وفي الداخل، تقدّم مشهد الاعتداء الجديد على السفارة الأميركية في عوكر شرق بيروت واجهة الأحداث، وهو الاعتداء الثاني خلال أشهر، علماً بأن الأول وُضِع في خانة الأسباب الشخصية، وأنه ناتج عن خلاف وقع بين عامل توصيل وأحد حراس السفارة.
أما الثاني، الذي نفذه 3 مسلحين أحدهم سوري أوقف بعد إصابته، أخذ طابع انتماء المنفذ إلى تنظيم إرهابي، علماً بأنه قبل أيام كان الجيش اللبناني قد أعلن توقيف خلية تنتمي إلى تنظيم داعش كانت تحضّر لتنفيذ عمليات.
يأتي ذلك في ظل الكثير من التسريبات الأمنية، التي تتحدث عن استعادة بعض الخلايا الإرهابية لنشاطها على الساحة اللبنانية، ما يفتح النقاش حول حقيقة الوضع الأمني.
وبالنسبة للاعتداء على السفارة الأميركية فإن الأنظار تركزت على انتماء المجموعة المنفذة إلى «داعش»، مع تضارب في المعطيات حول عددها، إذ تحدثت بعض المصادر عن سوري واحد أطلق النار وبرفقته شخص آخر، في حين أفادت معلومات أخرى بوجود 3 ورابعهم سائق، ألقت الأجهزة العسكرية القبض على أحدهم وأُدخل المستشفى في حالة حرجة.
كما سُجِّل حادث أمني آخر في محيط السفارة السعودية في بيروت، أقدم خلاله أحد عناصر حماية السفارة على الانتحار، ما سيدفع الكثيرين إلى الإغداق بالتحليل حول الترابط بين الحدثين.
في المقابل، يأتي الاعتداء على السفارة الأميركية قُبيل أيام قليلة من زيارةٍ سيجريها قائد الجيش جوزيف عون لواشنطن للقاء العديد من المسؤولين وأعضاء في الكونغرس، ما يوسّع إطار التحليل ليشمل إيصال الرسائل بأن هناك خطراً أمنياً حقيقياً في الداخل اللبناني، ولا بد من ضبطه، وسط صعوبات تتصل بالقدرة على ضبط الوضع العسكري في الجنوب، وفي ظل الرهان على دور الجيش اللبناني في تطبيق القرار 1701.
أما التطورات العسكرية التي يشهدها الجنوب، مع تواصل العدوان على غزة، فلم يبق مسؤول إسرائيلي لم يُجرِ زيارة لحدود لبنان في الأيام القليلة الماضية.
وخلال زيارة لبلدة كريات شمونة الحدودية، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أمس، الجاهزية لشن عملية مكثفة للغاية لإعادة الأمن للمنطقة الشمالية المحاذية للبنان.
ودعا حليفاه المتطرفان وزيرا الأمن إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش في الأيام الأخيرة إلى التحرك بصورة عاجلة لإعادة الأمن إلى الحدود مع لبنان.
وكمؤشر على ارتفاع منسوب اهتمام الإسرائيليين بهذه الجبهة، خصوصاً بعد ضغوط كثيرة تعرضوا لها من سكان المستوطنات الشمالية الذين اتهموا الحكومة بأنها تخلّت عنهم، ومارسوا ضغوطاً كثيرة حول ضرورة اتخاذ إجراءات لتغيير الوقائع العسكرية على الجبهة مع لبنان، لتمكينهم من العودة إلى منازلهم.
وقبل أيام، أجريت استطلاعات رأي كانت نتيجتها أن 55 في المئة من الإسرائيليين يؤيدون شن حرب ضد «حزب الله» بعد الانتهاء من العدوان على غزة وإنجاز صفقة تبادل الرهائن. في المقابل، تكاثرت مواقف المسؤولين الإسرائيليين حول الاستعداد لشن عملية عسكرية واسعة ضد الحزب.
في ظل هذه الأجواء لا تزال تتضارب المعطيات والمواقف في إسرائيل، إذ إن قرار الحكومة باستدعاء الآلاف من جنود الاحتياط يرتبط باحتمال توسع الحرب ضد «حزب الله»، الأمر الذي نفته هيئة البث الإسرائيلية نقلاً عن الجيش بأن هذا الاستدعاء لا يرتبط بالجبهة اللبنانية.
في المقابل، فإن الجناح المؤيد للحرب يؤكد أنه لا بد من توجيه ضربة قوية للحزب قبل الوصول إلى اتفاق، لأن الحزب عمل على ضرب كل مفهوم الردع الإسرائيلي، وساهم في أذية كبيرة للكبرياء الإسرائيلي، وبالتالي لا يمكن لإسرائيل أن تغض النظر عنه.
وبعض الإسرائيليين الذين يصرون على ضرورة توجيه ضربة كبيرة للحزب عبر أيام قتالية، يعتبرون أن الحرب الكبيرة التي شنوها على قطاع غزة كانت بسبب فقدان مفهوم الردع، والأمر نفسه حصل في الشمال، ولذلك لا بد من استرجاع هذا المفهوم.
في هذا الإطار تكشف مصادر دبلوماسية أن الاتصالات والمساعي الدولية لا تزال قائمة في سبيل منع تدهور الأوضاع العسكرية بين «حزب الله» وإسرائيل، وهناك نشاط أميركي متجدد في هذا الإطار، وقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنها لا توافق على حرب مفتوحة في لبنان، وأن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، لكنها في المقابل أكدت أن الاتصالات مستمرة لاحتواء تصعيد الصراع على الرغم من مخاطره.