نحن نعرف أن كلاما كهذا في ظروف صعبة كالتي تمر على اللبنانيين ربما يُفهم على أنه تنظير أو كلام بعيد عن الواقع و بالتالي لا معنى له .
لكن ما سنكتبه في هذا المقال هو شعور كل من عايش تلك الفترات السوداء من تاريخنا و كل من وضع جهداً و تعباً و دماءً في سبيل حرية مجتمعنا و حقه بالحياة في وطن آمن .
نحن ندرك أن ما يحدث عندنا هذه الأيام فاق و بأشواط قدرة كثر منا على الإحتمال لذا نرى أهلاً و إخوة لنا يبحثون عن أي فرصة للخروج من لبنان مهما كانت الوسيلة و هذا حقهم الذي لا يمكن لأحد مناقشتهم به .
لهؤلاء الإخوة نقول ... لن نعطيكم المواعظ لأن أغلبكم دفعوا أثماناً كثيرة ماضياً و حاضراً في سبيل لبنان و لم يعودوا قادرين على دفعها بعد الآن … جلّ ما نطلبه منكم أن تُبقوا لبنان في قلوبكم و لا تنكروه لأنه عذبكم و أذلّكم و آذاكم .
تذكروا دائماً انتم يا فقراء و مساكين مجتمعنا أننا دفعنا ثمن هذا الوطن آلاف الشهداء و الجرحى و المعوقين و تذكروا أن هذه الأرض كلفت نضالات امتدت لمئات السنين ليكون لنا هوية و بطاقة تعريف نفخر بها بين شعوب هذا العالم .
اذهبوا الى اصقاع الأرض لتحصِّلوا قوتكم و لقمة عيشكم فهذا حق مقدس لا جدال فيه و لكن و عندما تتحسن أوضاعكم تذكروا الأرض التي جئتم منها و انقلوا حكاياها و أخبارها للأجيال الآتية … ارسلوا ابنائكم الى لبنان … عرّفوهم عليه و اتركوا صلة وصل بينكم و بينه …
لن نقول لكم لا ترحلوا فلا حق لنا بذلك … نطلب منكم شيئاً واحداً فقط … إحملوا لبنان في قلوبكم الى الأبد و لا تجعلوا غضبكم ينسيكم معاناة الآباء المؤسسين ليحققوا وطناً حرّاً لأبنائهم .. لا تنسوا قنوبين و إيليج و البطاركة الشهداء … لا تنسوا رعاياكم و كنائسكم و مزاراتكم … لا تنسوا صلبانكم التي رفعتموها فوق القمم علامة أبدية على وجودنا الحر في هذا الشرق المظلم … لا تنسوا قراكم بطرقاتها و مشاويرها و السهر الجميل …. لا تنسوا مدافن أهلكم و أحبائكم و تراب لبنان الذي رويناه معاً بالدم و العرق … أحفروا كل شيء في أعماق ضمائركم و خذوه معكم حيثما ذهبتم .
أخيراً … فئة أخرى سنتوجه بكلامنا لها أيضاً في هذا المقال ليس لوماً أو عتاباً أو ما شابه لا سمح الله فلكل منا الحرية في قراراته و خياراته …
سنتوجه لكم و بمحبة … انتم الفئة التي ما زالت قادرة على البقاء في ارضنا لأن أوضاعها المعيشية و العملية ليست بسوء أوضاع الآخرين .
سنسألكم فقط بعض الأسئلة المشروعة :
لماذا تهاجرون ؟؟ لمن سنترك هذه الأرض ؟؟؟ ألم يعطيكم لبنان كلّ شيء عندما كان معافى ؟؟؟ الا يستحق لبنان التحمُّل بعض الوقت و القيام ببعض جهد و تعب من أجل إصلاحه ؟؟
لهذه الفئة نقول أيضاً و بمحبة … لم يسأل من استشهدوا على طريق النضال عن شيء و ربما كان بينهم إخوة و أهل لكم … هم ذهبوا للموت بإرادتهم و قدموا أغلى ما عندهم "حياتهم" .. ألا تستحق دمائهم و تضحياتهم منكم صبراً قليلاً علّها تزهر في وقت ما وطناً على قدر أحلامهم و أحلامنا ؟؟؟
ربما هكذا كلام صار كغيمة صيف عابرة و لم يعد من أحد يأخذه على محمل الجد … لكن تمهلوا و تمعنوا في صور شهدائنا ووجوههم … تمعنوا في تاريخنا قليلاً … استعيدوا للحظات معاناة الأجداد في الجبال الوعرة و قساوة طبيعتها و الأهم تذكروا أن لبنان هويتكم و انتماءكم مها ارتحلتم في هذه الدنيا و سيظل اسمكم لبنانيون حتى لو حصلتم على كل الهويات الأخرى في الكون .
أنظروا حولكم الى كل الشعوب التي فقدت هويتها و أوطانها و شاهدوا ما حلّ بها من الفلسطينيين الى الأكراد و كل من شابَهَهُم في هذه الأرض و تعلموا الا تفرطوا بسهولة بإرث آبائكم .
في الختام … لا تنسوا أن الوطن كالضَّنى عندما يتعب يحتاج لأهله كي يتعافى و يقف من جديد