في الجزء الثالث من سلسلة الحلقات التي تستضيفه ضمن برنامج “وفي رواية أخرى” يواصل الوزير اللبناني الأسبق محسن دلول الحديث عن محطات هامة عايشها في لبنان، وعلاقاته مع مسؤولين لبنانيين بينهم رفيق الحريري.
ويتحدث دلول عن صعود اسم رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري في عالم السياسة في لبنان والمشاريع والأهداف التي أراد تحقيقها بعد انتهاء الحرب الأهلية.
كما يشرح الصعوبات والعقبات التي واجهها الحريري خلال رئاسته للحكومة اللبنانية خصوصًا مع خصومه السياسيين في الداخل والخارج وصولًا إلى اغتياله عام 2005.
ويروي أنه نصح الحريري بعدم الدخول في “وحول السياسة” إلا أن رئيس الوزراء الأسبق لم يستجب له نظرًا إلى أنه كان يعتقد أن عليه خدمة وطنه.
دلول يرى أن الحريري الذي كان يعيش في المملكة العربية السعودية هو أول ثري يستذكر ماضيه قبل أن يعود إلى لبنان ويساعد أصدقاءه القدامى ويعيد ترتيب أوضاعهم، فضلًا عن التبرعات التي كان يقدمها للمدارس والجمعيات الخيرية وتقديم منح للطلاب.
دخول الحريري إلى السياسة اللبنانية
وحول أهداف الأعمال الخيرية والمساعدات التي كان يقدمها للطلاب وغيرهم، يقول محسن دلول إن الحريري أبلغه أنه إذا لم يقدم على هذه الأعمال فسينشأ جيل غير متعلم سيلجأ أفراده إلى الانخراط في الميليشيات للقتال.
وردًا على سؤال حول ما إذا كانت هذه الأعمال لأهداف سياسية يجيب الوزير الأسبق: “لا أعتقد ذلك لأن الحريري لم يميز في أعماله بين الطوائف، ولم يفرض أي شروط على من يستفيدون من تقديماته”.
وعن الدور الذي لعبه بعدما تولى حقيبة الدفاع بعد الحرب الأهلية اللبنانية، يقول دلول إنه تمنى في ذلك الوقت اختصار فترة خدمة العلم نظرًا إلى تأثيرها على الإنتاج خصوصًا وأن فترتها كانت تبلغ نحو سنتين، كما اقترح إلغاءها لاحقًا بسبب انتفاء دورها الذي كان يقضي “بزيادة الانصهار الوطني داخل المؤسسة العسكرية”.
ويضيف أنه بتلك الفترة أعيد إنشاء المؤسسة العسكرية التي كانت تقوم على ألوية وتنظيمات طائفية، لافتًا إلى أن قائد الجيش حينذاك العماد إميل لحود لعب دورًا بهذا الأمر إلى جانب عدد من الضباط ومساعدة من رئيس الجمهورية إلياس الهرواي والرئيس الحريري، بهدف تكوين جيش وطني.
استحداث مسؤوليات جديدة في الجيش اللبناني
ويؤكد أنه تم استحداث مسؤوليات جديدة في الجيش على غرار المجلس العسكري بعدما كانت كل الصلاحيات في السابق محصورة بشخص قائد الجيش.
ويلفت إلى أن أول من ساعد بتسليح الجيش اللبناني بعد الحرب الأهلية هو الجانب السوري الذي قدم دبابات ومدافع وأسلحة خفيفة، ويتحدث عن مساعدات مالية سعودية كانت ترد إلى لبنان عند الأزمات المالية، إضافة إلى مساعدات أخرى من قطر والكويت والإمارات.
دلول يرى أن مهمته كوزير للدفاع في حينه لم تكن سهلة في ظل وجود وجهات نظر متناقضة حول بناء الجيش، مشيرًا إلى أن متضررين كثرًا لم يكونوا يرغبون ببناء الجيش بتلك السرعة بعد الحرب.
وتحدث دلول عن رفض قيادات مسيحية دخول أفراد ميليشياتها إلى الجيش بعد الحرب في الفترة الأولى.
ويروي أن الحريري كان يميل في حكوماته للاستعانة بفريق عمل يعرفه عن قرب ويثق به ممن عملوا معه في السعودية وغيرها من البلدان، الأمر الذي كان يلقى معارضة من بعض القوى في لبنان.
خلافات رفيق الحريري وإميل لحود
إلا أن دلول يلفت إلى أن الحريري عدل عن هذه الإستراتيجية في ما بعد بعدما لاحظ أن ليس كل من ينجح في إدارة الأعمال في مكان ما قد ينجح أيضًا في العمل الحكومي في لبنان.
وتحدث الوزير الأسبق عن محاولاته لحصر وإزالة الخلاف بين رفيق الحريري وإميل لحود (بات رئيسًا للجمهورية في تلك الفترة) من خلال جلسات في منزله بين الرجلين إلا أنه لم ينجح في ذلك، معتبرًا أن هناك من كان يحرض لحود على الحريري.
وردًا على سؤال حول الدور السوري في الخلاف بين لحود والحريري، يقول دلول إن الجانب السوري كان يحاول إجراء مصالحة بين الرجلين، مؤكدًا أن مجموعة من المخابرات اللبنانية كانت تحرض لحود على الحريري.
ويلفت إلى أن لحود كان مقتنعًا بأن الحريري عمل مع دمشق والجانبين الأميركي والفرنسي للتجديد للهراوي لولاية ثانية لمنعه من تولي رئاسة الجمهورية.
وقبل التمديد للحود عام 2004 لمدة 3 سنوات إضافية في رئاسة الجمهورية، يقول دلول إنه سمع أن لقاء سريعًا جرى آنذاك بين الحريري وبشار الأسد طلب الأخير فيه من رئيس الوزراء الأسبق التفكير في التمديد للحود وتقديم جوابه للعميد رستم غزالة الذي كان مسؤول المخابرات السورية في لبنان في ذلك الوقت. وفي حينه أبلغ الحريري غزالة موافقته على التمديد.
تهديدات ورسالة سورية إلى رفيق الحريري
ويروي دلول أنه كان بالإمكان حينها تأمين أغلبية نيابية لإسقاط التمديد للحود، إلا أن الحريري قال له إنه لا يرغب بإغضاب الجانب السوري رغم أنه كان غير مقتنع وغير موافق على هذه الخطوة.
ويؤكد أن تهديدات كانت تصل لرفيق الحريري إلا أنه لم يكن يأخذها على محمل الجد، وكان يعتبر أنه مؤمن وبالتالي له حصانة من الله على حد تعبير دلول.
ويروي الوزير اللبناني الأسبق أنه وعندما كان في زيارة لسوريا طلب منه عبد الحليم خدام إيصال رسالة إلى الحريري مفادها: “سلم عليه واطلب منه الرحيل، نحن لا نريده”، إلا أن الحريري ضحك ولم يأخذ الرسالة على محمل الجد بحسب دلول.
وعن دور الحريري بالقرار 1559 (يدعو إلى إجراء انتخابات رئاسية حرة في لبنان وانسحاب القوات الأجنبية ونزع سلاح الميليشيات) يقول دلول: “بمعلوماتي أن الحريري لم يكن له دور فيه بل للعماد ميشال عون بواسطة مجموعة لبنانية سوقت له”.
اغتيال رفيق الحريري
وحول اتهام سوريا بالمسؤولية عن اغتيال الحريري عام 2005، يقول دلول إن المحكمة الدولية برأت دمشق من العملية، واتهمت عنصرين من حزب الله بتنفيذ العملية”.
وشدد على أنه لا يمكن دائمًا وضع المسؤولية في عملية اغتيال ما في مكان واحد، لأنها قد تكون شاملة بشكل أكبر وقد تتوزع على أكثر من فريق واحد.
دلول وردًا على سؤال حول ما اذا استطاع سعد الحريري أن يملأ الفراغ الذي تركه والده، يقول: “من الصعب جدًا على أي إنسان مهما كبر شأنه أن يملأ الفراغ الذي أحدثه غياب أو تغييب رفيق الحريري”.
وأشار إلى أن أصواتًا علت بعد اغتيال رفيق الحريري تنادي بالزعامة لنجله بهاء، معتبرًا أن الأخير ارتكب خطأ خلال خطاب ألقاه في دفن والده، عندما نادى المحتشدين بعبارة “يا قوم”.
ويروي أن السعودية طلبت من عائلة الحريري الخروج من السياسة ومغادرة لبنان إلى المملكة بعد عملية الاغتيال، وهناك تدخل الملك عبد الله لتولي سعد الحريري الشأن السياسي مكان والده.