يبقى ذلك مثيراً للاشمئزاز ولو أننا عايشناه سابقاً، خصوصاً عقب احتلال وسط بيروت الذي أدّى إلى «اتفاق الدوحة» مكرّساً الانقلاب على «الطائف» عبر «ثلث معطل» كان «جائزة» اجتياح العاصمة والجبل، ونعاني آثاره الكارثية اليوم تعطيلاً استنسابياً للمؤسسات بتوقيع وزير مال صار «سوبر وزير».
لا يزال «الفيلم الإيراني الطويل» من بطولة الأطراف نفسها التي حجزت الاستحقاق الرئاسي سنتين ونصف السنة عقب انتهاء ولاية ميشال سليمان، إلى أن أفرجت عنه بمنحة حصولها على ميشال عون، فلم يخيِّب أملها وشجّعها على تكرار الأسلوب نفسه للظفر برئيس يبزُّه وفاءً وولاءً. وهي لذلك عطّلت النصاب في 12 «جلسة متتالية» (تعبير استحدثه الرئيس بري ليخفي واجب عقد «جلسة مفتوحة بدورات متتالية»). أما الهدف فهو انتظار أن تثمر الضغوط على المطالبين بتطبيق الدستور، فيذهبون صاغرين للبصم على مرشح الممانعة بحجة أنهم «أم الصبي»، أو أن تُنجز صفقة ترضي استكبار خاطف الرهائن الثلاث: بعبدا والدستور واللبنانيين، وتحقق مصالحه.
تجري المناداة بالحوار، كما لو أنّ حامل المطلب مكسور الخاطر، مهيض الجناح، لا حول له ولا قوة أمام مستبدّ غاشم ولا بديل أمامه سوى اجتراح حل سلمي متجذّر في تقاليد اليونان القدماء ومستلهَم من «وأمرهم شورى بينهم». أما واقع النيات والممارسات فخداعٌ خلاصته أقل من «لويا جيرغا» لتكريس المغالبة وسيلة دائمة عند أي امتحان دستوري.
بحجة الواقعية والحوار فُتح بازار المقايضات: مطارٌ للسُنَّة الرماديين مقابل فرنجية. حاكم مركزيّ وقائدُ جيش ولامركزية لجبران باسيل مقابل رئيس ممانع وثلاثية «جيش شعب مقاومة»، وهلمّ جرّا…
لحسن الحظ أنّ هناك من لا يزال مصراً على احترام الدستور، ويقول «لا»، ليس للخصم المحلي المعروف التوجه والأهداف فحسب، بل أيضاً للموفد الفرنسي الذي أراد تسجيل إنجاز لديبلوماسية ماكرون خارج الأعراف المتبعة في الديموقراطيات وبعيداً عن «القيم الجمهورية» للدولة الفرنسية. وفي هذا الإطار، لعلّه وجَب سؤال لودريان: البراغماتية اقتضت أيضاً تأييد حكومة فيشي والخضوع للنازية، فلماذا رفض الفرنسيون؟
طأطأ كثيرون رؤوسهم زمن الوصاية السورية، فطارت الرؤوس ونهبت البلاد. وبالمنطق نفسه يجري التعامل اليوم مع انتهاك «محور الممانعة» الأصول البرلمانية وتعطيله الاستحقاقات.
هناك دائماً ما هو أقل كلفة من الخضوع للابتزاز… هذه المرّة، لا.