في السياق، يشير الخبير المصرفي والقانوني خالد شاهين، في حديث لـ”اندبندنت عربية”، إلى أن “الهدف من القرار، رفع سعر صرف العملة إلى مستوى السوق السوداء من أجل تحديد نقاط الضعف، ويعد خطوة تحضيرية لتوحيد الأسعار، وذلك بناءً على إعلان حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري تثبيت سعر الصرف عند 85500 ليرة على منصة ’بلومبيرغ‘ المرتقبة لثلاثة أشهر، شريطة أن تصدر الدولة القوانين المطلوبة”.
ويلفت إلى أن “هذه الفكرة نوقشت في أول أغسطس (آب) من العام الحالي، حين أعلنوا أنه يجب توحيد سعر الصرف شرط تحريره، خصوصاً أن إحدى شروط صندوق النقد الدولي لدعم الاقتصاد المحلي أن تكون العملة حرة لتعكس واقع الاقتصاد”.
تداعياته على الوضع النقدي
وعن مدى تأثير القرار الجديد على الوضع النقدي، يلفت شاهين إلى أن “منصة صيرفة لم يكن تأثيرها كبيراً على خزينة المصرف المركزي، ولكن يستفيد منها موظفو الدولة الذين يحصلون على رواتبهم بسعر 85 ألفاً ويبيعونها بسعر 89 ألفاً لزيادة دخلهم بشكل طفيف. وبالتالي، تأثيرها على السوق محدود، لكنها تعطي أريحية للناس”.
ويضيف، “القرار الجديد هو بمثابة ’جس نبض‘ للسوق وستقوم الدولة بدراسة تأثيراته الاقتصادية بعد إلغاء منصة صيرفة”، معتبراً أن “هذه الدراسة ضرورية لفهم كيفية توجه السوق في المستقبل”، بحيث لم يعد بالإمكان الاعتماد على سعر الصرف السابق البالغ 15 ألف ليرة لبنانية للدولار فيما سعر السوق السوداء يلامس 90 ألفاً، بل يجب إجراء تعديلات على التعميم رقم 151 لتوافق السعر الجديد المقدم من منصة بلومبيرغ”، وهي منصة ستحل مكان منصة “صيرفة” الحالية لتحديد سعر الصرف.
تأثيره في السوق
أما بالنسبة لتأثير السعر الجديد على أسعار السلع والخدمات والتضخم، يشرح شاهين أنه “عند ارتفاع السعر الرسمي من 15000 ليرة لبنانية إلى 89500 ليرة من دون وجود رقابة على أعمال التجار قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع مفرط في الأسعار على المدى القصير. أما على المدى المتوسط، سيحتاج الأفراد إلى التكيف مع هذا التغيير من خلال تعديل الرواتب وشروط العمل الجديدة، لكن الواقع المالي الحقيقي سيظهر مع وجود سعر موحد وسط تضخم الأسعار. أما على المدى البعيد، في حال أقرت القوانين المالية العالقة، فسيكون لدى لبنان القدرة على استعادة فرصته من جديد”.
سياسات نقدية فاشلة
وفي العودة إلى أساس مشكلة لبنان مع تدهور الليرة، يوضح شاهين أن “تثبيت العملة عند قيمة معيّنة يشير إلى تدخل مصرف لبنان في السوق، سواء بالشراء أو البيع، لضمان استقرار النقد، وذلك لا يتم إلا من خلال استخدام أموال المودعين، وهو أحد الأسباب الرئيسة وراء أزمتنا الحالية، حيث تم الاعتماد على سعر 1500 ليرة لبنانية للدولار على مدى 30 عاماً باستخدام أموال الناس”.
ويشير الخبير إلى أنه “كانت هناك تدفقات نقدية طبيعية، ولكن بعد توقفها ظهرت الأمور على حقيقتها”، لافتاً إلى أنه “لحل الأزمة النقدية اليوم، على المصرف المركزي أن يتخذ خطوات لتحرير العملة، بإشراف صندوق النقد، من خلال العمل أولاً على وقف التدخلات في السوق، وسيتم ذلك عبر منصة ’بلومبيرغ‘”.
أهمية القوانين المصاحبة
ويرى شاهين أنه “عندما اتفقوا على منصة ’بلومبيرغ‘، كان من الأجدى العمل على قوانين مصاحبة لتثبت فعاليتها مستقبلاً في تنظيم عملية شراء الدولار وحصرها في المنصة لتعود العملة اللبنانية إلى قوتها، خصوصاً أن التدخلات في السوق كبيرة والقدرة على التحكم بالعملة صعبة. في المقابل، لا يوجد سياسة اقتصادية واضحة”.
موازنة 2024
بدوره، يعتبر الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور بلال علامة أن “قراراً كهذا لا يُتخذ بخفة إلا إذا كان المصرف المركزي مضطراً لذلك”، موضحاً أن القرار “يهدف إلى توحيد سعر الصرف وتبرير سعر الدولار المحتسب في موازنة عام 2024 التي تدرس الآن وستقر حتماً في الشهر الأول من العام المقبل بحسب ما ينص القانون”.
أما بالنسبة لترجمته على أرض الواقع، يرى علامة أن “العقدة تكمن في ما كان يعرف بـ’اللولار‘ أي الدولار العالق في المصارف والذي كان سبيل تحريره هو التعميم 151 الذي يحدد سعر صرف الدولار عند 15000 ليرة”، متوقعاً أن “مصرف لبنان لن يقدم على تجديد العمل بالتعميم 151، بل سيترك الأمور معلقة ريثما تحل مشكلة الودائع والمصارف”.
ويرى علامة أن “أقصى ما يتمناه منصوري هو استجابة السلطة السياسية لنداءاته المتكررة لإقرار قانون الكابيتال كونترول الذي ستستطيع المصارف من خلاله التحكم بحجم السحوبات شهرياً، وبالتالي التحكم بكل سحوبات اللولار في حال أصبح يعتمد لها سعر السوق الموحد أي 89500 ليرة”، موضحاً أن “كل تلك الإجراءات تهدف إلى ضبط الكتلة النقدية عند مستويات مقبولة حتى لا ترتفع مجدداً لتشكل مصدر ضغط لشراء الدولار، إذ إنه عند زيادة الطلب على الدولار سيرتفع سعره ليواكب عملية تحرير قيمة اللولار المصرفي”.
تقرير البنك الدولي
في سياق متصل، يشير تقرير البنك الدولي الصادر في 21 ديسمبر (كانون الأول) إلى أن الاقتصاد اللبناني ما زال يشهد ركوداً كبيراً في ظل تنامي معدل التضخم الذي قد يصل إلى 240 في المئة مع نهاية 2023 مقارنةً مع 2021.
بناءً عليه، يشير علامة إلى أن “المصرف المركزي المرغم على اتخاذ القرارات الكبيرة المتعلقة بتوحيد سعر الصرف وتحريره في آن، ينظر بكثير من الريبة إلى هذا التقرير”، لافتاً إلى أن “كل ذلك مرتبط بارتفاع الأخطار الناتجة من الحرب الدائرة في قطاع غزة”، متسائلاً “كيف سيحافظ مصرف لبنان على توحيد السعر في ظل كل العوامل المذكورة؟ سؤال تصعب الإجابة عليه والعين تتركز على الميدان”.