفة الولادة على عجل وهي على وشك وضع مولودها الآتي بعد عقم طويل.
كمن يغادر أرض معركة وجودية وذخيرته لم تُمسّ بعد.
كمن يغادر شفتين قبل اشتعال قبلة.
كمن يغادر المائدة و»بعينو» شرحة بيتزا طازجة تناديه ونصف كوب بيرة مثلج.
كمن يغادر القطار على عجل تاركاً أحلامه على المقعد وعيناه على النافذة.
هكذا أغادر جريدة «نداء الوطن».