رسمت فلسفة التفكير البعيد الأمد الشائعة في وادي السيليكون إطاراً للجدل حول الذكاء الاصطناعي يتركز على فكرة انقراض الإنسان، وسط انتقادات متزايدة تحذر من خطورته.
وبات البعض ينتقد أكثر فأكثر هذه الفلسفة، منبهاً إلى أن هاجس الانقراض يصرف الانتباه عن المشكلات الحقيقية المرتبطة بهذه التكنولوجيا، كسرقة البيانات والخوارزميات المتحيزة.
وقال الكاتب إميل توريس الذي كان من أتباع فلسفة التفكير البعيد الأمد قبل أن يصبح من معارضيها، متحدثاً لوكالة الصحافة الفرنسية، إن هذا المذهب يقوم على مبادئ مماثلة لتلك التي شكلت في الماضي أساساً لتبرير القتل الجماعي والإبادة.
فلسفات منتشرة
لكن الواقع أن الحركة والأيديولوجيات المرتبطة بها مثل فلسفة “ما بعد الإنسانية” الساعية لتعزيز القدرات العقلية والفيزيائية من خلال التكنولوجيا، وفلسفة “الإيثار الفعّال” الباحثة عن أفضل سبل من خلال “الدليل والمنطق” لإفادة الآخرين، تلقى انتشاراً واسعاً في جامعات مرموقة مثل أكسفورد وستانفورد وعبر قطاع التكنولوجيا ككل.
ويقوم مستثمرون كبار في قطاع التكنولوجيا أمثال بيتر ثيال ومارك أندريسن بتمويل شركات تعمل على إطالة أمد الحياة ومشاريع أخرى على ارتباط بهذا التيار.
ووقع إيلون ماسك وسام ألتمان، رئيس شركة “أوبن أي آي” الأميركية المطورة لبرنامج “تشات جي بي تي” الشهير، رسالتين مفتوحتين كان لهما وقع مدوٍّ، حذرا فيهما من أخطار انقراض البشرية جراء الذكاء الاصطناعي، غير أن منتقديهما يؤكدون أنهما يستفيدان من تأكيدهما على أن مشاريعهما وحدها يمكن أن تنقذنا.
فلسفة “خطيرة”
وبمواجهة هذا الجدل المتشعب، يرى معارضو هذا التيار الفكري الذي يبقى هامشياً، أن تأثيره على النقاش العام حول مستقبل البشرية مبالغ فيه.
ويتركز فكر أنصار هذا التيار الفلسفي على مستقبل بعيد يغزو فيه البشر الفضاء ليستوطنوا عوالم جديدة، ويؤكدون أن لدينا واجبات تجاه كل فرد من هذا المستقبل لا تقل عن واجباتنا تجاه أقراننا اليوم، لا بل يعتبرون أن وزن تلك البشرية المقبلة أكبر من وزن البشرية اليوم، بما أن عددهم سيزداد بشكل هائل.
ورأى إميل توريس الذي صدر له كتاب بعنوان “انقراض البشرية: تاريخ علم وأخلاقيات الفناء”، أن هذا النوع من التفكير يجعل هذه الفلسفة “خطيرة حقاً”.
وأوضح أن النظرية تقوم على مبادئ استخدمت في الماضي لتبرير مجازر وإبادات. وقال “حين تكون لديكم رؤية يوتوبيّة للمستقبل” تقترن “بمبادئ أخلاقية نفعيّة تملي أن الغاية يمكن أن تبرر الوسيلة، فهذا خطير”.
نهج تحسين النسل
ولدت فلسفة التفكير البعيد الأمد من أعمال الفيلسوف السويدي نيك بوستروم في التسعينات والعقد الأول من الألفية، حول الخطر الوجودي و”ما بعد الإنسانية”.
لكن الباحثة تيمنيت غيبرو ترى أن فكر “ما بعد الإنسانية” على ارتباط منذ ولادته بمبدأ تحسين النسل. والواقع أن عالم الأحياء البريطاني جوليان هاكسلي الذي ابتكر عبارة “ما بعد الإنسانية” كان أيضاً من منظّري نهج تحسين النسل.
ولطالما اتهم بوستروم بتأييد هذه المبادئ. وفي يناير (كانون الثاني)، قدم الفيلسوف الذي يترأس “معهد مستقبل البشرية” في جامعة أكسفورد اعتذاراته بعدما أقر بأنه كتب رسائل عنصرية على الإنترنت في التسعينيات.
وأكد عندها “هل أنني مؤيد لوسائل تحسين النسل؟ لا، ليس بالمعنى الذي تفهم به هذه العبارة بصورة عامة”.
وعلى رغم هذه المشكلات، ما زال أنصار فلسفة الأمد البعيد يحصدون إشادات من شخصيات كبيرة في أوساط التكنولوجيا أمثال سام ألتمان.
الخطاب المهيمن
وفي هذه الأثناء، يسعى توريس وغيبرو وآخرون لإعادة تركيز النقاش حول المشكلات الفعلية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي مثل سرقة حقوق الملكية الفكرية والتحيز المعرفي وتركيز الثروات في أيدي بعض الشركات.
غير أن هذه الأصوات تجد صعوبة في فرض نفسها في ظل الخطاب المهيمن، برأي إميل توريس.
وقال المؤرخ، “الكلام عن انقراض البشرية، عن حدث حقيقي يحمل نهاية العالم ويقضي خلاله الجميع، أكثر إثارة بكثير من الكلام عن عمال كينيين يتقاضون 1.32 دولار في الساعة أو فنانين وكتاب يتعرضون للاستغلال”.