في 12 يوليو من العام 2006 نفذت وحدة خاصة من فرق «النخبة» في ««حزب الله» عملية ضد قوة مؤللة إسرائيلية في خلة وردة في خراج بلدة عيتا الشعب، لكن ضمن الأراضي الإسرائيلية، لجهة مستعمرة شتولا. عادت القوة بجنديين إسرائيليين إلى الأراضي اللبنانية، تردد كثيرا أنهما قتلا في الاشتباك مع ستة جنود إسرائيليين آخرين.
أطلق «حزب الله» اسم «الوعد الصادق» على العملية، وردت إسرائيل بحرب مدمرة لم توفر جسرا ومنطقة في لبنان. وتوقفت الحرب منتصف أغسطس بموجب القرار الدولي 1701.
في المحصلة نجح «الحزب» في منع إسرائيل من القضاء عليه، وصمد وخرج أقوى تسليحا وعديدا في مرحلة لاحقة.
وبعد 18 سنة أعاد «الحزب» فتح جبهة الجنوب تحت مسمى «جبهة مساندة غزة»، وفرض نفسه قادرا على تهديد إسرائيل، وامتلك مفاعيل المبادرة، إلا أن لبنان دفع الثمن خرابا في بلدات حدودية عدة، وقضاء على موسم زراعي، وتهجيرا للآلاف من أبناء البلدات والقرى الحدودية، في وقت يعاني فيه من انهيارين مالي واقتصادي غير مسبوقين في تاريخه.
في الحسابات، انتصر «الحزب» حتى كتابة هذه السطور، إلا ان لبنان، وكالعادة، انفرد بدفع الثمن الأكبر دفاعا عن القضية الفلسطينية.
في المحصلة أيضا، كثير من اللبنانيين يشبهون سلاح «حزب الله» بالسلاح الفلسطيني، مع فارق هنا أن «حزب الله» مكون لبناني ويتمثل بكتلة نيابية واسعة، وان كانت أجندته إقليمية، لا يجني منها لبنان مكاسب مباشرة، ولا تصرف فيه انتصارات «الحزب» الكبرى، عدا ردع إسرائيل عن اجتياح لبنان، علما أن كثيرين يشيرون إلى الاكتفاء بـ «اتفاق الهدنة» الموقع مع إسرائيل بإشراف الأمم المتحدة عام 1949، والذي كان كافيا لإرساء هدنة طويلة، خرقت بحسب إسرائيل من قبل المجموعات الفدائية الفلسطينية التي اتخذت من جنوب لبنان ومنطقة العرقوب نقاطا لشن هجمات في الداخل الإسرائيلي.
في أي حال تمر ذكرى حرب يوليو 2006 بصورة مماثلة لذكرى الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990)، والتي تبقى حاضرة في البال والأذهان، وتكاد تلامس الحاضر من دون أن تندلع وتنفجر في اللحظة الأخيرة. والشيء عينه بالنسبة إلى توسع الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»، إذ يملك الثاني القدرة الصاروخية على شل مقومات الحياة في إسرائيل، فضلا عن ظروف دولية في طليعتها الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تكبح جماح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وتقيد حركته.
ولم تهدأ الجبهة في الجنوب، بل لا يمكن التكهن بوتيرتها، وقد خرق الطيران الحربي الإسرائيلي أمس جدار الصوت فوق ساحل مدينة جبيل الواقعة منتصف السواحل اللبنانية، والبعيدة كثيرا عن الجنوب. وتردد الصوت في ساحل كسروان جنوبا وبعض ساحل البترون شمالا.
في هذا السياق اجتمعت ظهر أمس كتلة «التنمية والتحرير» برئاسة الرئيس نبيه بري، وتلا باسمها النائب أيوب حميد بيانا، جاء فيه «تجدد الكتلة التزامها وتمسكها بالقرار الأممي رقم 1701 الذي صدر أيضا في مثل هذه الأيام قبل 18 عاما، وتعرض خلالها ومنذ لحظة صدوره وحتى اليوم لأكثر من 33 ألف خرق اسرائيلي لبنوده وللسيادة الوطنية اللبنانية في البر والبحر والجو». وفي الشأن السياسي المتصل بملف الاستحقاق الرئاسي، أكدت «الكتلة أنها بالقدر الذي تدين فيه أي تطاول أو تجن أو استخفاف بالمواقع الرئاسية وصلاحياتها وأدوارها، فهي لن تعير أي اهتمام لحملات التجني والافتراء التي تطول رئيس المجلس النيابي ودوره وصلاحياته، وهي حملات حتما ممجوجة ومكشوفة الأهداف، ولن تغير من قناعاتنا وإيماننا بأن لبنان في أساس وجوده وتركيبته الروحية والسياسية الفريدة هو وطن حوار وتلاق يومي بين مختلف ألوان طيفه الروحي والسياسي. فلماذا خشية هذا البعض من علة وجود لبنان وهو الحوار؟ ولماذا تصوير الحوار أو التشاور على أنه فزاعة وتجاوز للنظام والدستور؟».
في الميدان الجنوبي، يأخذ التصعيد على الحدود اللبنانية مع إسرائيل منحى مختلفا مع تقدم المفاوضات نحو الاتفاق في غزة، اذ تتوسع الهجمات وتأخذ شكلا أكثر دقة بإصابة أهداف إستراتيجية محددة، وبأسلحة لم تستخدم طوال فترة الأشهر التسعة الماضية من المعارك، وتاليا هي عملية توجيه رسائل في اتجاهات عدة.
وقال مصدر لـ «الأنباء»: «الرسالة الأولى تتضمن تذكير المفاوضين بأن أي حل يجب أن يكون لبنان في صميمه، وأن يكون الملف اللبناني حاضرا على طاولة النقاش، وإذا كان لبنان سيتوقف طوعا عن المواجهات فور الاتفاق على وقف النار في غزة، فلا يعني ذلك أن يكون خارج بنود الاتفاق. الرسالة الثانية استباقية للمفاوضات التي ستحصل حول ترتيب الوضع على الحدود اللبنانية، وهي شاقة ومتشعبة سواء حول مصير القرار 1701 أو النقاط الحدودية موضع الخلاف، وموضوع الانتشار لمقاتلي حزب الله أو الجيش الإسرائيلي على جانبي الحدود».
وتابع المصدر «الرسالة الثالثة يراد منها تحذير حكومة نتنياهو أن الحزب لم يخرج كل ما عنده بعد، وهو يتعاطى مع المواجهات وفقا لمقتضيات الميدان، خصوصا لجهة نقل ثقل المعارك إلى منطقة الجولان السوري المحتل».
وفي حادثة تتكرر بأكثر من منطقة من الجنوب إلى الضاحية الجنوبية، اعترض عدد من الشبان في منطقة الحوش شرق صور دورية تابعة للقوات الدولية العاملة في لبنان (اليونيفيل) عن طريق ركن السيارات خلف آلياتها وأمامها للحيلولة دون تحركها. وأجريت اتصالات بين مؤسسات أمنية رسمية لبنانية و«اليونيفيل» لحل المشكلة.