يخشى المجتمع المسيحي الصغير في قطاع غزة، من خطر الإبادة في ظل استمرار الهجوم الإسرائيلي المكثف، ومقتل 20 شخصا منهم على الأقل.
وتزايدت المخاوف، بعد مقتل أم وابنتها على يد قناصة إسرائيليين، السبت الماضي، بحسب بيان لبطريركية القدس للاتين، السلطة الكاثوليكية في الأرض المقدسة، وهو ما وصفه البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، الأحد”، بأنه “إرهاب”.
وكانت الأم، ناهدة خليل، التي تركت بيتها ولجأت إلى كنيسة العائلة المقدسة مثل مئات من سكان غزة، طلبا للأمان والنجاة بحياتهم من القصف المدمر، في طريقها إلى دورة المياه، عندما أطلق عليها قناص إسرائيلي النار. وعندما حاولت ابنتها، سمر أنطون، مساعدة والدتها، تلقت أيضا رصاصة أخرى، فقتلتهما، بحسب بيان البطريركية التي أشارت إلى إصابة سبعة آخرين بالرصاص، بينما كانوا يحاولون حماية آخرين.
وقال البابا فرنسيس: “ما زلت أتلقى أخبارا خطيرة ومؤلمة جدا من غزة… مدنيون عزل يتعرضون للقصف وإطلاق النار. وقد حدث هذا حتى داخل مجمع رعية العائلة المقدسة، حيث لا يوجد إرهابيون، بل عائلات وأطفال ومرضى وذوو احتياجات خاصة وراهبات”.
ونفت إسرائيل استهداف الكنيسة واعتبرت أن “الادعاءات غير صحيحة”.
لكن، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف أماكن عبادة مسيحية، بحسب المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسيطة للروم الأرثوذكس في فلسطين، “فقبل عدة أسابيع، تم استهداف مسيحيين في الكنيسة الأرثوذكسية، مما أدى إلى مقتل 18 شخصا تقريبا”.
ففي 21 أكتوبر، هز انفجار مروع كنيسة القديس بورفيريوس، أقدم كنيسة أرثوذكسية في غزة، مما أسفر عن مقتل 18 شخصا على الأقل، وفقا لحكومة حركة حماس.
وقال الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت إن طائراته المقاتلة استهدفت مركزا للقيادة والسيطرة تابعا للحركة، لكنه نفى أن الكنيسة كانت مستهدفة.
لكن حنا عبر عن اعتقاده بأن “هذه الحرب تستهدف غزة كلها بكافة مكوناتها وأبنائها”، معتبرا أن “استهداف الكنائس والمساجد والمستشفيات والمدنيين، أمر مروع، ولا يمكن القبول به بأي شكل من الأشكال”.
وخلال الأسابيع التي تلت شن إسرائيل الحرب على غزة بعد هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي، “لجأ العديد من أعضاء المجتمع المسيحي في القطاع الذي يبلغ عدده نحو ألف شخص إلى مجمعي كنيستين في القسم القديم من غزة، هما كنيسة القديس بورفيريوس للروم الأرثوذكس، وكنيسة العائلة المقدسة الكاثوليكية”، بحسب حنا.
وقالت عضوة البرلمان البريطاني، ليلى موران في منشور على منصة أكس، الجمعة، إن بعض أقاربها كانوا من بين حوالي 300 شخص محاصرين في الكنيسة الكاثوليكية في مدينة غزة، مشيرة إلى أنهم أبلغوها بأنه تم إطلاق قنابل فوسفور أبيض وإطلاق نار داخل مجمعهم”.
والسبت، قالت موران، إن عائلتها أبلغتها بوجود جنود إسرائيليين على أبواب الكنيسة، “واندلع حريق عندما ضربوا أحد الموالدات المتوقفة عن العمل أصلا. لم يعد هناك ماء”.
وأضافت: “لا نعرف سبب حدوث ذلك. هل سيتم طردهم من الكنيسة قبل أيام قليلة من عيد الميلاد”.
ويمثل المسيحيون في غزة نسبة ضئيلة من السكان، إذ يعيش حوالي 1000 شخص فقط في القطاع. والغالبية العظمى من الأرثوذكس اليونانيين، في حين أن نسبة أقل بكثير من الروم الكاثوليك والمعمدانيين والطوائف البروتستانتية الأخرى، وفقًا لمسح أجرته جمعية الشبان المسيحيين عام 2014.
ومع ذلك، فإنهم من بين أقدم المجتمعات المسيحية في العالم، “إذ يعود تاريخها إلى زمن المسيح تقريبا”، على حد قول متري الراهب، أحد القيادات الكنسية، وهو مقيم في بيت لحم، وعلى تواصل مع المجتمع المسيحي في غزة.
ويضيف أنه يخشى أن يكون المجتمع الصغير معرضا لخطر الإبادة في ظل الهجوم الإسرائيلي، “أعتقد أن المجتمع المسيحي لن ينجو من هذه الفظائع. حتى أولئك الذين سيبقون على قيد الحياة بعد الحرب، لست متأكدا من أنهم سيستطيعون العيش في مكان لا يمكن العيش فيه”.
وحتى الآن، أسفرت الحرب عن مقتل أكثر من 19 ألف شخص في غزة، وفقا للسلطات الصحية الفلسطينية في القطاع، مع نزوح حوالي 90 في المئة من السكان البالغ عددهم حوالي 2.2 مليون نسمة، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.
ومع مقتل ما لا يقل عن 20 مسيحيا فلسطينيا في الصراع، قال مايكل عازار، الأستاذ المشارك في علم اللاهوت والدراسات الدينية في جامعة سكرانتون اليسوعية، بولاية بنسلفانيا، إنه يشارك الراهب مخاوفه.
وأضاف أن “20 شخصا حتى الآن في مجتمع مكون من ألف شخص فقط هي في الواقع نسبة عالية جدا”، معتبرا أن الخوف من محوهم “حقيقي للغاية”.
وقال حنا لموقع “الحرة”: نحن على تواصل مع العديد من المنظمات الإنسانية ومع كل الهيئات الحقوقية والسفراء المعتمدين في الأراضي المقدسة، بهدف مساعدة الجميع وليس فقط المسيحيين”.
وأضاف: “بالتأكيد مسؤوليتنا تتركز على المسيحيين والكنائس، ولكن ما يهمنا أيضا أن يصل موقفا واضحا. همنا ليس فقط وصول مواد إغاثية، مع أن هذا مهم، ولكن أيضا ضرورة أن تتوقف الحرب بأسرع ما يمكن، حقنا للدماء، ووقفا للدمار. هذا هو موقفنا الوحيد والأساسي والأهم الذي ننادي به في هذه الأيام”.
وتابع: إننا “إذ نعرب عن شجبنا ورفضنا واستنكارنا لاستهداف المدنيين، سواء كانوا في الكنائس أو غيرها من الأماكن، نحن نطالب العالم بأسره وقياداته السياسية وكل المرجعيات الروحية والحقوقية بضرورة التحرك من أجل وقف هذه الحرب”.