و رغم المعوقات الضخمة اتي تعترض هذا التحول و أولها أن هذا الحزب أنشأ بالأساس ليكون منظمة عسكرية تمارس الأعمال الحربية بشكل أساسي مع بعض الإضافات الثانوية الضرورية كالإنخراط في العمل السياسي اللبناني لضرورات مرحلة أو لحاجة ما كما حصل بعد انسحاب الجيش السوري عندما اضطر للدخول بقوة الى الساحة السياسبة ليرث تركة نظامه في لبنان و يقود المحور بدلا عنه .
و لكن العمل السياسي لهذه المجموعة يبقى الإستثناء و ليس القاعدة لسبب أساسي و جوهري و هو أيديولوجيته و عقيدته الدينية و التي تفرض عليه أن يكون جزءاً من أمته الدينية و بالتالي هو لا يستطيع الإعتراف بحدود دول أو كيانات و بينها لبنان فكيف سيوفق بين نظرته العقائدية و الدور الجديد المفترض أن يلعبه مستقبلاً ؟ لا أحد يملك الجواب الشافي و بكل الأحوال هذا ليس موضوع مقالنا .
جميعنا سمعنا الكثير من الانتقادات عند اختيار الشيخ نعيم قاسم لقيادة حزب الله و السبب الأساسي لتلك الإنتقادات بأن قاسم شخصية مغمورة نسبياً و ليس لديها المواصفات المطلوبة للقيادة ، فهو رجل فكر و تنظير عقائدي لا رجل ميدان و ساحات و حروب و قتال .
ربما أتى اختيار قاسم في مرحلة ما لملأ فراغ كبير خلّفه اغتيال اسرائيل للقيادات الأساسية للحزب و خلفائهم المحتملين فلم يبقى في “الميدان سوى حديدان” كما يقول المثل الشعبي فوقع الإختيار عليه لقيادة المرحلة , و لكن و بحسب ما بدأ يتبين اليوم يوحي تعيينه أيضا بدور مناط به أكبر بكثير من ذلك و ربما يكون دوراً تاريخياً لهذا الرجل في حزب الله الجديد .
يتسلم قاسم قيادة حزب الله في مرحلة مصيرية من تاريخه و هو على مفترق طرق قد يكون الأخطر في تاريخه ، الإنتقال من زمن العسكرة و الحروب الى زمن آخر لا يشبه الحزب و علّة جوده بالأساس ، فالواضح ان المطلوب دولياً إنهاء الدور العسكري للحزب , و الأوضح أيضا بعد صفقة وقف النار أن إيران الراعية الأساسية لهذا الذراع قد وافقت على ذلك و من هنا يأتي الدور المحوري و ربما التاريخي لرجل كقاسم .
دائماً عند المفترقات الخطرة و التحولات الكبرى التي تكرسها موازين القوى خاصة ان أفرزت غالب و مغلوب تأتي شخصيات هادئة و مرنة لتطبيق تلك التسويات على الأرض ، فغورباتشيف كان آخر زعيم للإتحاد السوفييتي و هو الذي أشرف على تفكيكه و انجاز اتفاقات “التطبيع” مع الغرب بعد انهيار ذلك الإتحاد اقتصادياً و اجتماعياً من الداخل و من المعروف عن غورباتشيف هدوءه و حكمته الكبيرة و استشرافه الثاقب للمستقبل لذا استطاع نقل بلده من مرحلة الى أخرى بأقل قدر من الخسائر و هذا هو تحديدا المطلوب اليوم من أي قيادة مستقبلية للحزب .
ربما ستكون مرحلة نعيم قاسم في الحزب مشابهة لحقبة الزعيم السوفييتي غورباتشيف بأفعالها و نتائجها و تأثيرها على مستقبل تلك المجموعة لسنوات و سنوات ، فإذا كان المطلوب اليوم تحويل الحزب من العسكرة الى العمل السياسي ما من شخصية أفضل من قاسم لإدارة هذا الإنتقال ، فهو شخصية فكرية بالدرجة الأولى توحي بأنها مسالمة و ليس قائد عسكري يخوض الحروب و المعارك و يعمل على تعبئة الجماهير .
الأرجح أن مرحلة نعيم قاسم في حزبه ستكون كمرحلة غورباتشيف عند تفكك الإتحاد السوفييتي .. الإشراف على الإنتقال السلمي من زمن الى آخر ، إن حصل ذلك سيمرّ كل شيء بسلاسة و هدوء و سيكون انتقالاً منقذاً للطائفة الشيعية بالدرجة الأولى و للكيان اللباني ثانياً باقتناع دولي و لو متأخر بتحييد لبنان عن الصراعات و الحروب .
و رغم كل العقبات التي قد تعترض هذا التحول يبقى الإتفاق الدولي-الإيراني إن تم تنفيذه أقوى منها جميعاً و سيزيلها حتماً من طريق تنفيذ خطوات المستقبل الآتي و الذي سيكون مبشراً و مرضيا للجميع إن سارت الأمور كما يجب .