لم يعد سرا ان الجلسة النيابية العامة التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري في 15 مايو، «للمناقشة حول الموقف من الهبة الأوروبية»، ستتم إدارتها على طريقة «تدوير الزوايا» وضبط الأمور الداخلية ومنع انفجارها، في ضوء ارتفاع أصوات مقابلة، تؤيد قبول الهبة الأوروبية، وعدم المبادرة إلى اتخاذ مواقف متشددة في قضية النازحين السوريين.
وكما كل شيء في الداخل اللبناني، ينقسم أهل البلاد بين فريقين: مع وضد، ولا يوحدون الموقف من ملف خارجي يؤرق الداخل اللبناني ويهدد الكيان.
الانقسام حول حسم الموقف وتوحيده من ملف النازحين السوريين، يشبه ما كان عليه الأمر في ستينيات القرن الماضي من «الكفاح المسلح» الفلسطيني، فانتهت الأمور إلى توقيع «اتفاق القاهرة» بين الدولة اللبنانية ممثلة بقائد الجيش وقتذاك العماد إميل بستاني، ومنظمة التحرير الفلسطينية.
اتفاق شرع السلاح الفلسطيني في الداخل اللبناني، وأحدث لاحقا انقساما في القرار اللبناني إبان المواجهات بين الجيش اللبناني والفلسطينيين في 1973، باعتراض واسع على طلب رئيس الجمهورية وقتذاك سليمان فرنجية قصف المخيمات بسلاح الطيران.
في كتاب للسفير اللبناني في الفاتيكان النائب السابق فريد الياس الخازن «تفكك أوصال الدولة في لبنان»، إشارة إلى تشدد الأمن اللبناني في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. وفيه أيضا انه مع تشييد أول حائط اسمنتي في مخيم تل الزعتر (شرق العاصمة بيروت)، بدل ألواح الصفيح، تيقن أفراد مخفر الشرطة في الدكوانة المولجين تطبيق الأمن في المخيم المذكور، ان سطوة الدولة اللبنانية قد اهتزت، وان الامور إلى انفلات في تل الزعتر وغيره.. وكانت بعدها الحرب الأهلية بمشاركة فاعلة للسلاح الفلسطيني.
يتكرر الأمر اليوم بالانقسام حول ملف النازحين السوريين، ويؤدي ذلك إلى غياب الحزم، ودائما على حساب صورة الدولة اللبنانية وسطوتها، ما يزيد في تفكك أوصالها، غير المترابطة أساسا.
في الملف الرئاسي، تلازم مستمر بين ربط «حزب الله» الإفراج عن الملف، وحصول هدنة في الجنوب يربطها بهدنة تامة في غزة، لا تخرج فيها حركة «حماس» مهزومة.
بالنسبة إلى «الحزب» لا مشكلة في الوقت، اذ يملك هامشا واسعا لحماية خياره بفتح «جبهة مساندة» من لبنان. وهو لا يقيس خسارته بعدد الضحايا الشهداء من صفوفه ومن المدنيين، ولا بالحسبة الاقتصادية، بل يعتمد تقويما مختلفا خاصا بما هو مطلوب بذله ودفع ثمنه في مواجهة إسرائيل، والتغلب عليها، كما فعل في التحرير العام 2000، ثم في حرب يوليو 2006.
على صعيد الوضع الميداني الجنوبي، فقد شنت إسرائيل أمس سلسلة غارات على طول الخط الأزرق، امتدت من الناقورة غربا وصولا إلى مزارع شبعا. ولوحظ ان الغارات شديدة التدمير.
في هذا الوقت أصبح الرد اللبناني على الورقة الفرنسية في عهدة السفارة، مع الملاحظات عليها والاعتراضات التي لا يمكن وصفها بالسلبية، لكنها تتطلب نقاشا.
وقال مصدر مقرب من «الثنائي الشيعي» لـ «الأنباء»: «ان النقاش يمكن ان يختصر حول نقطتين: الأولى موضوع تراجع مقاتلي حزب الله مسافة عشرة كيلومترات عن الحدود، والثانية وجود ما يشبه منطقة عازلة إضافة إلى غياب عبارة تحرك القوات الدولية بالتنسيق مع الجيش اللبناني».
وأضاف المصدر: «يطالب لبنان بالمعاملة بالمثل. فلم لا تكون هناك منطقة عازلة في الجانب الإسرائيلي؟ وإذا كان المطلوب توفير الضمانات الأمنية لإسرائيل، فإن لبنان أولى بهذه الضمانات، لأنه عرضة للعدوان باستمرار من قبل الجيش الإسرائيلي بحرا وبرا وجوا».
وتابع المصدر: «على الرغم من ان النقاط الخلافية تبدو للوهلة الأولى عالية السقف، فإنه يمكن التفاهم حولها من خلال النقاش. ولا قيمة لأي بحث اليوم، مادام صوت المدفع لم يتوقف. وقد تكون الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات مع فتح جبهة رفح في قطاع غزة. ولا بد من انتظار هذه المعارك وتداعياتها على الساحة اللبنانية».
مصدر مطلع آخر قال لـ «الأنباء»: «ان المسعى الفرنسي يهدف لأحد أمرين: الاول عدم الذهاب إلى حرب واسعة على الجبهة اللبنانية.
والثاني ان فرنسا تريد ان تسجل حضورا قويا على الساحة الإقليمية التي ينتظر ان يعاد رسم السياسات فيها، وربما التحالفات فيها. وبالتالي على فرنسا ان تضع ملفها في الحقيبة في انتظار معرفة الوضع الميداني، على غرار ما فعل الموفد الأميركي أموس هوكشتاين الذي وضع أفكار الحل للوضع الحدودي في عهدة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأدار ظهره ليترقب المسار الذي ستذهب اليه الأوضاع. ويدرك هوكشتاين تماما ان التفاهم سيكون سائدا في نهاية المطاف، بعدما أصبح خبيرا في اختراع الحلول، على غرار ما فعله بالنسبة إلى الحدود البحرية، رغم الاعتراضات العديدة وتشابك المصالح على غير صعيد».
في عين التينة حركة يومية للرئيس نبيه بري، منها استقباله وفدا من «اللقاء الديموقراطي» برئاسة النائب تيمور جبنلاط.