وفي حين يركّز التحرك الخارجي نحو بيروت – كما الذي يحمل «برميل بارود» الجنوب إلى أكثر من عاصمة وعلى أكثر من منبر – على الفصل بين الجبهة اللبنانية وبين حرب غزة، على قاعدة «مرحلة انتقالية» تسكب مياهاً باردة وتتيح عودة النازحين على مقلبيْ الحدود ريثما «تدق أجراس» نهاية الحرب في القطاع الذي يتحوّل «أشلاء»، وهو ما يرفضه «حزب الله» الذي يصرّ على تَلازُم المساريْن، فإن معاودة «مجموعة الخمس» حول لبنان التي تضمّ كلاً من الولايات المتحدة، المملكة العربية السعودية، فرنسا، مصر وقطر، تشغيل محركاتها في ما خص الأزمة الرئاسية يرتكز على مسعى لفكّ الارتباط بين الرئاسة والحرب ومآلاتها لاعتباريْن:
– أولاً تَلافياً لترْك هذا الملف رهينة لعبة «موازين القوى» التي ستفرضها وقائع الميدان عندما تنطفئ آلة القتال والقتل، وتالياً عرضةً لتسويات أو مقايضاتٍ.
– وثانياً تعبيراً عن الحاجة الملحّة لوجود رأس للدولة لملاقاة المرحلة المفصلية في المنطقة التي تقف على مشارف تحولاتٍ تاريخية، وما يُعدّ للبنان انطلاقاً من جبهة الجنوب من تفاهماتٍ تتطلّب عجلة حُكْم تعمل بالكامل، رئاسةً وحكومة وبرلماناً، وليس أقلّها بلوغ اتفاق يفكّك عناصر النزاع البَري مع إسرائيل (استعادة لبنان النقاط 13 المتنازَع عليها وبت مسألة الشطر اللبناني من قرية الغجر وربما إيجاد صيغة ما لمزارع شبعا المحتلة) وذلك بما يحوّل تطبيق القرار 1701 خصوصاً جعْل جنوب الليطاني منطقة منزوعة السلاح بمثابة «تحصيل حاصل».
وبمعزل عما إذا كانت «الخماسية» ستنجح في الفصل بين الأزمة الرئاسية والتطورات الحربية جنوباً وفي غزة، باعتبار أن هذا الأمر مرهونٌ بموقف «حزب الله» (ومن خلفه إيران) الذي يتمسّك حتى الساعة بمرشحه سليمان فرنجية، فإن عودة مجموعة الخمس إلى الواجهة من باب نشاط سفرائها في بيروت والكلام عن استعداد لاجتماع ممثلّيها قريباً وعلى الأرجح في السعودية، عَكَسَ وجهاً جديداً للمعاينة الخارجية للوضع اللبناني.
وفي هذا الإطار، تشير أوساط سياسية إلى اقتناعٍ خارجي تعزَّز في ضوء ما شهدته الأسابيع الأخيرة من زجّ للبلاد في عين عاصفة النار في غزة والتصاق الحكومة بموقف «حزب الله» الرافض لأي تهدئة جنوباً قبل وقف حرب غزة، لجهة الحاجة إلى رئيسٍ من خارج الاصطفافات الفاقعة يكون قادراً على وضع لبنان على تَقاطُع مع «هبّة الانفراجات» التي يمكن أن تجد المنطقة نفسها في قلبها بحال توقفت الحرب وفُتح مسار حل الدولتين، كما على تعزيز قدرته على الصمود ومراعاة مصالح لبنان أولاً إذا طالت الحرب وتدحرجت نحو الأسوأ.
بخاري وأماني
ولم يكن عابراً أمس وعشية زيارةٍ سيقوم بها السفير السعودي في بيروت وليد بخاري لرئيس البرلمان نبيه بري توطئةً لزياراتٍ سيُجْريها سفراء الخماسية معاً الأسبوع المقبل على مختلف الرؤساء والقوى السياسية والمرجعيات الروحية، أن يستقبل بخاري في دارته في اليرزة السفير الإيراني مجتبى أماني.
وفيما أشارت المعلومات الرسمية عن اللقاء إلى أنه تخلله «استعراض لأبرز التطورات السياسية الراهنة على الساحتين اللبنانية والإقليمية، بالإضافة إلى العلاقات الثنائية بين البلدين، وتبادل الرؤى في العديد من القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك»، فإن تقارير تحدثت عن أنه تناول عمل اللجنة الخماسية والملف الرئاسي في شكل عام وأنه في سياق عودة العلاقات السعودية – الإيرانية إلى مَجاريها منذ نحو عام.
وإذ نقلت قناة «الجديد» اللبنانية عن بخاري «اننا مجتمعون على حب لبنان وشعبه»، أشارتْ إلى أن السفير السعودي اعتمد جواب «عدم النفي وعدم التأكيد» رداً على سؤال حول إذا كانت إيران ستنخرط في عمل «مجموعة الخمس».
وفي موازاة ذلك، استوقف أوساطاً سياسية في شكْل الزيارة، وهي الأولى للسفير الإيراني لدارة السفير السعودي، حصولها في الخيمة العربية، وما تختزنه من الثقافة والعادات البدوية، في مؤشرٍ أيضاً إلى الطبيعة الودية للقاء، معتبرةً أن بخاري الذي يقوم بحِراكٍ بارز في الفترة الأخيرة إنما يعبّر عن اهتمامٍ سعودي مباشر بالواقع في لبنان وملفه الرئاسي، ما يشكّل رسالة بالغة الأهمية حيال أن الرياض ستحتضن «المرحلة الجديدة لبنانياً» إذا عَرف اللبنانيون اقتناص فرصة التوافق على رئيس بمواصفاتِ مصلحة بلدهم والتحديات الجمّة التي يواجهها منذ الانهيار المالي المستمر منذ أكثر من 4 أعوام.
وكان السفير المصري في لبنان علاء موسى أشار في حديث تلفزيوني الى أنه «رغم وجودها للمساعدة، إلا أنه لا يمكن للخماسية فرض أي قرار على لبنان»، موضحاً أن «معايير الرئيس المقبل لم تأتِ من الخماسية بل من لبنان في ضوء الردود التي قدّمها النواب والكتل البرلمانية للموفد الفرنسي جان – أيف لودريان، وعلينا التحرك معاً مع الأطراف اللبنانية»، كاشفاً أنه «حتى الآن لم يُحدد موعد أو مكان للاجتماع الخماسي لكننا نسعى لتحقيق ذلك في أسرع وقت».
ولفت إلى أن «لا مقاربة جديدة للمجموعة، بل إعادة تشغيل محركات بعدما لمَسْنا من القوى اللبنانية أن هناك رغبة ونيات حسنة لحلحلة الملف وهذا ما شجع الخماسية على أن تزيد من سرعة تحركها بعض الشيء».
وقال: «سمعنا من مختلف القوى النغمة واللغة نفسها الإيجابية، وهذا شجّعَنا على الذهاب الى هذه المرحلة من التواصل المباشر»، وأضاف: «سنذهب الى القوى السياسية ونقول لهم هذا ما توافقتُم حوله في ما خص المعايير في الأعمّ، أن يكون الرئيس يحمل نفَساً وطنياً يُعْليه على الحزبيّ وصاحب رؤية وغيرها من النقاط، وننتظر من هذه القوى أن تأتي بأسماء وليس بالضرورة واحد او اثنان، ربما أكثر، ونجلس ونبحث في التي تنطبق عليها هذه المعايير، وتختار القوى اللبنانية أحدها».
جبهة الجنوب
وفي موازاة ذلك، لم تسترح جبهة الجنوب، من غاراتٍ مكثفةً من إسرائيل التي أعلنت بالتوازي مع قصفها للعديد من البلدات جنوباً أن «طائراتنا قصفت مبنى عسكرياً في منطقة مارون الراس كان يقيم فيه عناصر من حزب الله»، وعمليات من الحزب ضد مواقع وتجمعات اسرائيلية.
ولم تنظر بيروت بارتياح لِما أبلغه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو من «ان إبعاد حزب الله عن الحدود يشكل غاية وطنية بالنسبة لدولة إسرائيل، على أساس مبادئ قرار مجلس الأمن 1701. ويمكن تحقيق هذه الغاية من خلال سبل ديبلوماسية أو سبل أخرى».
وعلى الموجة نفسها أكد وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت لنظيره الفرنسي انه «حتى لو أوقف حزب الله إطلاق النار من جانب واحد فإننا لن نفعل، حتى نضمن عودة سكان الشمال، وفي حال وقعت الحرب في الشمال فستكون صعبة بالنسبة لإسرائيل لكنها ستكون مدمرة لـ(حزب الله) ولبنان».
في سياق متصل، نُقل عن الناطق الرسميّ باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر قوله عبر منصة «بلينكس – blinx» ان الولايات المتحدة مازالت تحاول استكشاف جميع الخيارات الديبلوماسية مع الطرفين الإسرائيلي واللبناني لاستعادة الهدوء وتجنّب التصعيد بينهما.
وحول إمكان تأثر المفاوضات بالمناوشات على الحدود والحرب الدائرة في غزّة، أوضح ميلر أن الولايات المتحدة أكدت مراراً وتكراراً أنها لا تدعم الصراع المستمر الذي يمتد إلى لبنان. وكشف عن سعي الولايات المتحدة إلى حلٍ ديبلوماسي يمكّن المدنيين الإسرائيليين واللبنانيين من العودة إلى ديارهم والعيش في أمن واستقرار، على طول الحدود بين البلدين.