من مجموعات العائلة والعمل والأصدقاء، تطوّر الأمر إلى مجموعات الأخبار التي تكاثرت بسرعة البرق، بعدما أصبح كل مستخدم للإنترنت “صحفيا” متى شاء، ينشئ ما يريد من المجموعات وينشر ما يحلو له من أخبار، فاختلط الحابل بالنابل وتاهت المعلومات الصحيحة وسط سيل من الأخبار المدسوسة والمدفوعة والمنقولة من دون تدقيق وضوابط.
بعض المشرفين على المجموعات لا يترددون كما يؤكد الناشط الإعلامي عيسى خميسي عن نشر أخبار يعلمون أنها مضللة وتثير الرأي العام إن كان ذلك مقابل مبالغ مالية، مشدداً على رفضه اتخاذ مثل تلك الخطوة.
ويشرح لموقع “الحرة” “إذا أثار خبر ما شكوكي أذكر أنه منقول، إلا إذا كان يتعلق برفع معنويات الفلسطينيين في غزة في ظل ما يدور الآن، فهذا النوع من الأخبار أنشره على الفور من دون التأكد من صحته”.
لدى خميسي ثلاث مجموعات إخبارية على واتساب، عدا عن المجموعات الأخرى في بقية التطبيقات لاسيما تلغرام، يديرها وعدد من المشرفين، حيث يستقون معلوماتهم كما يقول “من أشخاص نثق بهم” مشيراً إلى أنه “تعدد مجموعاتي على واتساب يعود إلى فرض التطبيق حد أقصى لعدد المتابعين لا يمكن تجاوزه”.
تضليل متعدد الوجوه
تتخذ الأخبار الزائفة صوراً عدة، من نص مكتوب إلى فيديوهات مركبة أو قديمة أو لا علاقة لها بالحدث، إلى صور مفبركة أو خارجة عن سياقها، وفي أغلب الأحيان يعتمد مروجوها على أساليب مختلفة لتغليفها بثوب المصداقية، كنسبها إلى مصادر موثوقة لدى الرأي العام، أو مهرها بكلمة “منقول” لإبعاد الشبهات عن وقوفهم خلفها.
والخطورة الأكبر تكمن كما تقول الصحفية في موقع “النهار” اللبناني، هالة حمصي “في سرعة انتشارها نتيجة نقل غالبية المجموعات الإخبارية من بعضها البعض، من دون أن يكلّف القائمون عليها أنفسهم عناء التحقق منها، وكذلك لمشاركة بعض المتابعين لها إما عن جهل لعدم معرفتهم كيفية التحقق من صحتها أو عن قصد لغايات متنوعة كإثارة الفوضى والعبث بالأمن”.
حتى المواقع الإلكترونية المعروفة بمصداقيتها قد تقع كما تقول حمصي لموقع “الحرة” “ضحية مثل هذه الأخبار، نتيجة السيل الجارف منها لاسيما في ظل الأحداث الكبرى كالأوبئة والحروب، حيث نشهد بالتوازي مع المعارك على الأرض معارك شرسة على الإنترنت على مستوى الأخبار المضللة التي ساهم الذكاء الاصطناعي في تعزيزها، أما التطبيق الأخطر لترويجها فهو الواتساب بسبب شموليته والكم الهائل من المشاركات عبره، من دون إمكانية كشف من بدأ بنشر الخبر”.
وسبق أن أجرى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا دراسة حول الأخبار الزائفة، في عام 2018، كشفت أنها تنتشر بسرعة ستة أضعاف من المعلومات الحقيقية.
والشهر الماضي أفادت دراسة عالمية شملت 8000 شخص في دول من بينها النمسا وكرواتيا والولايات المتحدة والجزائر والمكسيك وغانا والهند، بأن 56 في المئة من مستخدمي الإنترنت حصلوا على أخبارهم بشكل رئيسي من وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب ما أوردت صحيفة “الغارديان”.
ووجد الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة إبسوس لاستطلاعات الرأي، أن وسائل التواصل الاجتماعي هي المصدر الرئيس للأخبار في كل بلد تقريبا، حيث قال 68 في المئة من المستطلعين في البلدان الستة عشر، إن وسائل التواصل الاجتماعي هي المكان الذي تنتشر فيه الأخبار المزيفة بشكل أكبر، قبل تطبيقات المراسلة وذلك بنسبة 38 في المئة.
وفي فبراير الماضي، كشفت تقرير”، صادر عن “المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي” المغربي بعنوان “الأخبار الزائفة: من التضليل الإعلامي إلى المعلومة الموثوقة والمتاحة”، مبني على دراسة استطلاعية أعدت عبر منصته الرقمية “أشارك”، أن 51 في المئة من المستطلعة آراؤهم سبق لهم أن نشروا بين معارفهم ومتابعيهم معلومات وأخبارا مشكوكا في صحتها مقابل 41 في المئة لم يسبق لهم أن قاموا بذلك.
“الخطأ… وارد”
لدى الصحفي خالد الرفاعي مجموعات إخبارية على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي تعود لموقعه الإلكتروني، كما أنه يتبادل وزملاء له الإشراف على مجموعات إخبارية على الواتساب تعود لبعضهم البعض، كون هذه الوسيلة كما يشدد هي الأسرع في نشر الخبر في لبنان.
مجموعة خالد الإخبارية على واتساب مفتوحة، لإفساح المجال للمتابعين كما يقول بنشر ما يريدون من أخبار ليعاود التحقق منها عبر مصادره الخاصة وهي عبارة عن معارف له في مناطق عدة في مسقط رأسه، ويقول “إذا تبيّن أن الخبر زائف أقوم بحذفه، كما قد تتسرع مجموعات إخبارية في نقل الأخبار عن بعضها البعض فيتبين فيما بعد عدم صحة الخبر، فهذا أمر وارد”.
ويجزم الرفاعي في حديث لموقع “الحرة” أنه يرفض نشر أي خبر مضلل إن كان يعلم بذلك، لكن لم يصدف أن عرض عليه أحد ذلك، مشيراً إلى أنه “قد ادعم جهة سياسية وأخصص لها مساحة أكبر من غيرها للإضاءة على نشاطاتها، وهذا لا يتعدى العمل الصحفي المتعارف عليه”.
ويضيف “في السابق كنا نعتمد على فيسبوك لإيصال الأخبار، لكنه أصبح وسيلة مادية، يفرض دفع المال لكي يحوز الخبر على مشاهدات، عدا عن القيود التي يضعها كما حال تطبيق تيك توك، في حين نلجأ إلى التلغرام حين حصول عطل ما في واتساب” مؤكداً أن الأجهزة الأمنية اللبنانية ليست بعيدة عن مقاربة الأخبار المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لمنع كل ما من شأنه أن يثير الفتنة ويخل بالأمن، وسبق أن تواصل إحداها معي لحذف خبر اعتبره تحريضيا”.
وكان المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، كشف في يناير الماضي، عن نتائج المؤشر العربي 2022 الذي نفّذه في 14 بلداً عربياً، وشمل الاستطلاع 33300 شخصاً، حيث تبين أنه إضافة إلى استخدام الإنترنت للتواصل مع الأصدقاء والمعارف ومواكبة الأحداث الرائجة (تريند) ومَلْء وقت الفراغ، فإن 75 في المئة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يتابعونها أيضاً للحصول على أخبار ومعلومات سياسية.
أما على صعيد تقييم وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أفاد 43 في المئة من مستخدميها، أنهم يثقون بالمعلومات والأخبار المتداولة عليها بصفة عامة، مقابل 57 في المئة لا يثقون بها. وتتفاوت نسبة الثقة بحسب أنواع الحسابات والصفحات.
وفي لبنان أظهرت دراسة لشركة “انفلو أنسر”، حول نظام واتساب الإخباري، وذلك بعد شهر من مراقبة الأخبار على هذا التطبيق، أن المواضيع المعيشية هي أكثر ما تم نشره ومشاركته كما يشرح المتخصص في التواصل الاستراتيجي، رالف بيضون “وذلك كأسعار المحروقات والدولار، تليها المواضيع الأمنية كالسرقات وقطع الطرق، ومن ثم الأخبار السياسية فأخبار الدول الخارجية المرتبطة بلبنان، ما يفسر أن المواطن يفكر يومياً بمعيشته وأمنه وما يقوله السياسي والحل القادم من الخارج.
ويضيف بيضون في حديث لموقع “الحرة” “تبين أن معظم المجموعات الإخبارية تنقل الأخبار عن بعضها البعض بشكل رديء أو لكون لديها أجندة واحدة، وأن التضليل الإعلامي الممارس قد يتخذ صورة إيصال الحقيقة منقوصة، مع التركيز على العناوين المرعبة لدفع المتابعين للضغط على الروابط الإخبارية أو لدس الرعب في نفوس المواطنين تنفيذاً لسياسة التخويف”.
وسائل المواجهة
في الدراسة التي أجرتها مؤسسة إبسوس، تبين أن المعلومات المضللة تشكّل بأغلبية ساحقة تهديداً ملموساً، حيث قال 85 في المئة من المستطلعة آراؤهم إنهم قلقون بشأن تأثيرها.
ويقول الصحفي والباحث في مؤسسة “مهارات”، حسين الشريف، “مواقع التواصل الاجتماعي ليست سبب الأخبار الزائفة إنما زادت من انتشارها بحكم سهولة الوصول إليها”.
ويشدد الشريف في حديث لموقع “الحرة” على أنه “لا بد من أن يصبح التحقق من المعلومات سياسة عامة، كأن يصبح جزء من المناهج التعليمية المدرسية والجامعية لرفع وعي المواطنين وبناء حس نقدي لديهم، يدفعهم إلى البحث عن مصدر الخبر وتاريخ نشره، للتأكد فيما إن كان مفبركاً أو قديماً أو ساخراً تم وضعه في إطار جدي فأخرج عن سياقه”.
كذلك تشدد حمصي على ضرورة أن يكون لدى مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي حس نقدي، “أي ألا يصدقوا كل ما يقرؤنه ويشاهدونه، وأن يبحثوا عن مصدره للتأكد من صحته”.
طوفان الأخبار الزائفة، دفع شركات وسائل التواصل الاجتماعي إلى اتخاذ إجراءات عديدة لمواجهتها، من دون أن تتمكن من ذلك، كما جنّد صحفيون أنفسهم لمحاربتها في مختلف الدول، حيث تلعب كما تقول حمصي “منصات عدة دوراً كبيراً ومهماً في كشف الحقيقة، من لبنان إلى مصر والأردن والعراق وغيرها من الدول، كما خصصت مواقع إلكترونية مساحة لتنبيه المتابعين من هذه الأخبار”.
لكن المشكلة الأساسية، تكمن بحسب حمصي “في الكم الكبير وسرعة انتشار هذه الأخبار، وبالتالي عدم القدرة على متابعتها كلها، وكذلك في استمرار البعض بمشاركة الأخبار الزائفة حتى بعد نشر الحقيقة، ما يوحي بأنهم يعملون ضمن شبكات لتسويقها، حيث تنتشر حسابات هدفها فقط فبركة وترويج مثل هذه الأخبار من دون معرفة من يقف خلفها”.
“مهارات نيوز” جزء من الشبكة الدولية للتحقق من المعلومات، تعمل على تصحيح الأخبار التي قد تلحق أذى بالمواطنين وتضر بالصالح العام، وتقوم بنشرها على المجموعات والصفحات التي روجت للزائفة منها وذلك بموافقة المشرفين عليها، ويقول الشريف “بموازاة الذكاء الاصطناعي الذي ساعد في فبركة الصور والفيديوهات والأصوات ظهرت أدوات لكشف هذا الزيف وإن كان غالبيتها غير مجاني”.
ونظراً لخطورتها، أعلنت دار الإفتاء المصرية، أن تداول الأخبار المغلوطة أو الكاذبة أو المُضرّة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها حرام شرعاً ويتشارك في الإثم والحرمة من اختلق الشائعة ومن تداولها ومن سعى في تصديقها من غير تثبُّت، ولا يكفي في ذلك الاعتذار بحسن النية ولا بالجهل.
وحاولت بعض البلدان وضع حد لهذه المعضلة من خلال تشريع قوانين رادعة، في حين تدرس دول أخرى اتخاذ ذات الخطوة، لكن الشريف لا يحبّذ أن تمارس السلطات رقابة على المحتوى كي لا يتم الوقوع في أتون التضييق على الحريات والفضاء العام، ويقول “نشر الوعي وبناء التفكير النقدي لدى الجمهور سيساعد على كشف الأخبار الزائفة وبالتالي الحد من انتشارها وتداولها على المجموعات الإخبارية”.