قانون النقد والتسليف واضح في نصوص البنود المتعلقة بحصول فراغ في مركز الحاكمية، حيث يتولى النائب الأول مسؤولية صلاحيات الحاكم، ريثما يتم تعيين حاكم أصيل. وثمة واقعة مماثلة حصلت في أواسط الستينات حيث تولى النائب الأول للحاكم، أورغليان مسؤولية إدارة البنك المركزي، بعدما إستقال الحاكم فيليب تقلا، وإتخذ يومها أورغليان قرارات كبيرة، قضت بعدم مد بنك إنترا بالسيولة اللازمة، والتسبب بخضة مصرفية كبيرة، بسبب توقف أكبر بنك في الشرق الأوسط، في ذلك الزمن، عن الدفع، وتم إعلان إفلاسه، وملاحقة رئيسه وأعضاء مجلس إدارته وتوقيفهم، وكان بينهم عدد من الوزراء والنواب السابقين.
من حق النواب الأربعة أن يُطالبوا بالتغطية القانونية لإستخدام ما تبقَّى من أموال المودعين في الإحتياطي الإلزامي، ولكن ليس مبرراً تهديدهم المتكرر بالإستقالة والتهرب من المسؤولية، مهما كانت المبررات، خاصة إذا كانت مجرد أعذاراً واهية، وغير مقنعة، وضررها أكبر من نفعها، على المستويين الشخصي والعام.
ثمة نقطة أخرى أثارت «نقزة» في الأوساط النقدية والشعبية على السواء، عندما سارع نواب الحاكم إلى التنصُّل من السياسة النقدية والمصرفية التي كان يتبعها سلامة، وأصدر بشأنها العديد من التعاميم والقرارات، وكان بعضها يتم تنفيذه في نهاية إجتماعات المجلس المركزي الذي كانوا يشاركون في جلساته، ويوقّعون على بعض محاضره.
أداء رياض سلامة في السنوات الأخيرة كان موضع إنتقادات واسعة، من الهندسات المالية ذات الفوائد العالية التي إستفاد منها مصرف معين، إلى السكوت عن مسايرة المصارف بعد إندلاع الأزمة على حساب حقوق المودعين، الذين تحولوا بين ليلة وضحاها من «زبائن درجة أولى»، كما كانت تعاملهم المصارف، إلى مجموعات من الضحايا والمعوّزين، بعد نهب ودائعهم، وتبديد المليارات منها على الدعم الفاسد للمواد الغذائية والنفطية، إستجابة لضغوط المنظومة السياسية الفاسدة.
ولكن نواب الحاكم لم يكونوا بعيدين عن هذا الواقع، وبالتالي لا يحق لهم التصرف وكأنهم أبرياء من «دم الصدّيق»!