تفاجأت الأجهزة الأمنية والقضائية بسلوك خاطفي منسق «القوات اللبنانية» في جبيل باسكال سليمان طريق الشمال وصولاً إلى عكّار، ومنها إلى الحدود السورية، وذلك بدلاً من سلوك طريق ضهر البيدر- البقاع أو جرود جبيل، وهذا الأمر أعطى مؤشّراً على تبدّل عمل العصابات والطرق التي تسلكها والبؤر التي تحتمي فيها. ويرفض أبناء وفاعليات عكّار استعمال أراضيهم للجرائم المنظمة، ويطالبون الدولة ببسط سلطتها على جميع الأراضي وضبط الأمن.
ولا توجد في عكّار بيئة حاضنة للإرهاب أو الجريمة المنظمة، فمنطقة عكّار هي خزان الجيش اللبناني ومؤسسات الدولة الأمنية والجميع مع مشروع الدولة، وتشكّل نموذجاً للتعايش السنّي- المسيحي- العلوي، ولم تنتقل أحداث جبل محسن وباب التبانة السابقة إلى أرض عكّار، كذلك يُعتبر المكوّن المسيحي فاعلاً في المحافظة المستحدثة، مُمثلاً بـ3 نواب.
وتحاول الأجهزة الأمنية ملاحقة التطوّرات الأمنية، لكن ضعف القدرات يساعد العصابات وأصحاب المشاريع المشبوهة على التحرّك بطريقة سهلة، وشكّلت عكّار مأوى للنازحين السوريين منذ عام 2011، قبل أن يتسبّب هذا النزوح في اختلال اقتصادي وديموغرافي، وتطالب الفاعليات العكارية بإيجاد حلّ جذري لهذه المشكلة بعيداً عن السياسة والعصبيات لأنها مشكلة وطنية.
ومع ضعف الحضور الأمني ومسلسل الانهيار الذي يضرب الدولة، وجد بعض الجماعات في الفقر المدقع وتردّي الأوضاع الاجتماعية بيئة حاضنة لفكره وأهدافه، لذلك تظهر مخاوف حقيقية من انتشار الفكر «الداعشي» في بعض البلدات العكارية مستغلةً حاجة الناس وفوضوية الانتشار السوري.
وفي التفاصيل، بدأت المخاوف تظهر في بعض البلدات العكارية على الحدود اللبنانية – السورية، إذ هناك محاولة لنشر الفكر «الداعشي» وتأليف مجموعات شابة. وتطوّرت هذه المخاوف بعد إقدام مجموعات على مهاجمة المدافن الإسلامية في بلدة حدودية وتسويتها بالأرض باعتبار أنّ بعض المعتقدات «الداعشية» تقضي بعدم ارتفاع المقابر عن سطح الأرض. هذه الحادثة أثارت القلق في نفوس القيادات العكارية الإسلامية، وتتابع الأمر بعد ظهور مظاهر في بلدة عكارية أخرى من جهة المنية، وفي هذه البلدة باتت الأمور مكشوفة أكثر، إذ فيها شيخ يُلقّب نفسه بـ»أمير داعش» ويتواصل مع عدد من المشايخ، ويتحرّك من أجل جذب الشباب السنّي ويعدهم بإقامة «الإمارة الداعشية» المنتظرة.
وتترافق هذه المظاهر مع كلام على دفع أموال من أجل تجنيد الشباب، تُضاف إليه معطيات أخرى عن شراء أسلحة بكميات كبيرة لتلك المجموعات. وشهدت تجارة الأسلحة حركة ناشطة في الفترة الأخيرة، وساهمت في كل ذلك سهولة التحرّك على الحدود وعدم وجود مراقبة فاعلة. وأتى الاستعراض المسلّح الذي قامت به «الجماعة الإسلامية» في عكار ليزيد مخاوف التدهور الأمني تحت عنوان «نصرة فلسطين»، مع الإشارة إلى رفض كوادر في «الجماعة» الفكر «الداعشي».
ويرتفع منسوب الخوف مع الكلام على عدم اقتصار الناشطين الجدد على لبنانيين، بل يوجد معهم سوريون وبعض الفلسطينيين من المخيّمات، وكما تُستغلّ حاجات بعض العكاريين إلى النقود، قد يتمّ استغلال أوضاع النازحين السوريين واستعداد بعضهم للقتال من أجل إيجاد بؤر توتّر» خصوصاً أنّ أعداد النازحين في عكّار تتجاوز 300 ألف نازح.
وتتابع مخابرات الجيش وفرع المعلومات رصد المجموعات وجمع المعطيات، والوضع يحتاج إلى معالجة فورية، في حين تجنّدت قيادات عكّار السنّية سواء السياسية أو الدينية لمتابعة هذه المسألة ومنع استعمال عكّار ساحة لإمرار الرسائل أو إثارة التوترات أو نشر الفكر المتطرّف.
نجحت مرجعيات طرابلس والدولة في ضرب أي مشروع لإقامة «إمارة داعشية» في طرابلس في عزّ فورة «داعش» في العراق وسوريا والعالم، وبالتالي هل انتقل المشروع «الداعشي» ليجرّب حظه في عكّار وسط الإنهيار الحاصل؟ أو هي حالات فردية غير منظّمة؟ أم أن الأيدي الخارجية تحاول اللعب في عكار ولبنان تحت عنوان «داعش» والتطرّف؟ أسئلة برسم الأجهزة الأمنية.